طباعة هذه الصفحة

البسيط في عيشته، القوي والحازم في قراراته يرحل

محمـد عبــــد العزيــــز مات.. لكـن القضيــــة الصحراويـة لـن تمــــت

كنت منهمكة في تحضير المادة الإعلامية الخاصة بالقسم الوطني للجريدة التي تصدر في عدد الأربعاء 1 جوان، كما جرت عليه العادة، وانتظار نتائج اجتماع مجلس الوزراء الذي كان ينعقد برئاسة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة حينما جاءت الرئيسة المديرة العامة للجريدة أمينة دباش مسرعة تحمل الخبر المؤلم، وفاة الأمين العام لجبهة البوليساريو ورئيس الجمهورية العربية الصحراوية محمد عبد العزيز، تطلب مني كتابة مقال عن المناضل والقائد والزعيم الراحل، كوني سبق لي وأن أجريت معه حوارا مطولا صدر في جريدة «الشعب» في شهر أكتوبر من سنة 2010، وجمعني العمل به في عدة مناسبات وأحداث سواء بمخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف، أو بالجزائر العاصمة أو خارجها.

لازلت أتذكر مثل اليوم، كيف قطع اجتماع تقييمي، عقب اختتام الاحتفالات بالذكرى الـ35 لإعلان الوحدة الوطنية بمنطقة ميجك بالأراضي المحررة، وزيارة كريستوفر روس المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة  للمنطقة، من أجل فقط أن يلبي طلبي الملح في إجراء مقابلة صحفية معه لأم الجرائد التي رافقت الكفاح المسلح، والانتفاضة السلمية للشعب الصحراوي منذ البداية، جائني في بذلته «الخضراء» مثل غصن الزيتون، فقد كان معروف عليه بحبه للباس العسكري، وهو يرسم ابتسامة عريضة على وجهه، ابتسامة لم تفارق محياه وهو في أحلك الظروف، استقبلني مثلما يستقبل الأب ابنته، ظهرت عليه علامات الطيبة والتواضع، ويومها عرفت كيف استطاع كسب محبة وتقدير شعبه، فقد اختار أن يعيش في منزل طوبي وخيمة مثله مثل باقي اللاجئين الصحراويين الذين فروا من بطش المحتل المغربي، اختار تقاسم المعاناة مع شعبه وهو الذي كان بإمكانه اختيار أي مكان فخم للعيش فيه رفقة عائلته، ظل مرابطا بمخيمات اللجوء بتندوف وسط طبيعة قاسية وظروف صعبة يمارس مهامه في تسيير شؤون شعبه، ويواصل معركته النضالية على كل الجبهات لاستعادة حقه في تقرير المصير بوسائل سلمية، محتكما ومحترما للإرادة الدولية وللقرارات الأممية، رغم مرور عقد من الزمن، ولم يزده «تكالب» المحتل المغربي وتقاعس الهيئة الأممية عن دورها وتحالف دول عظمى ضد إرادة الحق، إلا صلابة وقوة، ومضى في حشد التأييد الدولي ولم ييأس في طرق أي باب فقط من أجل إسماع صوت شعبه وقضيته العادلة.
كان يؤمن أن القوة ليس في ترسانة الأسلحة، بل في قوة الحق، وقد عاتبني يومها كثيرا على سؤالي له إذا كان الشعب الصحراوي يستطيع الانتصار في حال قرر العودة إلى الكفاح المسلح ضد المحتل المغربي، لأن الحرب غير متكافئة من ناحية التسليح طبعا، وأجابني بحزم «هذه الرؤية لو طرحها الثوار الجزائريون في بداية الثورة في أول نوفمبر لما نالوا الاستقلال، ولو طرحناها نحن في 1975 ما كانت لتنطلق الحرب نظرا لعدم تكافؤ القوة والفرص وموازين القوى، ولكن قوة الحق أقوى وأكثر تأثير من حق القوة ونحن نملك قوة الحق.. فرضت علينا الحرب في 1975 وقد كانت مدمرة بأطرافها المغرب موريتانيا نظام ولد دادة، إسبانيا فرنسا وأطراف أخرى، ويومها لم نجد إلا تحمل مسؤولياتنا بأسلحتنا وقوتنا وكانت النتيجة أنه على الأقل لم يفرض علينا العدو الركوع، أما الآن إذا فرضت علينا مرة أخرى الحرب، فسنخوضها وأعتقد أنه سواء على المستوى الوطني الداخلي العسكري أو الشعبي أو على المستوى الجهوي أو الدولي، ظروفنا في سنة 2010 أو2011 أو 2012 أحسن مما كنا عليه بكثير في 1975 وبكثير جدا».
واقتنعت بعد إجابته، أنه فعلا قائدا مغوارا، وثائرا حرا، كالصقر في السماء لا تخيفه الأخطار ولا توقفه مطبات، وأنحيت له احتراما على مواقفه ومبادئه الذي ظل متمسكا بها، و تعلمت منه درسا لن أنساه.
وفي كل مرة كنت أزور فيها رفقة ممثلي وسائل الإعلام الجزائرية، مخيمات اللاجئين الصحراويين، لتغطية مهرجانات، ملتقيات، أو مؤتمرات خاصة بالشباب، بالنساء، وبالعمال، وبجبهة البوليساريو، سواء بالمخيمات أو بالأراضي المحررة، كنت أحظى بشرف لقائه، فقد كان يحرص على الاجتماع بالصحافيين الجزائريين بصفة خاصة في آخر كل نشاط، في لقاء ودي حول مائدة طعام، أو جلسة شاي يرد فيه على كل استفساراتنا، وتساؤلاتنا حول مستجدات القضية الصحراوية، لا يكل ولا يمل من أسئلتنا التي تتكرر أحيانا، لأنه كان يدرك أهمية الإعلام في تنوير الرأي العام الوطني، والعالمي، ويعتبرنا جزء من حماة القضية والمدافعين عنها ليس بالسلاح ولكن بالحرف والكلمة.
عرفته معتزا بهويته الصحراوية، وبلغته العربية، ففي الوقت الذي كنت أنتظر أن يلقي خطابا باللغة الاسبانية في مدينة إشبيلية بمناسبة انعقاد الندوة الأوربية للتضامن مع الشعب الصحراوي، راح يلقي كلمته بلغة عربية فصيحة، صفق ووقف له الجميع فيها، ورفض إجراء حوار باللغة الإسبانية مع صحفية بالإذاعية الجزائرية ليس لجهله لها، ولكن تمسكا بمبادئ دافع و يدافع عنها في كل محفل. فرحم الله الفقيد وأسكنه جنات نعيمه.
إنا لله وإنا اليه راجعون.
زهراء بن دحمان