الحوار الاجتماعي عصب النموذج الجديد للنمو
تتجه الأنظار اليوم إلى قمة الثلاثية 20، التي تعقد لأول مرة بعنابة، ويترقب باهتمام كبير ما سوف يفضي إليه اجتماع شركاء الثلاثية، المتمثلين في منظمات أرباب العمل ونقابات وخبراء ووزراء برئاسة الوزير الأول عبد المالك سلال، بالنظر إلى صعوبة المرحلة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية، وإلى جانب مسعى التحول القائم والمسطر للقفز إلى تنويع الاقتصاد وتسريع وتيرة النمو، من خلال التحرر التدريجي من التبعية النفطية، ويتصدر ملفات النقاش الوقوف على مدى تجسيد النموذج الاقتصادي للنمو، الذي لم تنقض سنة واحدة على سيرانه، حيث ينتظر أن تعطى توجيهات ويتم إرساء إجراءات جديدة لتفعيله على أرض الواقع، وبالرغم من أن جميع المؤشرات تؤكد أن القمة ستعنى بالملفات الاقتصادية ذات الأهمية، على غرار الاستثمار والمنظومة البنكية والمؤسسة الاقتصادية، إلا أنه يتوقع أن لا يفوت الشريك الاجتماعي الفرصة لإثارة مسألة حماية القدرة الشرائية.
تمكنت الجزائر على مدار أزيد من عقدين ونصف من انتهاج سياسة مناقشة ومعالجة أهم الملفات الاقتصادية والاجتماعية على طاولة الحوار من خلال مشاركة الفاعلين في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وتستمع إلى جانب ذلك إلى أراء واستشراف الخبراء، مما أكسبها تجربة طويلة، توصف بالرائدة إفريقيا وعربيا ولعل الاجتماع المستمر سواء لانعقاد القمم الثلاثية أو نظيرتها الثنائية، التي كان الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي يتطلبها، جعل منها بوصلة حقيقية للتوجيه وكذا المرافقة في خضم التحولات الاقتصادية و التحديات الاجتماعية وكذا الاستجابة لمطالب عالم الشغل وتحسين القدرة الشرائية، عن طريق افتكاك مكاسب الزيادة في الأجور والمطالبة باستحداث المزيد من مناصب الشغل عن طريق طرح آليات لامتصاص البطالة.
تأتي قمة عنابة لتكرس من جديد إرادة تعميق وتوسيع ورشة الإصلاحات الاقتصادية التي سطر معالمها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ومواصلة خوض معركة النمو، التي من شأنها أن تؤسس لمرحلة اقتصادية جديدة تكشف عن قدرات الجزائر الحقيقية ونجاحها في اقتحام الأسواق الخارجية وبلوغ هدف جوهري يعد من الرهانات الكبرى، والمتمثل في تحقيق اقتصاد متنوع وقوي عن طريق كثافة وفعالية الآلة الإنتاجية.
يبدو أن الشركاء يحملون مقترحات وملاحظات وسوف يكشفون في اجتماع اليوم عن جميع العراقيل التي واجهوها في مسار توجهاتهم لخلق الثروة.. ومن جهتها الحكومة سوف تفتح المجال لإثارة جميع المسائل التي يسفر حلها عن تسريع وتيرة التنمية.. ولن يخلو اللقاء عن فتح ملف الاستثمار وطي ملف العقار الصناعي والحديث الذي لن ينته يتمثل حول الأشواط التي تم قطعها في الإصلاح المصرفي وما تحتاجه عملية عصرنة المنظومة البنكية، وستفتك حصة الأسد المؤسسة الاقتصادية بأدائها وما ينبغي أن تصل إليه على المديين المتوسط والطويل. وبطبيعة الحال مشاركة الشريك الاجتماعي في هذا اللقاء لن تقتصر على أمور صب المزيد من الدعم للمؤسسة من أجل الحفاظ على مناصب الشغل بل واستحداث مستمر لمناصب جديدة، كونها سوف تدعو إلى حماية القدرة الشرائية بالنظر إلى التهاب الأسعار بفعل المضاربة في الأسواق التي تحتاج إلى الكثير من التنظيم والضبط في أقرب وقت ممكن.
يتوقع أن يصل المشاركون في القمة الثلاثية إلى قرارات جريئة ومفصلية في منعرج اقتصادي هام يعرف تحول الجزائر من بلد نفطي إلى بلد بإنتاج متنوع يتسع لسلسة من الصناعات والإنتاج الفلاحي والسياحي وكذا اقتصاد المعرفة..حتى تنطلق وتقفز إلى مصاف الدول الناشئة.