إرهاب الطرقات يثير انشغال المجتمع والدولة

ضرورة العمل الجواري للتحسيس بالمخاطر

سعيد بن عياد

تشير معطيات حوادث المرور التي أصبحت  كارثة تشغل بال المجتمع والدولة، إلى أن جانب التحسيس والوقاية لا يزال يتطلب مضاعفة الجهود وتنمية الأساليب خاصة بعد أن تحولت الظاهرة إلى إرهاب يحصد العشرات بمعدل ١٣ قتيلا يوميا، بالإضافة إلى ما يخلفه من جرحى ومعاقين يكلفون المجموعة الوطنية أعباء لا تقدر.
وأمام كابوس حوادث المرور التي لم تتراجع حتى في شهر رمضان المحفز على التحكم في الذات وتغليب العقل وجعل السياقة واستعمال الطريق ممارسة تعكس التقوى والتنازل في الأولوية للغير ومرافقة الناس بالإحسان وعدم إزعاجهم، تأكدت مجددا أهمية النهوض بالتحسيس والوقاية في مجال الطرق وذلك بمناسبة منتدى «الشعب» أمس الذي أطلقت منه صفارة إنذار مد تجاه جميع الشركاء في عالم الطرق انطلاقا من أن الخطر يحدق بالجميع ومن ثمة الكل يتحمل المسؤولية ولو بإزاحة حجر من الطريق أو تنبيه سائق متهور أو حماية لوحة إشارة...
لكن السؤال هل فشلت سياسة التحسيس بالنظر للتصاعد الجنوني لعدد الحوادث وحصيلتها المؤلمة ما عدا تراجعها المعتبر في سنة ٢٠١٠؟. بلا شك كما تبين في ندوة النقاش التي حضرها مختلف الفاعلون فإن المسألة لا ترتبط بالفشل من عدمه ولكن بضرورة إعادة صياغة مسار التحسيس والوقاية المرورية وفقا لمقاربة واقعية تتحدد فيها واجبات ومهام كل طرف ومن ثمة يمكن تحديد جانب المسؤولية في النجاح أو الإخفاق.
وفي هذا الإطار فإن التحسيس وترقية أدائه مهمة ليست بالبسيطة وتتطلب تجنيد الإمكانيات وعقلنة استعمالها على مدار السنة مع توسيع المشاركة بذهنية جوارية. وبالفعل يعد التحسيس أصعب من مهمة الزجر وتحرير المخالفات بالانصياع الأعمى للقانون، الذي بقدر ما يتم الالتزام بتنفيذه بصرامة بقدر ما يظهر وجود نقص في التقليل من الحوادث.
ولعل البداية من إعادة بعث النقاش ومواجهة المقاربات بين مختلف القطاعات المتدخلة ليس لتجديد الإجماع على ضرورة تطبيق قانون المرور، وهو أمر مطلوب ومحل إجماع لكن بمرونة وذكاء بالارتكاز على ضبط الأولويات من حيث الخطورة، يعد مؤشرا إيجابيا يؤدي إلى إعطاء دفع لمسار التحسيس من مخاطر الطريق وتداعياته خاصة الاقتصادية علما أن لحوادث المرور فاتورة مكلفة لديها ثقل على الميزانية العامة للدولة ولذلك تفرض الوضعية الإمساك جيدا بخيوط الملف بشكل يؤدي إلى تجاوز التعامل معه بالأرقام والإحصائيات الجافة إلى إنتاج حلول يصيغها الجميع بدءا من واضع حجر أساس بناء الطريق والمؤسسة المنجزة إلى مستعمليه مرورا بالمشرع وأجهزة الرقابة المرورية وشركات التأمين، وبإمكان هذه الأخيرة أن تساهم في تفعيل برامج التحسيس من المدرسة إلى الأسرة مرورا بالمؤسسات خاصة ذات الطابع الاحترافي في النقل كأصحاب الحافلات والشاحنات وذلك برصد ميزانيات ملائمة تساعد على تمويل أنشطة تحسيسية أكبر بكثير من تلك المتعارف عليها والتي تنتهي بمجرد انصراف مدعويها.
وهنا تطرح ضرورة توسيع إشراك الجمعيات ذات الصلة بالموضوع باتجاه هدف واحد يتقاسمه المجتمع، ألا وهو التوصل إلى ترسيخ الثقافة المرورية في الضمير لتترجم عبر سلوكات سليمة في التعامل مع الطريق سواء للسواق أو الراجلين، وكذا الإصغاء لها وتثمين قراءتها لتصورات الحلول، بل واستشارتها على مختلف المستويات خاصة المحلي حيث يمكن للجماعات المحلية أن تحقق نتائج في الوقاية المرورية من خلال الاتصال المباشر مع الجمعيات وإدماجها في معالجة ملفات المرور على أساس أعمال في العمق وبالأخص بالجوار المباشر للمدارس والأماكن العامة والأحياء الحضرية على سبيل المثال.
ومن أجل ذلك كما أدت إليه الندوة، من المفيد أن تلتف جمعيات الوقاية المرورية والتي تنشط في مجال التحسيس من مخاطر الطريق حول خيارات ذات أولوية كأن يتم استهداف مخاطر معينة مثل البدء بالتركيز على السرعة المفرطة والتجاوز الخطير ثم التوقفات العشوائية في الوسط الحضري إلى غيرها من المخاطر المصنفة من الخبراء، وذلك للتقدم قليلا على درب مكافحة حوادث المرور والتقليص منها، علما أنه بالإمكان تحقيق نتائج مهما كانت محدودة في البداية إذا ما تم تعميم ثقافة التحسيس الجواري بدءا بإطلاق كلمة تنبيهيه وأخرى تحذيرية مع تجاوز الظرفية. لكن في الواقع كم هو عدد الجمعيات التي تنشط في هذا المجال وما مدى النتائج التي تنجزها وأيضا إلى أي حد تجد الدعم والمرافقة من السلطات المحلية وذات الصلة بالطرق؟.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024