-معذرة .. الإصابة قاتلة-!

نورالدين لعراجي

كانت والدة ''لاميس'' تتابع كل الشؤون واحدة بواحدة، و ما إن وقفت قرب ابنتها حتى أحسّت بأن جزءا من كبدها سوف يسقط منها وعن طواعية، فاغرورقت عيناها وراء ''يا لميمة بقي ابنتك بالسلامة سعدها ناداها''.. ثم غابت وراء هذه الأغنية  والدموع تسبح على خدها وشما بحجم الضياع تارة، والنجاح تارة أخرى.مدركة أنها سنة الحياة!!
هكذا كان ديكور''لاميس'' الحبيبة، العروسة، على ساعات قليلة لتصير سيدة البيت الجديد، وتلتقي نصفها الآخر الذي كاد أن يضيع في زحمة المشاداة، والمطاردات ،والموت والليالي الحالكات المليئة بالمخاطر والضياع. كيف لا ..
وقد ضاع رفقاء ''عبدو'' ممن استهوتهم البزة الزرقاء والخضراء وآخرون من شاكلتهم ممن أسقطوا عنوة من على سقف الوطن، وكانت أجسادهم حبلى بالألغام والديناميت  ومن لم يمت بهذه، كان النحاس نغما يدوي سكون الوطن.
وعبر هذه الشوائب التي لوثت الهدوء، وجعلت الفرح استثناءا  في وطن استثنائي، و في هذا المساء بالذات لن يجد ''عبدو'' عذرا أو سببا في التأخر عن مكالمة ''لاميس'' وليس في حاجة حتى لينتظر دوره أمام هذا المخدع الهاتفي محتارا ويقظا في ثنائية لا تجتمع إلا في قلب عاشق كان ذنبه الوحيد أن أحبّ بصدق و ما يلي الصدق سوف لن يكون إلا الوفاء حتما.
وكل ما في الأمر أن المكالمة الهاتفية اليوم ليست في حاجة إلى مواعيد، ولا إلى وسيلة، ولا حتى شيء آخر
فالمكالمة اليوم سوف تكون روحا وجسدا، وحتما لغة القلب لا يفهمها إلا قلب ماثل أمامه، وشفاه تشيء طريق الشجون والكلام، وأعين تراقب المساءات البعيدة،
- هل سلمت الدعوات التي بحوزتك يا ولدي؟
يردّ ''عبدو'' على والدته :
- نعم ؟ نعم
- كل شيء على ما يرام
- لم يبق إلا موعد انطلاق الموكب، وستكون الساعة الثانية موعد تجمع كل السيارات
كل شيء كان عظيما حدّ الذهول، ومنزل: عبدو'' تحوّل إلى مزار لمقاسمة والدته هذه الفرحة الكبرى، وكأن فرح ''عبدو'' أيقظ ''حي الجبل'' من سبات الخوف والحذر، ولملم أشلاء الشباب من هنا وهناك و زاد ولعهم، على نغمات الموسيقى في هذا الزمن الذي افتقدوا فيه طعم الفرح.
حمل ''عبدو'' حقيبة الحمام، وهمّ بالخروج وفي محل حلاق الحي عند زميله رضوان، جلس قصد تحسين شعره ثم ألبسه مئزرا بلون الكفن، بعدما طلب منه تغيير الشريط الموسيقي، وتحت طلبه وضع الحلاق ''رضوان'' أغنية فرح وعلى مغناها بدأت أصابع ''رضوان'' في تشكيل هذه الفسيفساء، وهما يتبادلان أطراف الحديث بنشوة لا تشبهها عابرة. دخل شابان في مقتبل العمر، جلس الأول على الكرسي كأنه ينتظر دوره، وأعين ''عبدو'' ترسمه، حتى أخرج الشاب الآخر مسدسا وأطلق عياران سكنا رأس ''عبدو''، فيما نهض الجالس وفتش حقيبة ''عبدو'' وأخذ مسدسه، ولاذا بالفرار على متن سيارة كانت تنتظرهما.
في المستشفى العسكري اجتمع الجميع من ابناء الحي، والأهل ورجالات الأمن من رفقائه.
وعلى مقربة من الغرفة الزجاجية خرج الضابط الطبيب يحمل بين يديه خاتما.
- معذرة.
- الأعمار بيد الله .
    - الإصابة ......
         قاتلــــــــــة !!!

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024