طباعة هذه الصفحة

مناخ الأعمال.. الحلقة المفصلية

الشفافية وتكافؤ الفرص بين المتعاملين

سعيد بن عياد

 

يرتبط مناخ الأعمال والاستثمار في أي بلد بمستقبل النمو، ولذلك لا يتوقف رئيس الدولة عن الدعوة الحثيثة للعمل بكل الوسائل التشريعية والتنظيمية والإدارية للرفع من وتيرة تحسين كافة جوانب مناخ المنظومة الاقتصادية الشاملة ضمن المعايير التي تضمن الشفافية والإنصاف وتكافؤ الفرص بين المتعاملين المحلّيين والشركاء الأجانب الذين ينخرطون في صميم ورقة طريق النمو.

بهذا الخصوص تم التأكيد في اجتماع مجلس الوزراء الأخير المخصص للمصادقة على مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، على جدوى توسيع وتعميق إجراءات ترقية مناخ الاستثمار للرفع من جاذبية السوق الجزائرية تجاه مشاريع وبرامج تتطابق مع التوجهات والخيارات التي تؤسس لاقتصاد إنتاجي ومتنوع قابل للديمومة خارج المحروقات. لقد أظهرت الإجراءات التي اتخذت في هذا المضمار منذ انطلاق مسار التنمية الشاملة بكل إفرازاتها وجود إمكانيات كبيرة تؤهل المؤسسة الجزائرية والمتعامل المحلي المتشبع بثقافة المساهمة في النهوض بأوضاع البلاد اقتصاديا واجتماعيا لتعلب الأدوار المنوطة بها بنفس المستوى الذي يقوم به منافساتها من مختلف جهات العالم إذا ما اعتمدت روح المبادرة والابتكار مع الحرص على ترشيد الموارد واقتصاد النفقات.
 ومع كل ما تحقق إلا أن هناك جوانب ضمن البنية الهيكلية لمناخ الأعمال لا تزال تحتاج الى مزيد من التحسين حتى يتعزّز موقع الاستثمار وتتضاعف درجة الجاذبية له في وقت يرصد من حول العالم تنافسية شديدة لاستقطاب الرساميل التي تبحث عن بيئة تنعم بالاستقرار والمرافقة والأمن مثلما هي عليه البيئة الاقتصادية المحلية. ويمكن لهذه الأخيرة آن تقطع شوطا جديدا على طريق المنافسة الإقليمية العالمية، إذا ما سارعت قطاعات مفصلية يقوم عليها مناخ الأعمال ذات الطابع الاستثماري المنتج بادراك التأخر المسجل على مستواها وبلوغ درجة متقدمة من النّجاعة. ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بالمنظومة البنكية التي ينتظر أن تبادر بالانفتاح وفقا للمعايير الاحترافية على المحيط الاقتصادي لاستقطاب المشاريع ذات الجدوى الخلاقة للثروة والمنتجة للقيمة المضافة بحيث ترصد التمويلات للاستثمار الحقيقي وفقا لإجراءات مرنة ومفهومة هي اقرب للمرافقة أكثر من أن تكون مكبحا يثير الريبة ويعطل المبادرة.
 كما يقع على الإدارة في كل القطاعات بما فيها القائمة على تسيير دواليب الشأن المحلي واجب مواكبة التحولات من خلال انتهاج مقاربة اقتصادية مرنة في كل التصرفات ذات الطابع المهني بحيث يكون البنك شفافا وفعالا كونه الحلقة المتينة في كل السلسلة الاقتصادية في منح القروض وخاصة استرجاعها. كما ينتظر أن ترتقي المنظومة الضريبية إلى مستوى هذا الطموح لتضفي لمسة ايجابية على مناخ الأعمال بتنمية جانب الثقة مع المحيط المؤسساتي وبناء جسور للتواصل تكون فيه الإدارة شريكا وليس «دركيا» يثير النفور ومن ثمة التوجه إلى إصلاح عميق للنظام الضريبي يقوم على الإنصاف والواقعية لتشجيع الدفع الضريبي والتصريح الحقيقي الطوعي بالمعطيات المالية ذلك انه كلما تقلصت الضريبة توسع وعاؤها.
 أما العنصر الذي يكتمل به بناء مناخ عصري ومحفّز فيخص العقار الاستثماري الذي لطالما شكل عائقا ومصدر إزعاج لأطراف الساحة الاقتصادية، وقد بادرت الدولة بإطلاق برنامج لإنشاء مناطق صناعية جديدة من شانها أن تستوعب الطلب على الاستثمار فيما ينبغي بالموازاة العمل على تفعيل عملية تطهير المناطق الحالية باسترجاع الأوعية العقارية غير المستغلة لكسر المضاربة وإنهاء التعاملات الموازية التي أضرت كثيرا بالنمو.
 ولعل من أفضل آليات متابعة ترقية مناخ الأعمال والاستثمار بناء منظومة إعلامية اقتصادية حديثة ومنفتحة لتوسيع نطاق الإعلام الاقتصادي بحجم أكثر من مجرد عرض أرقام وإحصائيات وتهافت على سوق الإشهار بقدر ما يجب أن يقوم بدور المرافق ضمن مقاربة عمل شفافة تعالج كل جوانب مناخ الاستثمار لتوضيح الرؤية أمام المتعاملين وشركائهم فيكون الإعلام دعامة ولكن أيضا حارسا للمصالح الاقتصادية الوطنية.