طباعة هذه الصفحة

الفلاحة تواصل ديناميكيتها

تصويب ورقة الطريق لتعزيز مسار النمو

سعيد بن عياد

«تدعّمت المساحات المسقية، التي تضاعفت بحوالي ثلاث مرات، للرفع من الأراضي الخصبة إلى جانب الاستصلاح الذي يحتاج إلى معاينة وتشخيص للتدقيق في مدى مطابقة إنفاق التمويلات العمومية مع الواقع حتى تتضح الرؤية مستقبلا في ظلّ اتجاه العالم إلى تنافس على الغذاء والهيمنة على الأسواق».

تواصل الفلاحة مسار نموها رغم الظرف الاقتصادي الصعب المتأثر بتقلبات أسعار المحروقات، وبذلك يساهم هذا القطاع الحيوي في تنمية الناتج الداخلي الخام، كما يضغط بفضل الوفرة وتحسن وتيرة الاستهلاك على معدل التضخم الذي يبقى من بين الأخطار التي تلوح في الأفق وتستوجب مواجهتها بعوامل اقتصادية.
وبعد أن كانت قطاعات تقليدية تسحب النمو إلى الأعلى مثل البناء والطاقة، ارتقت مكانة الفلاحة في السلّم لتكون قاطرة أولى في تنشيط الحركية ومن حولها مختلف القطاعات المتدخلة في الزراعة والصناعة الغذائية، التي لا تزال تحتاج إلى إعادة تصويب للمسار لتكون في صلب الديناميكية التي ترفع من وتيرة النمو.
حقيقة تسجل الفلاحة بمختلف أصنافها، خاصة المتعلقة بمحاصيل ذات طابع استراتيجي كالحبوب والبطاطا والبصل والثوم والحليب والبقوليات مثل العدس، تحسنا في حجم الإنتاج ونوعيته، مما أثر ايجابيا على الميزان التجاري بتقليص الاستيراد، علما أنه في سنوات مضت استوردت الجزائر الثوم من الصين والبصل من المغرب، وشعر وقتها الفلاح الجزائري انه على حافة خطر الإفلاس، إذا لم يواكب حركية السوق المحفزة على الإنتاج.
أكثر من هذا هناك بعض المواد من خضروات وفواكه مثل البطاطا والحمضيات المختلفة عرفت طريقها إلى التصدير بمعدلات مرتفعة وفرت للمنتجين والمتعاملين في السلسة المخصصة لمختلف مراحل إعداد المنتوج من توظيب وتغليف وتخزين وترويج مداخيل لها وزنها في أسواق إقليمية وجهوية تعرف منافسة شديدة تتطلّب مواكبة المؤشرات باستمرار.
وتدعّمت الفلاحة أيضا عل صعيد المساحات المسقية، التي تضاعفت بحوالي ثلاث مرات، للرفع من الأراضي الخصبة إلى جانب الاستصلاح الذي يحتاج إلى معاينة وتشخيص للتدقيق في مدى مطابقة إنفاق التمويلات العمومية مع الواقع حتى تتضّح الرؤية مستقبلا في ظل اتجاه العالم إلى تنافس على الغذاء والهيمنة على الأسواق لتكون فصلا جديدا في الحرب الاقتصادية التي لا تقل شراسة عن الحرب التقليدية، (يلاحظ كيف أن الفلاحة مثل السياحة برزت في نزاعات بين الدول كأداة للضغط والابتزاز).
غير أن الفلاحة في بلادنا لا تزال تواجه محيطا غير ملائم للأهداف المسطرة، مثل الفوضى التي تعاني منها الاحتياطات العقارية المنتجة بفعل تبعثر المستثمرات، وتشتت الموارد المادية وزوال جيل من الفلاحين المهنيين، الذين يتقنون العمل في الميدان على ما فيه من صعوبات ناجمة عن المناخ أو المحيط، وتتطلب إرادة صلبة لتجاوزها.
في هذا الإطار يندرج مسعى أعادة ترتيب القطاع وكل ما يتصل به من مرافق ومؤسسات، تتدخل في مرحلة المنبع، أي بداية الموسم الزراعي، أو في المصب، عند قطف الثمار وجمع المحاصيل، وذلك حتى تستقيم المسار منسجما مع التوجهات الكبرى للاقتصاد القائمة على المبادرة الاستثمارية والشفافية في التمويل والاحترام الصارم لمعايير حماية البيئة.
وأمام «تعطّل» عجلة قطاعات اقتصادية أساسية متأثرة بالظرف المالي الذي أخلط الحسابات، وتداعيات الصدمة التي أحدثتها مكافحة الفساد، تبقى الفلاحة محافظة على حظوظها في مواصلة الطريق نحو بلوغ الأهداف الكبرى، بفضل رصيدها الغني سواء على صعيد بناء معادلة إنتاج سليمة ترتكز على قواعد اقتصادية أو تراكم الخبرات والتجارب والأهم إدخال التكنولوجيات الحديثة في أنظمة العمل من مخابر إنتاج البذور إلى استغلال الأرض والمياه مرورا برصد السواق ومتابعة تطور الطلب في السوق الداخلية والخارج.
ولإنجاز هذا المسعى وترجمته في الواقع لا يزال عمل كبير ينتظر القائمين على قطاع الفلاحة لتعزيز القدرات الإنتاجية بدءا من استرجاع الأراضي الصالحة للزراعة ولم تستغل إلى بناء بنية متكاملة ومندمجة تدرج الفلاحة في المنظومة الصناعية عن طريق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مرورا بتحسين البنية التحتية للتخزين موجهة للمحاصيل الإستراتجية. كما ينبغي تسليط الضوء على ما آلت إليه المزارع النموذجية من حيث شفافية المعاملات التي شملتها أو الشركاء الذين يستغلونها.
بهذا الخصوص يطرح السؤال حول مدى مجاعة المنظومة المتعلقة بالتبريد والتخزين مقابل ارتفاع حجم الإنتاج، الذي يجب أن ينعكس على معادلة أسعار الاستهلاك والمساهمة أكثر في تحسين مؤشر التصدير للمواد الفلاحية وتقليص استيراد بعضها للتخفيف على ميزانية الدولة، في وقت أصبح من الواجب التحكم جيدا في نظام التمويل الفلاحي وإخضاعه لمدى النتائج المحققة، بحيث يمكن حينها تتبع المسارات المالية والإنتاجية من أجل التقييم السليم وتدقيق المعطيات.وإذا تمّ التوصل إلى ضبط المعطيات والأرقام بشكل أفضل ويتطابق مع المؤشرات التي ترصد في الأسواق، يمكن حقيقة وضع الفلاحة في المرتبة الحقيقية على مستوى ميزان النمو، وسوف يتدعّم موقعها أكثر ضمن المنظومة الاقتصادية مقارنة بأسواق منافسة، إذا واكبت قطاعات أخرى التحولات الجارية على غرار منتجي وسائل الإنتاج والبنوك والأسواق ومحترفي التصدير إلى جانب هياكل التخزين والحفظ بالتبريد.