طباعة هذه الصفحة

مرافقة المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد

حماية حقـوق البنوك، مناصب العمل وانجـاز المشاريـع الجاريــة

سعيد بن عياد

«أظهرت ملفات الفساد مدى الخلل المستشري في مجمعات اقتصادية لطالما روّج لها أصحابها صورة غير صحيحة ومخادعة في سوق استثمارية ناشئة، فأعطوا الانطباع على أنها مؤسسات صلبة وقادرة على المنافسة، قبل أن يسقط القناع المزيف لتظهر أنها هياكل خاوية»
يرتقب أن تقود الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمرافقة المؤسسات التي يقبع مالكوها في السجن بسبب الفساد إلى إعادة تشغيلها ضمن النسيج المؤسساتي وفقا لقواعد تسير جديدة تحقق الأهداف التنموية وتضفي عليها شفافية بما يحمي مناصب العمل ويعزّز وتيرة النمو في ظلّ تحديات اقتصادية  مالية محلية ودولية صعبة. ويتمثل الهدف المحوري في حماية حقوق البنوك العمومية وديمومة مناصب العمل وتأمين إنجاز المشاريع الجارية.
بمجرد أن وقع المتورطون في جرائم الفساد ضمن قبضة العدالة، حتى تعطّلت المؤسسات وتوقفت الورشات التابعة لمجمعاتهم، نتيجة وضعها تحت طائلة المتابعة والتشخيص من أجل رصد حجم الثغرات وتحديد مواطن الفجوات التي تسلل منها الفساد بشكل مذهل، كاد أن يضع البلاد برمتها على حافة الهاوية، لولا أن تحرّكت القيادة العليا لوقف الانهيار وإعادة الإمساك بخيوط دواليب المنظومة الاقتصادية وتصحيح مسارها.
خيارات عديدة تطرح لمعالجة وضعية وسائل الإنتاج والانجاز المعنية بالظرف وفقا لمسار الحفاظ عليها كأدوات وطنية تستوجب المرافقة القانونية والمناجيريالية من منظور حماية قدرات وطنية ينبغي تمييزها كأشخاص معنوية عن الأشخاص الطبيعية التي تتحمل مسؤولية الضرر الذي تكبّده الاقتصاد الوطني، بينما كان ينتظر منهم أن يساهموا في تنمية الموارد وتحقيق أرباح للمجموعة الوطنية وضمان تسديد القروض الهائلة التي استفادوا منها عن طريق التمويل البنكي العمومي للاستثمار.
للتذكير، يقدر حجم القروض البنكية الجارية التي منحت لتمويل الاقتصاد حوالي 103 ملايير دينار منها 300 مليار مخصصة لمشاريع المنشآت القاعدية وقد بلغت حصة المتعاملين الخواص الذين تشملهم دائرة مكافحة الفساد حوالي 400 مليار دينار، ما يعاجل 4 ملايير دولار، وهي مبالغ هائلة يجب أن يتم استرجاعها وفقا للآجال البنكية المحدّدة  عن طريق تسديد القروض، وهو الأمر الذي لا يبدو ممكنا، إلا إذا تمّ تأمين نشاط إنتاج وانجاز هذه المؤسسات.
ويبرز هنا دور البنوك المعنية بتلك القروض في المساهمة في عملية إعادة تشغيل المؤسسات المعطلة حاليا عن طريق انخراطها في صياغة ورقة طريق تعيد إدراجها في مسار الإنتاج لتحقيق الأهداف التعاقدية بما يوفر مداخيل مالية وانجاز مشاريع جارية، خاصة تلك المرتبطة بالبنية التحتية للنمو.
من الخيارات المقترحة ضمن التصور الخاص بوضع مقاربة واقعية لتلك المؤسسات تطرح عدة اتجاهات من بينها تأميم الوحدات والمجمعات وإدماجها في النسيج المؤسساتي العمومي، وهي تجربة لا تبدو مضمونة الربح بالنظر للمتاعب التي يواجهها القطاع العام نفسه لعدة اعتبارات، وخيار تعيين متصرفين اقتصاديين لديهم الكفاءة والالتزام والمبادرة يختارون من ضمن البارزين في عالم المناجمنت مع إشراك كفاءات من داخل تلك المؤسسات غير متورطين في جرائم الفساد.
ضمن هذا التوجه ينبغي الاحتياط من السقوط في أخطاء نتيجة تسرع أو ارتجال خاصة وأن هناك تجارب سابقة يجب أن تستخلص منها الدروس مثل تجربة إعادة مؤسسة «تونيك» للورق إلى حظيرة القطاع العام وغيرها من الوحدات التي ضربها الفساد في الصميم، ذلك أن جسما مريضا بشكل كبير يصعب علاجه بمهدئات وقد يتطلّب اللجوء إلى جراحة ثقيلة تصل بتر أعضاء بكاملها.
في كل هذا الجدل تبقى الكلمة القوية والحاسمة في يد البنوك والمجلس الوطني للاستثمار باعتبار أنهم الجهة التي قدمت المال والتحفيز، ومن حقها أن تحتفظ بحق إبداء الرأي في ملفات تعنيها مباشرة في نفس الوقت الذي ينظر فيه القضاء في ملفات سرقة المال العام وتبديد الثروات وسوء استعمال السلطة وممارسة النفوذ في صفقات عمومية وبكلمة موجزة، سرقة أموال الشعب الجزائري بمختلف الأشكال.
لقد أظهرت ملفات الفساد مدى الخلل المستشري في مجمعات لطالما روّج لها أصحابها عن سبق إصرار وترصد صورة غير صحيحة ومخادعة في سوق استثمارية ناشئة، فأعطوا بأساليب ميكيافيلية الانطباع على أنها مؤسسات صلبة وقادرة على المنافسة، قبل أن يسقط القناع المزيف لتظهر أنها هياكل خاوية تفتقر لعوامل الصمود في وجه هزات مالية، مخلّفة وراءها تهديدات لمناصب العمل ودخل العمال، في وقت أطلق فيه آلاف العمال نداءات استغاثة خشية السقوط في البطالة، وهو التحدي الذي تواجهه الحكومة من خلال اعتماد مسار متكامل ومندمج من شانه أن يعيد تصحيح المعادلة.