طباعة هذه الصفحة

مواصلــة مكافحـة الفساد محليا ضـرورة

تصحيــــح المسـار التنمـوي والحفـاظ على المقــدرات

فضيلة بودريش

مما لا شك فيه أن عملية مكافحة الفساد شقت الطريق نحو استئصاله، لتكريس ثقافة النزاهة والشفافية وإعادة الاعتبار لقيمة العمل، ولعلّ هذا التحدي الكبير يتطلب بالموازاة مع ما هو جاري، ضرورة مكافحة شأفته كذلك على صعيد المستويات المعنية بالنمو، وفي صدارتها نذكر البنية الاقتصادية، إلى جانب معالجة مختلف الملفات الكبرى ناهيك عن أهمية التركيز على بعض المفاصل الحيوية، أي كل ما تعلق بمحيط الجماعات المحلية، حيث توجد المواجهة الملحة على طلب التنمية والرفاهية ومختلف المكاسب من سكن وشغل وصحة، ومن جهة أخرى بهدف مواجهة وتجنب أي تأخر وأحيانا جمود هذه المؤسسات.

يجب التنبيه إلى أن أي فساد قد يسجل على مستوى الجماعات المحلية لا يشمل فقط ظاهرة نهب العقار، كما هو شائع، وإنما هناك العديد من الممارسات السلبية تدرج ضمن إطار الفساد، نذكر من بينها التلاعب بالصفقات في ظل غياب الشفافية في التعامل مع المتعاملين المحليين والبيروقراطية، التي تحبط  الإرادة في خلق الثروة ومع إهمال وعدم متابعة الأملاك المحلية، التي أحيانا تؤجر بأقل من قيمتها السعرية من السوق، على غرار المطاعم و محلات و ورشات» الجماعات مصابة بداء الإنفاق الريعي حيث كل النفقات تستمد من الخزينة، ولكن المطلوب من القائم على الجماعات المحلية أن يحمل رؤية اقتصادية، وفوق ذلك يسهر على ترشيد الإنفاق العمومي من استهلاك الكهرباء والتوظيف العقلاني، وإطلاق مبادرات من طرف البلدية، من شأنها أن تستحدث مصادر للتمويل وتقيم شراكات مع الشباب في عدة مجالات، من بينها النقل على سبيل المثال وبالتالي امتصاص أزمة النقل على المستوى المحلي، لكن شريطة الخضوع لمعايير تسيير صارم ومن بين المشاريع الفعالة نذكر إنشاء مؤسسات صغيرة في استرجاع النفايات من أجل أن تستحدث مناصب للشغل وتطهر وجه المدينة من النفايات.
الجدير بالإشارة، فإن رهان مكافحة الفساد، ينتظر منه الكثير ليس فقط على المستوى العمودي وعلى أعلى الهرم، بل على المستوى المحلي، الذي من المفروض أن ينطلق ويستمر لأن تطهير الفساد على المستوى المحلي، ينعكس بشكل مباشر وتلقائي على حياة المواطنين حيث تتحسن على إثر ذلك الخدمات التي يستفيد منها المواطن، ومن شأن عملية الانفتاح على الاستثمار أن تستقطب المستثمرين الحقيقيين الذين ينتجون الثروة، ويستحدثون القيمة المضافة التي تمتص البطالة وتمون الأسواق المحلية بمختلف حاجيات المستهلك، ولأن الرفاه والنمو الحقيقي يبدأ من البلديات مهما كانت نائية أو بعيدة من المفروض أن تستحدث أدوات الإنتاج وتستغل الأيادي العاملة والمقدرات البشرية حتى ننجح في تصحيح المسار التنموي والحفاظ على المقدرات سواء كانت مادية أو بشرية وحتى باطنية من عقار فلاحي وسياحي، حيث يستفيد الجميع، من خلال مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، بعيدا عن الإقصاء والتهميش والمحسوبية والتي حان الوقت حتى تختفي للأبد، كون المعيار الاقتصادي ومعيار الأولوية للكفاءة والانضباط وشفافية ونزاهة التسيير وحتى تتصدر الواجهة في الحياة الاقتصادية التي تعد مفتاح تسريع وتيرة النمو.
لأن القطيعة مع الفساد كذلك تتجسد تدريجيا باقتناع الأفراد بضرورة تخليهم عن الممارسات البالية، والتحلي بروح التواصل والاتصال مع الجميع وعدم السماح للسلوكات المفسدة بالعودة والتفشي، وليكون معيار النزاهة والكفاءة والشفافية السائد والمكرّس، ولتفتح الفرص أمام الجميع من يخطئ يحاسب، ومن ينجح يتم تشجيعه على مواصلة مساره وتجربته الرائدة التي تكون مثالا وقدوة، ونعني بذلك أن الإدارة والقضاء والجماعات المحلية ومختلف الفاعلين في المنظومتين الاقتصادية والاجتماعية، ينبغي أن ينخرطوا لرد الاعتبار لاحترام القانون ولتطهير الفساد والسلوكات المثبطة للهمم والمعرقلة للتنمية الاقتصادية.