طباعة هذه الصفحة

قراءة دقيقة للمعطيات وتشخيص للوضعية الراهنة

بناء آليات الحوار الاقتصادي والاجتماعي من خلال الثلاثية

سعيد بن عياد

 حلول واقعية لتجاوز تداعيات النفط وكورونا بأقل كلفة

حتى وإن عطل الوباء ديناميكية إعادة تنظيم الاقتصاد، إلا أن مراجعة ورقة الطريق في ظل استمرار تداعيات الصدمة المالية الخارجية بفعل انهيار أسعار المحروقات، وتسلّل الفيروس المعدي، محدثا ارتباكا في جميع دواليب المنظومة التنموية، فارضا أعباء أخرى لم تكن واردة، فإن الخروج من النفق أمر حتمي، تم الإعداد له بالرهان على خيارات متكاملة ومنسجمة، ترتكز في انطلاقاتها على ما هو متوافر من موارد وإمكانات وطنية ومحلية ضمن حوكمة يتسع مجالها لتعطي نفسا جديدا للنمو.
بالموازاة مع إعادة بناء آليات الحوار الاقتصادي والاجتماعي من خلال بعث الثلاثية على أسس واقعية وشفافة انسجاما مع مسار التغيير، تفرض المؤشرات الكلية للاقتصاد، التي تعكسها حقائق القطاعات، خاصة النفط منها، كونه لايزال المصدر الأول للمداخيل بالعملة الصعبة، قراءة دقيقة للمعطيات وتشخيص أعمق لمختلف جوانب المعادلة لتأمين مسار الخروج من الظرف الصعب الذي يمكن تجاوزه، شريطة أن تتبلور رؤية شاملة يساهم في صياغتها كافة الشركاء، انطلاقا من التزام مواطني للمتعاملين وفقا لمبدإ المصلحة الوطنية حماية للقرارات السيادية التي تحتاج إلى مناعة اقتصادية.
الخبراء الورقة الرابحة في التغيير
في كل هذا يلعب الخبراء دور المستطلع لأوضاع الأسواق وتفكيك خيوطها المتداخلة، بما يوضح الرؤية ويسلط الضوء على زواياها المظلمة التي تلعب فيها القوى العالمية النافذة، من خلال زعزعة استقرار الأسواق وإثارة حالة هلع لكسر انطلاقة البلدان الناشئة، منها الجزائر، التي تراقب التطورات، حاسمة في التوجهات بالعودة إلى الحلول الوطنية من بوابة فتح المجال أمام المبادرات الاستثمارية في قطاعات ناشئة جديرة بالرهان عليها في إنتاج الثروة ومزيدا من كبح الاستيراد، مثل الفلاحة الصحراوية والصناعة التحويلية والسياحة الداخلية بروح مناجيريالية عالية تستمد روحها من اقتصاد المعرفة.
وفي إطار متابعته لما يدور في حقل النفط عالميا، يشير الخبير عبد الرحمان مبتول في تحليل لـ «الشعب»، إلى تقرير البنك العالمي لأفريل 2020، تضمن في متابعة الوضع الاقتصادي للجزائر إنه بمعدل سعر 30 دولارا لبرميل النفط هذه السنة الجارية، فإن المداخيل لن تتجاوز 21 مليار دولار، ويؤثر هذا على عائدات التصدير (-51%) مع عجز تجاري بنسبة 18,2% للناتج الداخلي الخام في السنة الحالية وتدهور عجز الحساب الجاري ليصل مستوى قياسيا بـ18,8% من الناتج الداخلي الخام، بالرغم من الإجراءات المتخذة لتحديد الواردات.
الخطر بالنسبة للبنك العالمي، تراجع احتياطي الصرف إلى 24,2 مليار دولار، أي حوالي 6,1 أشهر استيراد إلى نهاية السنة الجارية، مع توقع شح الموارد في 2021، مع التزامات خارج الميزانية وشيكة، مع مديونية يمكن أن ترتفع إلى 56,2% من الناتج الداخلي الخام في 2020، ثم الى 67,1% في 2021، لتصل 75,7% في 2022. ويعتقد مبتول أن هذا السيناريو مبني على أساس وتيرة استيراد لسنة 2020 توازي تلك التي عرفتها سنة 2019 وعلى سعر برميل النفط بين 20 / 25 دولارا كمعدل سنوي.
وكان الرئيس تبون، في أكثر من مرة، آخرها في اللقاء الإعلامي الدوري مع مسؤولي وسائل إعلام وطنية، قد أكد بصراحة، أن لا مجال للذهاب إلى الاستدانة والتعويل على الموارد الوطنية على شحها لإحداث تصحيح للمعادلة وأن التمويل الخارجي للاستثمار يكون ضمن شراكة متوازنة وحول مشاريع ذات جدوى تتوافق مع الخيار الاستراتيجي.
وبالعودة الى قراءة الخبير مبتول، يتوقع مستوى احتياطي الصرف وفقا لمعطيات قانون المالية التكميلي في حدود 44 مليار دولار نهاية 2020، شريطة أن يكون سعر برميل النفط أكثر من 30 / 35 دولارا، وأن لا تتجاوز الواردات والخدمات 35 مليار دولار، مضيفا أنه بسعر بين 20 / 25 دولارا للبرميل، وسعر الغاز بـ(2) دولارين في السوق الحرة واستيراد للسلع والخدمات بأكثر من 40 مليار دولار نكون أقرب إلى معطيات البنك العالمي.
ويشير الى انه حسب اغلب المؤسسات الدولية (تقارير أفريل 2020) من وكالة الطاقة، البنك العالمي، منظمة التجارة والتنمية، صندوق النقد الدولي، فإن معدل سعر النفط وفقا لفرضية تفاؤلية لانتعاش محتشم للنمو العالمي (توقع نمو سلبي، حيث الصين يتراوح في حدود ½ بالمائة) في السداسي الثاني من السنة الجارية يكون بين 30 و35 دولارا للبرميل واقل في حالة استمرار الوباء.
وبالنسبة للجزائر، فإن انخفاض البرميل بدولار واحد بجعلها تخسر بين 450 / 600 مليون دولار سنويا، يضاف إلى انخفاض في حجم الطاقات الأولية القابلة للتصدير بين 2005 / 2019، مع هيمنة البترول والغاز الخام ونصف الخام، مما يجعل الاقتصاد الجزائري الذي تمثل المحروقات ومشتقاتها 98 بالمائة من موارده بالعملة الصعبة يتحمل هذه الأزمة. وبمعدل 66 دولارا مداخيل الخام لسوناطراك 34 مليار دولار. وبحسب أغلبية المحللين الدوليين بمعدل 40 دولارا في 2020 فإنه وفقا للفرضيات الأكثر تفاؤلا، يكون رقم الأعمال 20 مليار دولار، وعلى أساس سعر 30 دولارا يكون المتوسط لرقم الأعمال 15 مليار دولار وفي فرضية تشاؤمية بمعدل 25 دولارا للبرميل يكون رقم أعمال سوناطراك 13 مليار وبسعر 20 دولارا ينخفض إلى 10 ملايير ومن ثمة فإن أكثر من 70 / 80 بئر لم تستهلك بعد تفقد مردوديتها، على غرار بعض البلدان البترولية مثل نيجيريا، أنغولا أو آبار النفط الصخري الأمريكي.
سيناريوهات إدارة الأزمة
لكل هذه السيناريوهات، يقول الخبير، ينبغي طرح انخفاض الحصة بين 240/145 ألف برميل/يومي، تبعا لمراحل التخفيض الثلاث بموجب اتفاق أوبك+، رلى جانب 20 / 255 كلفة الأعباء وحصة الشركاء للحصول على الربح الصافي. لكن، كما يضيف، لا ينبغي إغفال الغاز الطبيعي الذي يمثل في 2019 قيمة 33 بالمائة من مداخيل سوناطراك والذي تراجع سعره في السوق العالمية بأكثر من 50 بالمائة بالرجوع إلى مؤشرات 2008 / 2009.
في ظل هذه المعطيات عنوانها الأكبر تراجع إيرادت النفط، حدد الخبير 6 أثار اقتصادية واجتماعية تمس احتياطي الصرف، بانكماش إلى 45 / 50 مليار دولار نهاية السنة، ميزان المدفوعات المرجع بدل الميزان التجاري، تدني قيمة العملة الوطنية المرتبطة باحتياطي العملة الأجنبية، وتيرة الإنفاق العمومي التي تحدّد معدل النمو، معدل التضخم المضغوط عليه حاليا بالدعم، مستوى إنشاء مناصب العمل التي ترتبط مباشرة بالاستقرار الاجتماعي.