طباعة هذه الصفحة

المستشـار الـدولي.. عبد الرحمان هادف لـ “الشّعـب”:

الجزائر المنتصـرة.. ديناميكيـة متصاعـدة في تنويع الاقتصاد

حياة. ك

 قانون الاستثمار أداة لتسهيل الإجراءات وتحفيز المستثمرين

 أبرز تقرير البنك الدولي حول الديناميكية الاقتصادية في الجزائر، أهم المؤشّرات التي تعكس تطور الاقتصاد الوطني وبداية تحوله الهيكلي، والتي يؤكّدها تنوع وارتفاع حجم الصادرات خارج النفط، ما يقوي فرص الجزائر لتصبح لاعبا محتملا في سلاسل التوريد العالمية في عدة مواد كالإسمنت والصلب والأسمدة، حسب التحليل الذي قدمه المستشار الدولي في التنمية الاقتصادية عبد الرحمان هادف.

من خلال قراءته لمضمون تقرير البنك الدولي حول التنمية الاقتصادية في الجزائر، قال الخبير هادف في تصريح لـ “الشعب” أنّ هناك تحولات جوهرية، تعكس رغبة الدولة في تجاوز النموذج الريعي القائم على المحروقات، والانخراط في نموذج اقتصادي أكثر تنوعا وتكاملا مع الاقتصاد العالمي، حيث تسعى الجزائر اليوم إلى تثبيت دعائم اقتصاد مبني على الإنتاج والتصدير في قطاعات متنوعة، لا سيما الزراعة، الصناعة التحويلية، التكنولوجيا، والطاقات المتجدّدة. وذلك بعد عقود من الاعتماد شبه الكامل على النفط والغاز.
وحسب الخبير عبد الرحمان هادف، فإنّ الجزائر، دخلت ديناميكية التنويع، حيث أنّ أحد أبرز المؤشّرات التي تعكس هذا التحول يتمثل في تطور الصادرات خارج المحروقات، التي تضاعفت ثلاث مرات منذ 2017 لتبلغ 5.1 مليار دولار سنة 2023، واعتبر أنّ هذا الرقم، “رغم تواضعه مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي،” يشير إلى بداية تحول هيكلي، خصوصا مع بروز صادرات جديدة مثل الأسمدة، لفائف الصلب، الإسمنت، والتمور. هذا التنوع لا يمثل فقط تحوّلا في بنية الاقتصاد، بل أيضا إعادة تموقع الجزائر كلاعب مستقبلي في سلاسل التوريد العالمية.
قال هادف أنّ هذا التقدّم، لم يكن ليتحقّق لولا جملة من الإصلاحات المؤسّسية، بدعم من شركاء دوليّين مثل البنك الدولي. أبرزها إدخال نظام المجتمع المينائي الجزائري (APCS)، الذي يربط مختلف الفاعلين في منظومة الموانئ، ويعزّز الشفافية والفعالية في سلسلة التصدير، كما ساهم في تقليص أوقات التخليص الجمركي وتحسين مناخ الأعمال، ويعكس هذا النظام نموذجا ناجحا للتحول الرقمي في خدمة التنافسية الاقتصادية.
إلى جانب ذلك، جاء قانون الاستثمار لعام 2022، كأداة لتسهيل الإجراءات وتحفيز المستثمرين المحليّين والدوليّين، من خلال إعفاءات ضريبية، وتحسين الوصول إلى العقار، وإطلاق منصة رقمية لتسهيل رحلة المستثمر. هذه الإصلاحات يقول الخبير، تستهدف رفع مستوى الثقة وتفعيل دور الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار كأداة مركزية في استقطاب رؤوس الأموال وتوجيهها نحو القطاعات ذات الأولوية.
وأوضح هادف أنّ هذه التحولات تمس كذلك سلاسل القيمة في قطاعات الزراعة والصناعة، ففي المجال الزراعي، ساهمت مبادرات مدعومة من البنك الدولي في تحسين الربط بين الفاعلين، وتقييم سلاسل القيمة، واستهداف المنتجات القابلة للتصدير، مثال على ذلك، حملة تجميع جلود الأغنام سنة 2018 التي فتحت آفاقا جديدة لصناعة الجلود، ومبادرات موازية مسّت قطاعات مثل الفلين والميكانيك الدقيقة. الهدف من ذلك هو بناء قاعدة إنتاجية قادرة على الاندماج في سلاسل عالمية، وليس الاكتفاء بتصدير مواد خام، أما في الجانب التكنولوجي، تشير التوصيات إلى إمكانات هائلة في تكنولوجيا المعلومات والطاقة الخضراء، ما يجعل الجزائر مرشحة للتموقع في سلاسل جديدة تعتمد على المعرفة والابتكار.
كما تحدث هادف عن مؤشرات أخرى على غرار رفع عدد المختبرات المعتمدة من 77 في 2021 إلى 135 في 2024، والذي يعتبر مؤشّرا إيجابيا على سعي الجزائر لرفع جودة منتجاتها وتكييفها مع المعايير الدولية، وكذا الاعتماد يمثل جواز عبور للولوج إلى أسواق خارجية، خاصة في أوروبا حيث تعد المواصفات التقنية والبيئية شرطا أساسيا.
رغم هذه الإنجازات، يعتقد هادف أنّ الجزائر، ما تزال تواجه تحديات بنيوية تعيق استدامة التحول كضعف الإنتاجية، وتعقيد الإجراءات الإدارية، وعدم كفاءة بعض المؤسّسات يمثل عوائق أمام التوسع الاقتصادي. كما أنّ التحول البيئي العالمي يفرض تحديات جديدة، لا سيما عبر آلية تعديل حدود الكربون الأوروبية، التي قد تؤثر سلبا على صادرات مثل الإسمنت والأسمدة.
من أجل تعزيز هذا المسار، قال الخبير هادف إنّ مجموعة البنك الدولي، تؤكّد على تسريع الإصلاحات الهيكلية لتحسين تنافسية الاقتصاد، تعزيز التحول البيئي عبر تسعير الكربون وتشجيع الصناعات الخضراء، تطوير سلاسل القيمة الموجهة للتصدير في قطاعات ذات إمكانيات عالية وتنويع الأسواق التصديرية لتقليل المخاطر التجارية.
ويمثل تحدي اليوم بالنسبة للمتحدث ليس فقط في تنويع القاعدة الإنتاجية، بل في بناء منظومة اقتصادية متكاملة قادرة على المنافسة، والابتكار، وجذب الاستثمار، والاندماج الفعلي في الاقتصاد العالمي. الفرص متاحة، والزخم بدأ يتشكّل، لكن استدامة هذا التحوّل تتطلّب إرادة سياسية، واستقرارا تشريعيا، وتنسيقا فعالا بين الدولة والقطاع الخاص.