تعزيـز القـدرة الشرائيــة للمواطـن وجعلـه محـور السياسـات العموميــة
برامج تنموية شاملـة وأيـــاد جزائريــة بارعـــة لإنجــاز المشاريــع العملاقة
ثـورة قانونيـــة وإصلاحــات شاملـة لامتصــاص البطالـــة وإدمـــاج الشبــاب
حرصت السلطات العمومية على ترسيخ البُعد الاجتماعي للدولة بوصفه دعامة أساسية لصون كرامة المواطنين، فتبنت سياسات محكمة جعلت من الحفاظ على مناصب الشغل أولوية مطلقة، حتى في ذروة أخطر جائحة صحية شهدها العالم قبل خمس سنوات. ومع إطلاق برامج تنموية شاملة ترتكز على الكفاءات الوطنية لبناء المشاريع الكبرى، تجددت الثقة وتنامى التفاؤل بإمكانية تحقيق نهضة وطنية شاملة.
برز توجه رئيس الجمهورية، نحو توظيف القدرات الوطنية، في البناء الوطني، بشكل واضح من خلال تحديد الأولويات، خاصة في ما يتعلق بترسيخ الطابع الاجتماعي للدولة، عبر حماية ودعم المكاسب الاجتماعية، وتدعيمها بتدابير غير مسبوقة. وشمل ذلك تعبئة الموارد الضرورية لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتنويع الاقتصاد الوطني، مع التركيز على تعزيز القدرة الشرائية للمواطن، وصون كرامته، وجعله محور السياسات العمومية.
هذا التوّجه، ساهم في مرحلة أولى في الحفاظ على مناصب الشغل، وأكسبها عناصر الاستقرار المهني من خلال جملة من التدابير أهمها الزيادات في الأجور، ثم خلق ديناميكية اقتصادية تسمح بتوفير ملائمة لامتصاص البطالة وإقحام الكفاءة الوطنية في إنجاز المشاريع العملاقة.
وقد تولّى رئيس الجمهورية الحكم في مستهل عهدته الأولى في ظل ظروف صعبة، حيث كان العالم بأسره يمرّ بأزمة اقتصادية خانقة نتيجة جائحة كورونا، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وأثقل كاهل الطبقات الاجتماعية في مختلف الدول.
ولمواجهة هذه التحدّيات العالمية، بادرت الحكومة بإصلاحات تشريعية هامة تواكب النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي رسم معالمها الرئيس تبون، من خلال إصدار حزمة قوانين مهمة، كقوانين الاستثمار والبنوك والنقد، إضافة إلى قانون منح العقار الاقتصادي، مع التركيز على تشجيع الصادرات والبدائل الإستراتيجية خارج قطاع المحروقات، وتحفيز الاستثمار الخاص لتعزيز التنويع الاقتصادي واستقطاب المزيد من رؤوس الأموال.
وعكس ما قامت به عديد الدول والحكومات، لم تلجأ الجزائر إلى التسريح أو التوقيف الظرفي لليد العاملة في فترة الحجر الصحي، بل اعتمدت خطة تخفيض الأطقم البشرية للمؤسسات بنسبة 50 بالمائة وبشكل دوري، بما يحفظ الصحة العامة ودون المساس بحقوقهم المادية.
وبفضل هذه التدابير تم تكريس الثقة والتي تعززت بجملة الإصلاحات، حيث بدأ الاقتصاد الجزائري يعرف انتعاشًا تدريجيًا ملحوظًا في النمو والتنمية المستدامة، ليشهد الناتج المحلي قفزة نوعية. وتوقعت تقارير دولية، على غرار صندوق النقد الدولي، وبنك التنمية الإفريقية، والبنك الدولي، استمرار هذا النمو خلال السنوات المقبلة، مما يساهم في رفع مستوى الدخل المعيشي للمواطنين.
وقد حققت الجزائر في السنوات الأخيرة طفرة اقتصادية ملحوظة، رغم التحديات العالمية المتمثلة في الأزمتين النفطية والصحية، إضافة إلى التغيرات الجيوسياسية. وجاء ذلك بفضل قرارات السلطات الوطنية الداعمة للاقتصاد الوطني، وتوجيهات رئيس الجمهورية، الذي شدّد في أول لقاء له مع أعضاء الحكومة في بداية عهدته الثانية على ضرورة الإسراع في خدمة المواطن وتحقيق تطلعاته.
الحفــاظ علــى الطابـــع الاجتماعــي للدولــة
رغم التحدّيات الاقتصادية، حافظت الجزائر على طابعها الاجتماعي، تأكيدًا لمبادئ بيان أوّل نوفمبر 1954، وذلك عبر مختلف قوانين المالية الصادرة خلال السنوات الخمس الأخيرة. وقد خصصت الدولة ضمن هذه القوانين نفقات عمومية غير مسبوقة منذ الاستقلال، كان آخرها قانون المالية لسنة 2025. وحرصت القيادة العليا على تجسيد إعفاءات ضريبية، دون فرض أي ضريبة على المواطن، كما تم دعم النقل المدرسي والإطعام، إلى جانب دعم الكهرباء العادية والريفية، والمواد الطاقوية، والماء الصالح للشرب من خلال مشاريع تحلية مياه البحر.
فعلى سبيل المثال، أقرّ قانون المالية لسنة 2023 فتح 36 ألف منصب مالي إضافي، موزعة على مختلف الوزارات والولايات، إضافة إلى إدماج المستفيدين من جهازي المساعدة على الإدماج المهني والاجتماعي في مناصب دائمة. كما تم تمويل برامج دعم المؤسسات الصغيرة من خلال الوكالة الوطنية لدعم وتطوير المقاولاتية، وتوسيع الوعاء العقاري المخصص للاستثمار، إلى جانب دعم المؤسسات الناشئة ضمن نظام بيئي خاص بها.
كما استمر الطابع الاجتماعي للدولة من خلال دعم معظم المواد الغذائية الأساسية، مثل السميد، الزيت، الخبز، والحليب، إضافة إلى الماء والكهرباء والغاز والبنزين، للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن. وقد ارتفع نصيب الفرد الجزائري من الدخل الوطني الخام من 3900 دولار سنة 2023 إلى 4960 دولارًا في 2024، بحسب مؤشرات البنك الدولي، مما سمح بانتقال الجزائر من “الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل” إلى “الشريحة العليا من نفس الفئة”.
وكان من أبرز الإنجازات ما ورد في تقرير البنك الدولي السنوي الصادر في جويلية 2024، بعنوان “الجزائر: مسيرة طموحة نحو التنمية”، حيث أدرجت الجزائر ضمن أربع دول فقط حول العالم نجحت في الانتقال من فئة الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى إلى فئة الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى، وذلك بفضل الإصلاحات الاقتصادية الكبرى.
رفـع الأجـور 100 بالمائــة
اتخذت الجزائر، في هذا السياق، إجراءات غير مسبوقة وقرارات تاريخية لضمان حياة كريمة للمواطن، من خلال الحد من الاستيراد والتوجه نحو اقتصاد منتج للثروة، بعيدًا عن التبعية لقطاع المحروقات الذي يتعرض دومًا لصدمات عالمية مفاجئة. ومع إطلاق خطة الإنعاش الاقتصادي، تعهد الرئيس برفع الأجور بنسبة 47 بالمائة لموظفي الوظيفة العمومية، وهو الإجراء الذي شمل أيضًا القطاع الخاص، الذي استفاد من تخفيض الضريبة على الدخل.
ومنذ الشهور الأولى لتوليه الرئاسة، بدأت الحكومة في تنفيذ أولى الإجراءات لرفع أجور العمال، رغم أزمة البترول سنة 2020 والأزمة الصحية العالمية. ورغم تلك الظروف، تمكنت الجزائر من الحفاظ على مناصب الشغل وتعويض المتضرّرين. ووفى رئيس الجمهورية بوعده، إذ أقرّ أوّل زيادة في الأجر الوطني القاعدي الأدنى المضمون، من 18 ألف دينار إلى 20 ألف دينار جزائري.
وبذلك، تم رفع أجور المواطنين بنسبة تقترب من 50 بالمائة، حيث أُدرجت القدرة الشرائية في صلب أولويات الرئيس، وتوالت الزيادات على مدى خمس سنوات، شملت رفع الأجر القاعدي، وإعفاء الأجور المنخفضة من الضريبة على الدخل، ثم تخفيضها، ورفع النقطة الاستدلالية، وتحقيق زيادات جديدة سنة 2023، مع التطلع لمزيد من الزيادات في سنة 2026، علمًا بأن أجور الجزائريين لم تُراجع منذ سنة 2008.
وقد جاءت هذه القرارات الاستثنائية رغم الظروف العالمية الصعبة، التي أجبرت حتى الدول الكبرى على التراجع والبحث عن حلول لتقليل الخسائر. وتُخطط الجزائر لمواصلة رفع الأجور خلال سنتي 2026 و2027، ما سيوصل الزيادة إلى حدود 100 بالمائة.
وفي التفاصيل، تراوحت الزيادات في الأجور التي أُقرت خلال سنتي 2023 و2024 بين 4500 و8500 دينار جزائري سنويًا، بحسب الرتب، واستفاد منها نحو 2.8 مليون موظف ومتعاقد. كما تم رفع منح التقاعد لفئتين: الفئة الأولى ممن عملوا أقل من 15 سنة وتتراوح منحهم بين 4000 إلى 10000 دينار، حيث ستصل الزيادة إلى 11000 دينار، ويستفيد منها 900 ألف متقاعد. أما الذين كانوا يتقاضون 15000 دينار، فقد ارتفعت منحتهم إلى 20000 دينار، ويبلغ عددهم 250 ألف متقاعد.