من التحاليل المخبرية إلى الملصقات..وتزايد التزامات الصناعيين بالإطار التنظيمي
التوسيم الغذائي أداة لبناء الثقة بين المصنع والمستهلك
كشف الأستاذ الباحث بجامعة قسنطينة، جمال الدين مخانشا، عن تنامي الوعي لدى الشركات الجزائرية المصنّعة خلال الخمس سنوات الأخيرة، لاعتماد المعلومات الغذائية الدقيقة كعامل أساسي لضمان صحة المستهلك وتوجيه اختياراته الغذائية نحو الأفضل، أمام التغيرات التي تعرفها المنظومة الغذائية عالميا في هذا المجال، مسجّلا ارتفاع وعي المستهلك بهذا الأمر من جهة، وتزايد التزامات الصناعيّين المحليّين بالإطار التنظيمي الجديد من جهة أخرى.
وقال مخانشا إنّ المعطيات المتوفّرة من مخابر التحاليل الغذائية في الجزائر تشير إلى ارتفاع متزايد في عدد المؤسّسات الصناعية، التي تلجأ إلى خدمات هذه المخابر من أجل تقييم وتحليل مكوّنات منتجاتها، مضيفا أنه لوحظ، منذ حوالي خمس سنوات، توجّه متزايد نحو الإمتثال للمعايير المرتبطة بالتوسيم الغذائي، بفضل تطوّر النصوص التنظيمية واشتداد عمليات المراقبة، لاسيما فيما يتعلّق ببيان نسب البروتينات، والسكريات، والدهون المشبّعة وغير المشبّعة، والمعادن والفيتامينات.
ويعود هذا التوجّه، حسب مخانشا، إلى مضمون المرسوم التنفيذي الذي يحدّد شروط الوسم الغذائي للمواد الموجهة للاستهلاك البشري، والذي أوجب إدراج معلومات دقيقة حول القيم الغذائية للمنتجات، لا سيما عند عرضها للاستهلاك الواسع أو تصديرها.
الثقة بين المستهلك والصّانع..
وأكّد مخانشا أنّ التوسيم الغذائي لا يعد فقط إجراء تقنيا، بل أداة لبناء الثقة بين المصنع والمستهلك، فغياب بعض المؤشّرات التغذوية – مثل نسبة السكر أو محتوى الصوديوم – على بعض المنتجات قد يخلق حالة من الشك، ويؤثّر سلبا على صورة العلامة التجارية، خصوصا في زمن يزداد فيه وعي المستهلك الجزائري بالتغذية الصحية وتداعيات بعض المكونات على الصحة العامة، مثل الدهون المهدرجة، والسكريات المضافة، والإضافات الكيميائية.
وفي هذا السياق، أشار المتحدث إلى أن بعض الصناعيّين يلجأون إلى استراتيجيات بديلة لتحسين صورة منتجاتهم، كإدماج مكوّنات طبيعية (كالفواكه أو الألياف)، أو تقليص نسب الدهون أو الملح، إلّا أنّ هذه الاستراتيجيات لا تعوض ضرورة التصريح بالمكونات الحقيقية بشكل صريح ومنظم.
ونبّه مخانشا إلى أنه بالرغم من وجود نصوص تنظيمية، إلّا أنّ التطبيق العملي لا يزال يعرف تفاوتا كبيرا، سواء من حيث الصرامة في المراقبة أو من حيث التزام المؤسّسات، مشيرا إلى أنّ بعض المنتجات الغذائية المعروضة بالسوق الجزائرية – خاصة المستوردة – لا تحترم تماما المعايير الوطنية، ممّا يفتح الباب أمام منتجات قد تكون غير مطابقة أو غير صحية.
وقد سجّلت المديرية العامة للرقابة الاقتصادية حالات عديدة لسحب منتجات من السوق لعدم مطابقتها للمواصفات المتعلّقة بالوسم أو لاحتوائها على مواد محظورة أو غير مصرح بها، ما يعكس الحاجة إلى آليات أكثر فاعلية في المراقبة، خاصة في ظل انتشار المنتجات غير المراقبة في بعض المحلات.
ولفت مخانشا إلى أنّ بعض الجهات البحثية والمؤسّسات الحكومية تعمل على دراسة إمكانية تبني نظام وطني للتقييم الغذائي المبسط – مثل مؤشر Nutri-Score أو Multi-Score – يتيح للمستهلك تقييم جودة المنتجات عبر رموز لونية أو علامات مبسّطة، كما هو معمول به في عدة دول أوروبية، لكن هذا المسعى يصطدم حسبه بعدة تحديات، من بينها مدى استعداد المؤسّسات الصناعية لتطبيقه، وتكلفة تحيين أنظمة الإنتاج والتوسيم، فضلا عن الحاجة إلى إطار قانوني صارم يفرضه بشكل تدريجي.
ولأنّ التحديات الصحية نفسها تواجه الجزائر والعالم، خاصة فيما يتعلّق بالأمراض المرتبطة بالتغذية، مثل السمنة، وداء السكري، وارتفاع ضغط الدم، أصبح توفير المعلومة الغذائية الدقيقة مسؤولية جماعية تشمل الدولة، والمؤسّسات الصناعية، ومخابر التحليل، والمجتمع المدن، فمعركة “الشفافية الغذائية” لا تقل أهمية عن أي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي، حسب المختص لأنها تمثل خطوة محورية نحو بناء منظومة غذائية وطنية أكثر عدلا واستدامة.