طباعة هذه الصفحة

لإحصاء الإقتصادي..توجيه السّياسات العمومية نحو استثمار أمثل للموارد

رصد النّقائص وتحديــد الأولويــات لترشيـد الاستـيراد

فايزة بلعريبي

تكويــن 4129 عـون واستغلال أقصـــى الإمكانيـات لإنجــاح العمليــة

بطاقيــة وطنيـة لمختلــف الوحـــدات الإنتاجيـــة الفاعلـة بالوطـن

شــارف: الإحصــاء الدقيـق يوفّر رؤية واضحة عن الإمكانات المتاحة

بن سديـرة: الاكتفـاء الذّاتــي تحقّـق والحاجـة ملحّـــة لقاعــدة رقميــة للتّسويــق

 شكّل التقييم الدقيق للأرقام المكوّنة لمعادلة الاقتصاد الوطني من إنتاج وتصنيع واستيراد وتصدير، الأولوية الأهم لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، والتزام حرص على تجسيده للوصول إلى جزائر رقمية آفاق 2030، من الإستراتيجية الوطنية للرقمنة، إلى الإحصاء الفلاحي وموازاة معه الإحصاء الاقتصادي، تمضي الجزائر بخطى واثقة نحو تجسيد مسار الرقمنة، حيث شدّد على إعداد إحصاء اقتصادي للمنتجات الوطنية، سواء تعلق الأمر بالمنتجات الفلاحية التي شملها إحصاء من طرف الوزارة المعنية أو المنتجات الصناعية والتحويلية، من أجل هدف متبصّر وهو تحديد وبدقة المؤشرات المرتبطة باستهلاكنا وتشكيل قاعدة بيانات شاملة.

 تندرج عملية الإحصاء الشامل للإنتاج الاقتصادي في إطار مسعى واسع يرمي إلى إعداد قاعدة بيانات وطنية دقيقة وشاملة عن جميع النشاطات الاقتصادية، مستفيدة من التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال الرقمنة، لتكون استراتيجية فعّالة تساعد على إعادة هندسة شاملة للعمليات والخدمات من خلال توظيف الأدوات التكنولوجية الحديثة، تعزيزا للكفاءة والشفافية، وتأكيدا على مدى مساهمة رقمنة الخدمات الحكومية في تحسين الأداء المؤسّساتي بما يوجّه ويؤمّن ويحصّن الاقتصاد الوطني، حيث شكّلت رؤية والتزامات وبرنامج رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، خطوة رئيسية لترسيخ هذا التوجه بهدف رقمنة كل القطاعات ومجالات الحياة العامة، بداية من تسجيل الشركات وتحديث الوثائق الإدارية، وصولا إلى آليات تنظيم النشاط الاقتصادي والمعاملات عبر الأنظمة الإلكترونية، ومؤخّرا الشباك الموحد الذي سيكون القاضي الأكبر على البيروقراطية والفوضى.
وترجمة لمسار الرقمنة الذي شمل اليوم جميع القطاعات، سيساهم الإحصاء الذي انطلقت مرحلته الأولى في 7 ماي 2023، في تحديد وبدقة القدرات الوطنية للإنتاج وإعداد بطاقية وطنية لمختلف الوحدات الإنتاجية للسماح، من خلال الاعتماد على الرقمنة للسلطات العمومية بتحديد الواردات وتوجيه الاستثمارات، وتوزيعها بشكل متوازن عبر التراب الوطني من أجل استحداث أقطاب صناعية متخصّصة.
ومن المنتظر أن يشمل الإحصاء الوطني 186 ألف متعامل اقتصادي في مختلف الشُّعب، من أجل إعداد بطاقية وطنية لمختلف الوحدات الإنتاجية، وكذا التحديد الدقيق للقدرات الوطنية ومنه تأطير عملية الاستيراد، تشرف عليها لجان تتكوّن من إطارات بوزارة التجارة الداخلية وضبط السوق، وممثّلين عن الهيئات تحت الوصاية على غرار الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة، المركز الوطني للسجل التجاري.
أما بالنسبة لأهمية هذه العملية باعتبارها ستتيح توفير قاعدة بيانات دقيقة وشاملة عن المنتجات الوطنية، ما يعزّز من القدرة على اتخاذ قرارات إستراتيجية تدعم الإنتاج الوطني، وتساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، سيمكّن الإحصاء أيضا من توجيه السلطات العمومية في عملية الاستثمار، خاصة وأنّه قد تمّ تسجيل أزيد من ألف طلب مشروع استثماري على طاولة الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، التي ستعتمد بشكل رئيسي على قاعدة بيانات الإحصاء الوطني، في عملية توجيه ومنح التراخيص لطلبات الاستثمار المسجلة.

ترقيـة الإنتـاج..مشروع وطني

 وقد قطعت الجزائر شوطا كبيرا في ترقية المنتوج الوطني، ويبرز ذلك جليا من خلال الطبعة 56 لمعرض الجزائر الدولي، وقبله الطبعة 32 لمعرض الإنتاج الوطني التي جرت فعالياتها بقصر المعارض التي ستمكّن من الترويج للمنتوج الوطني، وإبراز الطاقات الإنتاجية الجزائرية في مختلف الميادين سواء في الصناعات الغذائية، التحويلية، الصناعات الإلكترونية والكهرومنزلية وكذا الكيميائية والبيتروكيمياوية والأشغال الكبرى والبناء وغيرها. فنوعية المنتوج الوطني اليوم بمختلف أنواعه، أصبحت تضاهي جودة المنتجات المستوردة، وتلبي احتياجات السوق الوطنية نتيجة سياسة الدولة الداعمة والمشجعة للإنتاج الوطني، إلا أنّ معيار الجودة يبقى غير كاف أمام ضرورة تأطير ومرافقة المنتوج الوطني بإستراتيجية حكيمة ومتبصّرة، حيث لا يمكن الحديث عن ضبط السوق، وتحديد الإنتاج الوطني الخام أو الاحتياجات الوطنية دون إعداد ورقة طريق لعملية تتمحور حول قدرات الإنتاج الوطني، وتغطية احتياجاتنا من المنتجات الواسعة الاستهلاك والمنتجات المصنعة، خاصة وأنّ الجزائر تتوفّر حاليا على نسيج اقتصادي جد هام يتكون من 186 ألف مؤسسة وطنية منتجة وصناعية وتحويلية من بينها 120 ألف محصاة، تشكّل قاعدة بيانات ثمينة فيما يتعلق بالاحتياجات والمنتجات التي نستهلكها وذلك بدقة.

بوصلة لتوجيــــه الإستراتيجيّات

 وأكّد رئيس غرفة التجارة والصناعة لولاية بومرداس ورئيس لجنة تطوير المهارات على مستوى الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة، رابح شارف، في اتصال مع “الشعب”، أنّ عملية إحصاء المنتوج الوطني التي تأتي تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية، بتحقيق تحول نوعي في طريقة إدارة القطاعات من خلال إحصاء دقيق، ستوفّر رؤية واضحة عن الإمكانات المحلية المتاحة وتحديد النقائص لتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات الأولوية، ومنه تقليص فاتورة الاستيراد، وولوج الأسواق الدولية الذي لا يمكن أن يتحقق - حسب المتحدّث - بمنأى عن عملية تشخيص معمّقة للقدرات الإنتاجية، أو غياب قاعدة بيانات أو ما يسمّى بـ “DATA “ للإنتاج الوطني.
من جهة أخرى، يرى شارف أنّ إحصاء الإنتاج الوطني على مستوى الجنوب الكبير سيكون له من الفعالية ما يسمح بتسطير إستراتيجية للحركة التجارية بالمنطقة، خاصة وأنّ الجنوب الجزائري بوّابة نحو دول الجوار، ومنه نحو العمق الإفريقي وسوقه التي أبدت اهتماما كبيرا بالمنتوج المحلي الجزائري، يتجلى ذلك - يتابع محدّثنا – في اتفاقيات التعاون والشراكة المبرمة مع العديد من الدول الإفريقية، إضافة إلى الحضور القوي للأشقاء الأفارقة في التظاهرات الاقتصادية التي تنظم بالجزائر، ما يدل على المكانة الاقتصادية والتجارية التي يتميز بها اليوم المنتوج الوطني، إضافة إلى الأقطاب الصناعية التي تمّ إنشاؤها في السنوات الأخيرة، وقد جعلت الجنوب الكبير يتحول إلى مركز إنتاجي عالمي، بالنظر إلى الاستثمارات التي تمّ بعثها بالشراكة مع شركات عالمية، على غرار مشروع البقوليات بتميمون مع الشريك الإيطالي، ومشروع إنتاج تربية الأبقار وإنتاج الحليب المجفف والأعلاف بأدرار، مع الشركة القطرية “بلدنا”، ما يستوجب تسطير إستراتيجية إنتاجية وتسويقية واضحة ومدروسة، لتأطير الإنتاج الوطني وتأمين تسويقه محليا وخارجيا، وهذا لن يكون إلا من خلال بيانات حقيقة ودقيقة، تفرزها عملية إحصاء شاملة للمؤسسات الاقتصادية من حيث نوعية وكمية وأهمية منتوجها، ومدى الحاجة المحلية له ومدى حظوظه من الحصص السوقية الدولية.

استنفار للموارد وتحضير استباقي

 بالنسبة لماهية الآليات والإمكانات المستعملة في هذا الإحصاء، قال شارف إنّ العملية تشمل جميع الولايات تحت إشراف غرفة الصناعة والتجارة، من خلال تشكيل لجان ولائية ترأسها مديرية التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية وممثلي الهيئات تحت الوصاية، وبإشراف السادة الولاة، ومشاركة ممثلي مختلف القطاعات المعنية، مؤكدا أن العملية ترتكز على العمل الميداني. ولأجل ضمان نجاحها كانت غرفة التجارة والصناعة، قد قامت بتكوين في 13 جانفي 2025 لأعوان التجارة وكل المتدخلين المكلفين بالعملية، حيث تم تكوين 4129 عون، وقد شملت محاور التكوين تقنيات الاتصال والمحاورة، وكيفية طرح الأسئلة وملء الاستمارات من طرف المتعامل الاقتصاديين، حيث تتضمن هذه الأخيرة بيانات تقنية حول نوع المنتوج، كمية الإنتاج، المادة الأولية المستعملة، عدد العمال وطريقة التصنيع. وأشار شارف بالمناسبة إلى العدد المهم الذي تمتلكه ولاية بومرداس من المؤسسات الاقتصادية البالغ عددها 4905 مؤسسة اقتصادية سيتم إحصاؤها.
وفي سياق متصل، تطرّق رابح شارف إلى إشكالية التذبذب التي عرفتها السوق المحلية في بعض الفترات، والإستراتيجية العملية للتصدي لها، من خلال قاعدة بيانات تتضمّن الكميات الحقيقية للمنتوج وما يقابلها من حاجيات للسوق المحلية. كما أشار إلى نقطة مهمة تتمثل قي توزيع وتموقع مناطق الإنتاج كمصدر للمادة الأولية للصناعات التحويلية، ما يفرض إنشاء مصانعها، بمحاذاة هذه الأخيرة، لتجنب تكاليف الشحن والنقل نحو ولايات بعيدة. فمن خلال التنسيق البيني القطاعي والاستغلال الذكي لقاعدة البيانات التي ستتمخض عن عملية الإحصاء الاقتصادي، ستتمكّن السلطات العمومية ومراكز القرار ومن خلالها الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار المكلفة بمنح تراخيص الاستثمار، تابع محدثا، من تسطير خارطة اقتصادية متوازنة ومتكاملة من حيث تموقع مناطق إنتاج المادة الأولية سواء استهلاكية أو صناعية ومناطق تصنيعها، وتحويلها إلى منتوج نهائي سيسوّق هو الآخر وفق الحاجيات المدرجة بقاعدة البيانات.

محاصرة الفوضى

 وبدوره أكّد رئيس المنظمة الجزائرية للاستثمار والتجارة، جابر بن سديرة، أنّ تركيز رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على بعث التصدير، كخطوة ثانية بعد تلبية حاجيات السوق المحلية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال تعزيز الإنتاج المحلي، وهو ما تحقّق فعلا في العديد من المواد، أردف بن سديرة مثمّنا هذا الإنجاز، حيث تمكّنت الجزائر من تحقيق اكتفائها الذاتي من القمح الصلب، الشعير والذرة، خلال موسم 2025، في حين تمّ الاستغناء عن العديد من المنتجات من الصناعات الغذائية والتحويلية، كانت تستنزف ملايير الدولارات من الخزينة العمومية، كما أحرزت الجزائر فائضا في الإنتاج في العديد من القطاعات، سيتم توجيهها إلى التصدير، خاصة في ظل الاهتمام الأجنبي بالمنتوج الجزائري، ما يتطلّب تنظيما أكثر للسوق الخارجية، وتأطيرا محكما لما ينتج محليا، وإعادة النظر في سلسلة القيم من إنتاج وتخزين وتوزيع، وتسطير خارطة إنتاجية وتصنيعية قائمة على الاستغلال الأمثل للموارد المتوفرة.

المسؤوليــة جماعية

 وعن خلفية هذه العملية، قال بن سديرة إنّها ستكشف عن الحاجيات الحقيقة للسوق المحلية ممّا سيمكّن من الإفراج عن عمليات الاستيراد – المدروسة - مع مراعاة الكميات المتوفّرة من الإنتاج المحلي وحماية المنتوج الوطني من خلال البطاقة الوطنية للمنتوج الوطني التي يتم تحيينها ومراجعتها دوريا، وهو الإجراء الذي ثمّنته المنظمة الجزائرية للتجارة والاستثمار، حيث كانت هذه الأخيرة قد اقترحت تكريس عملية تحيين البطاقية الوطنية بوتيرة دورية، واستحداث قاعدة بيانات ممّا يضمن مصداقية المعلومات، ويسهل عمل هيئتي الاستيراد والتصدير اللتين ستتكفّلان بمهمة ضبط حركة التجارة الخارجية مستقبلا، حيث أن أي خلل في هذه الأخيرة سيؤثّر سلبا على عميلة ضبط الواردات، ما سيكون سببا في هدر فاتورة معتبرة من العملة الصعبة.وبالمناسبة، يقترح بن سديرة توسيع عضوية اللجان المختصة في دراسة ما يجب استيراده، وإشراك المهنيّين وخبراء المجال في تحديد قائمة الواردات استنادا إلى نتائج الإحصاء الاقتصادي، التي ستفضي عمّا ينتج محليا وما يجب استيراده، مضيفا أنّ هذه الأخيرة ستمكّن من محاصرة النشاط الموازي الذي تعدّى 80 بالمائة في مجالات عديدة خاصة النسيج والأفرشة، نسبة تفرض تدخل المهنيين لتسطير سياسات التصدي لهذه الظاهرة، وكبح النشاطات التجارية المضرّة بالاقتصاد الوطني.