طباعة هذه الصفحة

الخبـير الاقتصادي عبد القادر بريـش لـ”الشّعـب”:

آفـاق جديــدة مـن الشراكات الرابحـة تؤسّـس لعلاقـات ناجحة

فضيلة بودريش

 يرى الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش، أنّ توقيع الجزائر على معاهدة الصداقة والتعاون مع رابطة “آسيان” يعكس تحولاً نوعياً في الرؤية الإستراتيجية للدولة، ويمثل انفتاحاً على فضاءات اقتصادية واعدة ذات قيمة مضافة. واعتبر الخبير في حديث لـ«الشّعب” أنّ هذه الخطوة ستعزّز “المرونة الإستراتيجية” للجزائر، بما يسمح لها بلعب أدوار دبلوماسية واقتصادية محورية في عالم متعدّد الأقطاب، إلى جانب بناء شراكات قوية ومربحة مع تكتل اقتصادي سريع النمو.

تواصل الجزائر مساعيها لبناء اقتصاد قوي والانفتاح على شراكات متينة ومثمرة، مرسّخة بذلك معالم مستقبل تنموي واعد من خلال استراتيجيات وخطط اقتصادية طموحة تُعد حجر الأساس في عالم يتّسم بوتيرة نمو وتطور سريعة. وفي هذا الإطار، خطت مؤخّراً خطوة متقدمة يُنتظر أن يكون لها أثر ملموس في تنويع الشراكات الاقتصادية الرابحة، عقب انضمامها إلى فضاء “آسيان”، في مبادرة وصفها الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش بأنها تحمل أبعاداً استراتيجية عميقة.
وأكّد بريش أنّ توقيع الجزائر على معاهدة الصداقة والتعاون مع رابطة دول جنوب شرق آسيا، يمثل حدثاً يتجاوز الطابع الرمزي ليكتسي بعداً سياسياً واقتصادياً وجيوسياسياً، خاصة في ظل عالم يشهد تحولات متسارعة في موازين القوى، وتزايد التوجّه نحو تعدّد الأقطاب وتوسيع دوائر الشراكات والتحالفات. كما أشار إلى أنّ هذه الخطوة تعزّز الجهود الرامية إلى تنويع الشراكات التجارية والاستثمارية، وتدعم التعاون الاقتصادي، وتساهم في تطوير البنية التحتية، وضمان الأمن الغذائي والطاقوي، ممّا يمهّد الطريق لتجسيد نموذج متكامل للتنمية الاقتصادية.

استقطاب استثمارات آسيوية

 وفي قراءة متأنية ومركّزة لهذا الانضمام، أكّد الخبير بريش أنّ توقيع الجزائر على هذه المعاهدة يعكس إرادة سياسية واضحة في تنويع الشراكات والانفتاح على فضاءات جيوسياسية جديدة. على اعتبار أنّ هذه الرابطة التي تضمّ عشر دول آسيوية تشكّل نموذجا ناجحا للتكامل الإقليمي، وعلاقات الجزائر معها تمثل تموقعا جديدا في منطقة محورية من العالم، تتقاطع فيها المصالح الإستراتيجية للقوى الكبرى.وضمن الأهداف المتعدّدة المنتظرة، يرى الخبير بريش، أنّ انضمام الجزائر إلى معاهدة الصداقة والتعاون يبعث برسالة مفادها أنّ الجزائر ترفض الانغلاق، وتسعى إلى إعادة رسم تموقعها الدولي بعيدا عن منطق الاصطفاف، عبر تبني سياسة خارجية متعدّدة الاتجاهات، منسجمة مع مبدأ عدم الانحياز، ومبنية على المصالح المتبادلة. كما تتيح هذه المعاهدة للجزائر على الصعيدين الاقتصادي والتجاري آفاقا واسعة في إطار مسار تعزيز تعاونها مع واحدة من أكثر المناطق ديناميكية ونموا في العالم. على اعتبار أنّ اقتصادات الآسيان تحقّق نسب نمو مرتفعة، ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي قرابة 4 تريليونات دولار، مع سوق استهلاكية تفوق 680 مليون نسمة.وتتزامن هذه الشراكة والانضمام بفتح فرص جديدة تاريخية للجزائر، التي تعمل على تنويع اقتصادها وتوسيع صادراتها خارج المحروقات، وأوضح الخبير في هذا المقام أنّ الالتحاق بركب الآسيان سيسمح للجزائر أن تجد في هذا الفضاء الاقتصادي فرصا حقيقية لتصدير كل من الفوسفات والحديد إلى جانب المنتجات الزراعية، وكذا الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى استقطاب استثمارات آسيوية مباشرة في قطاعات مثل الصناعة والتكنولوجيا، الفلاحة، والمقاولاتية.

فرصة لإقامة شراكات ثلاثية

 ووقف الخبير بريش على رهانات التعاون المستقبلي وتناول الأهمية الاقتصادية على وجه الخصوص لمعاهدة الصداقة والتعاون، وأقرّ حسب تقديره بأنها تفتح المجال أمام الجزائر للاستفادة من التجارب الآسيوية في التنمية، وأشار على وجه الخصوص إلى كل من مجالات التحول الرقمي والاقتصاد الأخضر، إلى جانب المدن الذكية، والتعليم التقني. وقال أنها تتيح إلى جانب كل ذلك إمكانات لإقامة شراكات ثلاثية، جزائرية-آسيوية-إفريقية، تستثمر الموقع الجيواستراتيجي للجزائر كبوابة إستراتجية بالغة الأهمية إلى إفريقيا.ويفضي تواجد الجزائر في هذا الفضاء المهم المنوّع للشركات المثمرة إلى تأهّبها من أجل تموقع دولي جديد، ينتظر منه الكثير على صعيد بناء تعاون اقتصادي متنوّع ومستمر لتعزيز الاقتصاد الوطني والاستفادة من خبرات وتطور هذه الدول، وإيجاد أسواق جديدة للجزائر كذلك، ولم يخف الخبير في هذا المقام، أنّ توقيع الجزائر على المعاهدة يمثل خطوة في اتجاه تعزيز استقلالية القرار الوطني من خلال تنويع الشركاء، وتكريس مبدأ “التوازن في العلاقات الخارجية”، على اعتبار أنّ الدخول في شبكات تعاون آسيوية يعزّز مبدأ “المرونة الإستراتيجية”، كما أنه بالموازاة مع ذلك من شأنه أن يسمح للجزائر بلعب أدوار دبلوماسية واقتصادية بارزة في عالم متعدّد الأقطاب.وبدا الخبير عبد القادر بريش متأكّدا من أنّ الجزائر توجد في الاتجاه الصحيح لأنها تتعمّق بثقة وعزيمة في التواجد في أهم الفضاءات الاقتصادية العالمية والإقليمية، ويعتقد حسب تقديره أنّ توقيعها على معاهدة الصداقة والتعاون مع رابطة “آسيان” ليس مجرّد حدث بروتوكولي، على اعتبار أنه يعد كذلك محطة فارقة، تعكس تحولا نوعيا في الرؤية الإستراتيجية للدولة الجزائرية. إنها خطوة نحو آفاق جديدة من الشراكات، تؤسّس لعلاقات مربحة للطرفين، وتفتح للجزائر نوافذ اقتصادية متعدّدة في فضاء دولي متغير