المنحة السياحية تؤسّس لاستمرارية إصلاحات السياسة النقدية
حوكمة صارمة تحدّ من تسرّب العملة الأجنبية إلى السوق الموازية
من المرتقب أن يُسهم قرار رفع قيمة المنحة السياحية، الذي دخل حيّز التنفيذ منذ أيام، في دعم قيمة الدينار الجزائري والحدّ من انزلاقه الناتج عن المضاربة الشرسة في السوق السوداء، كما يُمهّد هذا الإجراء الطريق لإنشاء مكاتب صرف رسمية، تحلّ تدريجيًا محل السوق الموازية، بما يضمن استمرارية الإصلاحات المرتبطة بالسياسة النقدية، وفي هذا السياق، يتوقّع الخبير الاقتصادي والمالي نبيل جمعة أن يُحدث هذا القرار تحوّلًا حقيقيًا في تنظيم سوق الصرف، باعتباره خطوة تاريخية تتيح مكافحة المضاربة بالعملة، وتشجّع على إدماج النشاطات غير الرّسمية ضمن المنظومة البنكية، ويرى جمعة أنّ هذه الديناميكية الجديدة ستُسهم في تعميق الإصلاحات المالية، بما يتماشى مع أهداف النمو الاقتصادي، ويُعزّز القدرة الشرائية، ويُشجّع على تعميم الدفع الإلكتروني وتوسيع نطاق الرّقمنة في المعاملات المالية.
في رؤية استشرافية لدخول قرار الرفع من قيمة المنحة السياحية حيّز السريان خلال الأيام القليلة الماضية، اعتبر الخبير الاقتصادي المختص في الشأن المالي نبيل جمعة، في تصريح لـ«الشّعب”، أنه يندرج ضمن خطوات إصلاحية تخصّ السياسة النقدية وسوق الصرف وله انعكاسات على احتياطي الصرف والخزينة العمومية، إلى جانب تعزيز جهود اجتثاث السوق السّوداء واختفاء شبكة من سماسرة العملة، وأكّد أنّ إطلاق هذا الإجراء يمثل توجّها قويا في تجسيد هدف جوهري يتمثل في القضاء على السوق الموازية، في ضوء حرص وتعليمات رئيس الجمهورية على تجسيد حزمة من الإصلاحات الهامة والتاريخية، بما يسمح ببناء اقتصاد قوي ومزدهر.
وأوضح الخبير نبيل جمعة أنّ رفع قيمة المنحة السياحية السنوية يُعد إجراءً ذا بُعد اجتماعي واضح، من شأنه تحسين القدرة الشرائية للمسافرين، من خلال تغطية جزء معتبر من تكاليف السفر، على غرار النقل والإطعام والإقامة، ما يقلّل اعتمادهم على السوق الموازية، وأضاف أنّ هذا الإجراء سيساهم تدريجيًا في تراجع نشاط السّوق السّوداء للعملة الصعبة، تمهيدًا لتلاشيها على المدى المتوسّط.
وأبدى جمعة تفاؤله بشأن مستقبل تنظيم سوق الصّرف، مؤكّدًا أنّ القضاء النهائي على السوق الموازية بات مسألة وقت، وأنّ ملامح نهايتها أصبحت تلوح في الأفق القريب.
السوق الموازيــة..نهايـة قريبـة
وقف الخبير الاقتصادي والمالي نبيل جمعة، على أهم المؤشّرات الإيجابية المنتظر أن تتجسّد على أرض الواقع وتنعكس بشكل إيجابي على عدة أصعدة، أبرزها امتصاص جزء مهمّ من الطلب على مستوى السوق السّوداء، بالإضافة إلى أنّ منح المواطنين المسافرين لمختلف الوجهات الخارجية مبلغ يقدّر بنحو 750 أورو لأول مرة بعد سنوات طويلة كانوا يستفيدون فيها من مبلغ زهيد لا يتعدى 100 أورو، هذا ما خفّض الضغط، وسيقلّل الطلب على السّوق السّوداء خاصة لصالح الطلبة والمرضى، وهذا ما أدى إلى انخفاض نسبي في سعر الأورو بعد تنفيذ القرار في ظل استقرار الطلب، إلى جانب تعزيز ثقة المواطنين في النظام البنكي الرّسمي عبر القنوات الرّسمية، باعتبار أنّ هذا الإجراء التاريخي الذي يكتسي أهمية يبعث برسالة ثقة ويشجّع المواطنين للعودة إلى النظام الرّسمي، ممّا يفضي إلى تحسين صورة الاقتصاد الوطني على المستوى الخارجي.
وتوقّع الخبير -في الإطار نفسه- أنّ الإجراء المالي والنقدي الجديد في الجزائر المنتصرة المتخذ من طرف رئيس الجمهورية، يستحق الثناء، ولقيه المواطنون بارتياح بالغ، خاصة وأنه يسمح على المديين القريب والمتوسّط بالتحرّر التدريجي لسوق الصرف، ومن ثم التحكّم في سوق العملة الأجنبية بشكل منتظم، ويتوافق كل هذا مع مقترحات وتوصيات صندوق النقد الدولي والمتمثلة في القضاء على السوق الموازية.
لا خــوف علـى احتياطـــي الصــرف..
وبخصوص إثارة مرحلية لبعض المخاوف حول آثار محتملة على احتياطي الصرف والضغط المحتمل، طمأن الخبير أنّ احتياطي الصّرف الذي تحسّن مؤخّرا ووصل إلى أزيد من 70 مليار دولار ومرشّح إلى الارتفاع أكثر خلال السنتين المقبلتين، بفضل الخطة التنموية والانفتاح الكبير على الاستثمار المحلي والأجنبي، بفضل إجراءات إصلاحية واقتصادية هامة حقّقتها الجزائر المنتصرة بعزيمة وثقة ونجاح متواصل، وأضاف أنّ الاحتياطي لن يتأثر بفضل ترقّب ارتفاع في مداخيل الصادرات والقطاع السياحي، وكذا ارتفاع أسعار النفط على مستوى الأسواق العالمية، وهذا ما سيخفّف من الضغط على الخزينة، ويعزّز من حجم ومتانة الكتلة النقدية، ومن جهة أخرى، يعوض النفقات المسجّلة.واستحسن الخبير جمعة الإجراءات الصارمة والفعالة المتخذة والمتمثلة في منع توجيه العملة الصعبة إلى السوق الموازية، عن طريق تحديد 8 أيام سفر لخارج الوطن لكل مستفيد من المنحة، وفي حالة عدم استيفاء هذا الشرط، يفرض على هذا المستفيد إعادة ما تبقى من المبلغ بالعملة الأجنبية بفضل قوة القانون الذي ينظّم العملية، فيما تفرض عقوبة على كل مخالف وأبرزها المساءلة القانونية وحرمانه من منحة الصرف لمدة 5 سنوات كاملة.وتصب هذه الإجراءات الاستباقية للتضييق على السوق الموازية المرتقب أن تنكمش بشكل تدريجي خلال المرحلة المقبلة وفق الخبير جمعة، الذي يتوقّع أن ينخفض سعر الأورو والدولار، فقبل أقل من أسبوع واحد من دخول المنحة حيّز التنفيذ، تراجع من حدود 126,5 دج ، إلى 255 دج لكل 1 أورو.وقدّم الخبير المالي سلسلة من التوقّعات، نذكر منها أنّ الضبط الدقيق لعدد المستفيدين من منحة السياحة، يسمح دون شك بمتابعة تداول العملة الصعبة، وتشجيع قوي لنشاط مكاتب الصرف، واستغلال المداخيل الإضافية بالعملة الأجنبية دون اللّجوء إلى احتياطي الصّرف لمنع تآكله. ومن أبرز التوقّعات المقدمة من طرف الخبير، نشير إلى تحسين صورة الإصلاحات المنتهجة، وينتظر أن تقطع الطريق على المضاربين بالعملة، ما يعزّز -بشكل مسبوق- قيمة الدينار، بالإضافة إلى إضفاء كثير من الفعالية على المنظومة الرّقمية عن طريق تشجيع الدفع الرّقمي، على خلفية أنه مستقبلا ستتمّ عملية الإستفادة من منحة السّفر عن طريق الدفع عن بعد وبشكل رقمي.