تنويع الشركاء الاقتصاديين على الصعيد الخارجي وتنويع مصادر الدخل
انتهجت الجزائر، خلال السنوات الخمس الأخيرة، دبلوماسية اقتصادية سيدة، تقوم على تنويع الشركاء الاقتصاديين على الصعيد الخارجي، ومنه تنويع مصادر الدخل. فبعد أن كانت مبادلاتها التجارية تتم أساسا مع الاتحاد الأوروبي، أصبح لها شركاء من مختلف مناطق العالم، لكن البارز في دبلوماسيتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، تركيز التعامل مع دوله في إطار ثنائي، وحسب ما يمكن أن تقدمه من إضافات للاقتصاد الجزائري بمختلف روافده.
آسيا قبلي
في إطار سياستها لتنويع الشركاء الاقتصاديين، وأمام إجحاف اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في حق مصالحها، قررت الجزائر أن تسلك طريقا موازيا يخدم مصالحها دون أن يخل باتفاق الشراكة الذي يجمعها بالاتحاد الأوروبي، وذلك بإبرام اتفاقيات ثنائية مع دوله، كل على حدة، وهو نهج جديد من شأنه أن يعزز العلاقات الاقتصادية الثنائية في المجالات التي تعود بالنفع على الجزائر والدولة المعنية، بالتراضي في إطار من النّديّة، دون ضغوط ولا إذعان.
وتسمح الاتفاقيات الثنائية بتوسيع فرص الاستثمار في القطاعات التي تقدّر الجزائر أنها تعاني من نقص فيها، أو تحتاج إلى خبرة أجنبية لتطويرها، علاوة على تعزيز العلاقات السياسية والتعاون، خاصة في القضايا ذات الاهتمام المشترك.
منهـاج الجزائــر الجديــدة
ويحرص رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، شخصيا على قيادة هذا النهج الجديد في الدبلوماسية الاقتصادية. ويمكن الإشارة هنا، على سبيل المثال لا الحصر، إلى الزيارة التي قادته إلى سلوفينيا، والتي كانت أول زيارة من نوعها إلى دول أوروبا الشرقية، ووصفت الزيارة بـ«الإيجابية والواعدة”، حيث تم التوقيع على عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين، أهمها الطاقة والتعليم العالي والصناعة، كما تم تدشين منتدى رجال الأعمال الجزائري-السلوفيني، الذي يهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
وقام الرئيس تبون بزيارة إلى إيطاليا الأيام الماضية، حيث توّجت بتوقيع عديد الاتفاقيات في مجالات مختلفة، على رأسها الطاقة التي جعلت من إيطاليا منصة توزيع الغاز الجزائري إلى باقي دول أوروبا، باعتبار أن الجزائر مورد موثوق، خاصة في قطاع الغاز الطبيعي، إلى اتفاقيات لتشجيع الاستثمارات المتبادلة بين الجزائر وإيطاليا، وتعزيز التعاون السياسي بين البلدين، بما في ذلك التنسيق في القضايا الإقليمية والدولية.
تعزيـز الاستثمـار والتجــارة
يمكن أيضا أن نشير إلى منتدى رجال الأعمال الجزائري- الإسباني، الذي عقد منتصف جوان الماضي، الذي عبر المشاركون فيه عن تطلعاتهم لبناء منظومة تعاون متينة تعكس الإمكانات الكبرى التي يزخر بها الطرفان، خاصة الطاقة وفرص الاستثمار في الجزائر والموانئ والسيراميك في إسبانيا.
وفي 27 من الشهر نفسه، أي بعد أسبوعين من المنتدى الإسباني، عقد المنتدى الجزائري- البريطاني، تحت شعار: “الجزائر وجهة مميزة للاستثمار والأعمال”، لتسليط الضوء على الفرص الكبرى للشراكة في تسعة قطاعات، هي الفلاحة والصناعات الغذائية، السياحة، الصناعة والإنتاج الصيدلاني، الصيد البحري والمنتجات الصيدية، الطاقات الجديدة والاستغلال المنجمي، وحضر اللقاء مائتا مدير لمجمعات في مختلف المجالات.
كما وسعت الجزائر من تعاونها مع دول شرق آسيا من خلال الانضمام إلى معاهدة الصداقة “آسيان”، والتي سوف تسمح بفتح أسواق جديدة للمستثمرين الجزائريين وجلب استثمارات من دول التكتل، ومنها الإعلان عن استثمارات ماليزية بقيمة عشرين مليار دولار في الجزائر، بحسب ما أفصح عنه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في وقت سابق، بالتوازي مع تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية الذي توسع إلى الجانب الاقتصادي، بعد أن تركز في السنوات الماضية في الجانب العسكري والأمني، ويستدل على ذلك بالزيارة التي قام بها الممثل رفيع المستوى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى الجزائر، أين أكد على الأهمية التي توليها بلاده للجزائر، مشددا على تعزيز الشراكة الاستراتيجية في مجالات الأمن والطاقة والاستثمار.
يذكر، أن اثنتين من أكبر خمس شركات عالمية تعملان في مجال الطاقة، أعلنتا عن رغبتهما في الاستثمار بالجزائر، عقب استقبال رئيس الجمهورية لوفديهما الأيام الماضية.
بالمحصلة، سمحت الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية، في نسختها الجديدة، باختراق أسواق جديدة في أوروبا عبر خطوط الغاز والنفط والطاقة الخضراء والمتجددة، وفي أقصى شرق آسيا، ما ممكنها من التحرر من قيود الاتحاد الأوروبي، الذي ارتبطت معه بموجب اتفاق الشراكة منذ 2005، تاريخ دخوله حيز التنفيذ، ولم تستفد بأكثر من مليار دولار من قيمة المبادلات التجارية التي قدرت بألف مليار على مدار عشرين عاما، فكان تحريك العلاقات الثنائية مع أعضاء الاتحاد أفضل سبيل لتحقيق المصلحة الوطنية، إلى حين مراجعة الاتفاق بما يخدم مصالح الطرفين.