استثمــــار ذكـــي في الأمــــن المائـــي والطاقــــوي يفتــــح آفاقــا جديــدة للإنتـــاج
عزّزت الجزائر، خلال السنوات الأخيرة، مساعيها لتحقيق الأمن الغذائي عبر إطلاق مشاريع فلاحية كبرى في المناطق الجنوبية، مستثمرةً المساحات الشاسعة والموارد الطبيعية الغنية التي تتميز بها هذه المناطق. وتشكل هذه المشاريع خيارًا استراتيجيًا يهدف إلى تقليص الاعتماد على الاستيراد وتغطية احتياجات السوق الوطنية من مختلف المنتجات الزراعية.
مشاريع عديدة بإمكانها أن تفتح أفاقا واعدة أمام الجزائر لدخول أسواق جديدة، خصوصا في إفريقيا، وهذا من خلال تصدير منتجات الفلاحة الصحراوية ذات الجودة العالية، وإذا ما تم استغلال هذه الفرص بالشكل الأمثل، فإنها قد تمثل رافدا مهما للاقتصاد الوطني.
كما أن نجاح هذه المشاريع يعتمد على توفير الطرق ووسائل النقل والتخزين، إضافة إلى دعم المزارعين وتشجيع المستثمرين، فحين يرتبط الإنتاج المحلي بالأسواق الخارجية، ستزداد قيمة المنتجات وترتفع قدرتها على المنافسة، مما يساعد الجزائر على تعزيز أمنها الغذائي وتنويع اقتصادها بشكل أفضل.
وتشير التقديرات إلى أن الجزائر تنتج سنويا أكثر من 5 ملايين طن من المنتجات الفلاحية الصحراوية، مثل التمور والخضروات، ويمكن تصدير جزء مهم منها لتحصيل عائدات معتبرة، كما أن فتح أسواق جديدة قد يرفع صادرات الجزائر الفلاحية، خلال السنوات الخمس المقبلة، مما يساعد على دعم الاقتصاد الوطني.
ازدهــار فلاحـــي
من جهته، الخبير الفلاحي لعلى بوخالفة، أكد أن البرامج الاستراتيجية التي أطلقتها الدولة، سواء في مجال الفلاحة الكبرى أو الفلاحة الصحراوية، ستجعل الجزائر في المستقبل من أبرز الأقطاب الفلاحية، قادرة على منافسة الدول الرائدة عالميا خاصة مع توفر الموارد الطبيعية والمساحات الزراعية الكبرى التي تدعم هذا التوجه.
وأضاف المتحدث، هذا التطور سيتيح للجزائر فرصة كبيرة لتعزيز أمنها الغذائي، من خلال الاعتماد على المنتجات المحلية عالية الجودة التي تلبي احتياجات السوق الوطنية، ومع توسع المشاريع الفلاحية الحديثة وتبني تقنيات إنتاج متطورة، ستتمكن البلاد من توفير مختلف المنتجات، مما يقلل من حجم الواردات ويحد من التبعية للأسواق الخارجية.
كما أن تحقيق فائض في الإنتاج، سيفتح المجال أمام الجزائر لدخول أسواق خارجية واعدة، خاصة في ظل ارتفاع الطلب العالمي على المنتجات الفلاحية، ويمكن لهذا الفائض أن يتحول إلى مصدر مهم لجلب الأموال، خصوصا إذا تم توجيه جزء منه نحو الأسواق الإفريقية ودول الخليج التي تشهد نموا سريعا في استهلاك المواد الغذائية.
ومع اعتماد خطط تسويق جيدة وتطوير طرق التوزيع، يمكن للجزائر أن تثبت نفسها كمورد موثوق في العالم، خاصة إذا ركزت على إبراز جودة منتجاتها وتنوعها، وجعلها مطابقة لمعايير الأسواق الدولية، كما أن التعاون مع شركاء أجانب والمشاركة في معارض للتعريف بالمنتجات الجزائرية، سيساعد على فتح أسواق جديدة في إفريقيا وآسيا وأوروبا.
ركيـزة أساسيـة
أكد الخبير أن الجزائر تمتلك مقومات قوية تؤهلها لتحقيق أهدافها التنموية في القطاع الفلاحي، وأهمها الأمن المائي الذي يشكل عاملا مهما في تطوير الإنتاج الزراعي، حيث تتميز الجزائر بامتلاكها لأكبر مخزون من المياه الجوفية في المنطقة، يقدر هذا المخزون بأكثر من 45 ألف مليار متر مكعب، وهو ما يمنح البلاد قاعدة صلبة لتعزيز الزراعة، خاصة في المناطق الصحراوية والمناطق ذات الموارد المائية المحدودة.
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك بلادنا شبكة من السدود الكبيرة يتجاوز عددها 85 سدا، بسعة تخزينية تصل إلى ما بين 8 و9 مليارات متر مكعب من المياه، هذه السدود تساهم بشكل فعال في تنظيم الموارد المائية وتوفير احتياجات الزراعة والصناعة والمياه الصالحة للشرب، مما يدعم الاستثمارات الفلاحية ويوفّر فرصا لتنمية مساحات زراعية جديدة.
أوضح بوخالفة أن الجزائر شهدت تطورا كبيرا في مجال معالجة واستعمال المياه المستعملة، حيث ارتفع عدد محطات تصفية المياه من أقل من 20 محطة إلى أكثر من 170 محطة، بطاقة معالجة تصل إلى مليار متر مكعب سنويا، تستخدم هذه المياه المعالجة بشكل رئيسي في الزراعة والصناعة، وهو توجه ذكي يساهم في ترشيد استهلاك الموارد المائية الطبيعية ويخفف الضغط على المصادر التقليدية.
ووفقا للخبير، فإن الجزائر تعتزم استغلال ما بين 30 و40 مليار متر مكعب من هذه الموارد المائية سنويا، مما يعكس رغبة الدولة في تبني استراتيجية مستدامة لضمان الأمن المائي ودعم الإنتاج الزراعي، خاصة في ظل التغيرات المناخية وزيادة الطلب على الغذاء، هذا التوجه يعزز من قدرة الجزائر على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتطوير قطاع الفلاحة.
تعزيز قطاع الفلاحة
وعرج بوخالفة إلى الإمكانات الهائلة التي تملكها بلادنا وتساعد على تطوير قطاع الفلاحة، وهو قطاع مهم جدا لتحقيق الأمن الغذائي، أهم هذه المقومات -بحسبه- توفر مصادر الطاقة والمياه بشكل مستمر.
في السياق، أشار إلى مصادر الطاقة المتنوعة التي تشمل الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية والطاقة الخضراء، موضحا أن وجود هذه الطاقة يساعد بشكل كبير في تشغيل مختلف أنشطة الفلاحة، مثل ري الأراضي الزراعية، وتشغيل المصانع الصغيرة الخاصة بمعالجة المنتجات الزراعية، وكذلك في حفظ المحاصيل عن طريق التبريد والتخزين.
وأوضح أيضا مع توفر الطاقة والمياه، يمكن للجزائر تطوير فلاحتها بشكل كبير بحيث تنتج محاصيل متنوعة وعالية الجودة، هذا سيساعد البلاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، أي إنتاج ما يكفي للمواطنين دون الحاجة إلى استيراد كميات كبيرة من الخارج، كما يمكن أن تنتج فائضا من المنتجات الفلاحية لتصديرها، وهذا سيعود بفائدة كبيرة على الاقتصاد الوطني.
وبالنظر إلى هذه العوامل- يقول المتحدث-الجزائر قادرة على تعزيز سيادتها الوطنية في مجال الغذاء من خلال تطوير فلاحتها بالاعتماد على الأمن الطاقوي والمائي، وهذا يجعل البلاد أقل عرضة لتقلبات السوق العالمية في أسعار الغذاء، ويضمن استقرارا أكبر للأمن الغذائي لجميع المواطنين.
إلى جانب ذلك، تملك بلادنا أراضي واسعة يمكن استصلاحها، خاصة في الصحراء، حيث يمكن استغلال الطاقة الشمسية وتقنيات الري الحديثة لزيادة الإنتاج من الحبوب والخضروات والفواكه، هذا التطوير لا يغطي حاجات السوق المحلية فحسب، بل سيفتح الباب أيضا لتصدير منتجات فلاحية ذات جودة عالية نحو الأسواق الخارجية.
تشجيع البحث العلمي
وأضاف المختص في الفلاحة، إنشاء مصانع لتحويل وتعليب المنتجات الفلاحية سيساعد في تقليل ضياع المحاصيل وزيادة قيمتها، إلى جانب تشجيع البحث العلمي لإنتاج أصناف نباتية تتحمل الحرارة وقلة المياه، كل ذلك سيحقق الاكتفاء الذاتي ويجعل الجزائر أكثر قوة في مجال الأمن الغذائي داخل المنطقة.
كما أن دعم مراكز البحث العلمي في مجال الزراعة، وتزويدها بالتقنيات الحديثة مثل الزراعة الذكية والمستشعرات المناخية (أجهزة قياس الطقس)، سيساهم في ابتكار أساليب إنتاج أكثر كفاءة مع تحسين جودة المحاصيل وتقليل استهلاك المياه والأسمدة، هذا الاستثمار في المعرفة سيجعل الفلاحة أكثر قدرة على مواجهة التغيرات المناخية وتحقيق إنتاج مزدهر على المدى الطويل.
وعليه، أكد الخبير الفلاحي لعلى بوخالفة ختاما، أن الجزائر تمتلك كل الإمكانات التي تؤهلها لتصبح دولة رائدة في الفلاحة، وهذا بفضل الطاقة المتنوعة والمياه الوفيرة التي تملكها، مما يساعد على تحقيق تنمية زراعية مزدهرة.