طباعة هذه الصفحة

الخبـير في الاقتصاديات الحكومية.. فارس هباش لــ “الشعب”:

قطاع المناجـم..دعمٌ جديـدٌ للصـادرات خــارج المحـروقـات

فايزة بلعريبي

جذب الاستثمارات وتسهيل الإجراءات وتقليص البيروقراطية

انفتاح على الشراكات وتكريس لمبدأ الرقابة والمساءلة

غــــارا جبيـلات..  رقـم فارق في خارطـة التعدين العالمية

  صدرت في العدد 52 من الجريدة الرّسمية أحكام القانون رقم 25-12 المتعلق بالنشاطات المنجمية، بعد توقيعه من طرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في 3 أوت الجاري، ليشكّل محطة تشريعية جديدة ضمن مسار الإصلاحات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها الجزائر. ويهدف هذا النص القانوني إلى تعزيز جاذبية قطاع المناجم، وتحسين مناخ الاستثمار به، من خلال حزمة من التدابير التحفيزية والإجراءات العملية التي تجمع بين الشفافية، الانفتاح على الاقتصاد العالمي، والاستدامة.

 القانون الجديد جاء ثمرة مسار تشاور واسع استمر لأكثر من ثلاث سنوات مع مختلف الفاعلين في القطاع، حيث صادق عليه نواب المجلس الشعبي الوطني في 16 جوان الماضي، ثمّ حظي بموافقة مجلس الأمة في 8 جويلية، ويُنتظر أن يشكّل هذا الإطار التشريعي دافعا قويا لتنويع مصادر الدخل الوطني خارج قطاع المحروقات، وخلق مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة، إلى جانب تشجيع المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة على الاستثمار في الصناعات المنجمية.          
ويُعد هذا المولود التشريعي امتدادًا لحزمة من الإصلاحات التي شملت قوانين الاستثمار، الصفقات العمومية، المحروقات، والنظام النقدي والمصرفي بصيغته الرّقمية. غير أنّ قانون المناجم يأتي بخصوصية تتعلّق بدور القطاع في دعم السيادة الاقتصادية ومعالجة التحديات البيئية والإدارية، وتوفير بنية تحتية متطورة، بما يجعل النشاط المنجمي أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد الوطني في المستقبل.
وفي سياق الرّهانات الاستراتيجية، يكتسب القانون أهمية خاصة مع دخول مشروع غارا جبيلات، أحد أكبر مناجم الحديد في العالم، حيّز الاستغلال الفعلي. هذا المشروع الضخم، الذي وصفه رئيس الجمهورية بأنه «وفاء لوعد قطعناه»، وأضاف بنبرة فيها كثير من الارتياح: «آن للزعيم الراحل هواري بومدين أن يرتاح في قبره.. غارا جبيلات اليوم أصبح حقيقة»، وصار رقمًا فارقًا في خارطة التعدين العالمية، وأثّر على توازنات كبريات البورصات الدولية.
من جهته، أكّد الخبير في الاقتصاديات الحكومية، البروفيسور فارس هباش، في اتصال مع «الشّعب»، أنّ صدور قانون المناجم الجديد، يشكّل إعلانا رسميا عن بداية عهد استثماري منجمي جديد بالجزائر لتثمين مقدراتها من المعادن، التي تتصدّر الترتيب العالمي من حيث حجم الاحتياطي، خاصة وأنّ هذا الأخير كان حبيس مجموعة من التحديات، ولعقود طويلة، أعاقت تطوره وأدخلته في خانة النشاط «المهمّش».
وعلى الرغم من أنّ الجزائر تمتلك ثروات معدنية ضخمة، بما في ذلك الفوسفات، الحديد، الذهب، والزنك، أردف هباش، إلّا أنّ هذه الموارد لم تكن تُستغل بالشكل الأمثل، حيث كانت عمليات التنقيب والاستخراج تمر عبر سلسلة من الإجراءات المعقدة، وقد كانت المبالغ المستثمرة في القطاع أقل ممّا كان ينبغي، بالنظر إلى الإمكانات الهائلة المتاحة.
بالمقابل، واجهت الجزائر تحديات هيكلية على مستوى التنويع الاقتصادي، لاعتمادها بشكل كبير على عائدات المحروقات من النفط والغاز، ممّا أدى إلى تعرّض اقتصادها لمخاطر كبيرة جرّاء التوترات الجيو-استراتيجية وما رافقها من عدم استقرار في الأسواق العالمية وتقلّبات في أسعار النفط العالمية.
لذلك، كان من الضروري، حسب المتحدث، إيجاد حلول بديلة لتنويع الاقتصاد الجزائري وتعزيز السيادة الاقتصادية، من خلال تدابير تحفيزية مثل تسهيل الإجراءات الإدارية، وتقديم تسهيلات ضريبية وجمركية، مشدّدا بالمناسبة، أنّ جميع الإصلاحات التي شملت المنظومة التشريعية في بلادنا، كان هدفها الأسمى جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية وتسهيل إجراءات التراخيص وتقليص البيروقراطية، وبصدور قانون المناجم الجديد، سيتمكّن القطاع من استقطاب الشركات المتخصّصة في مجال التعدين، ممّا يساهم في رفع الإنتاجية وتطوير البنية التحتية لهذا الأخير.

تدارك اختلالات الماضي..

 وفي تفصيل لمختلف محاور القانون الجديد للمناجم، ركّز فارس هباش، على أحد النقاط المحورية التي تضمّنها القانون، تتمثل في ضمان الشفافية في قطاع المناجم، وهي الرّكيزة وكلمة السر التي شدّد عليها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، منذ استلامه قيادة البلاد ومباشرته في مسار الإصلاحات التي نجني ثمارها اليوم، فالتشريعات السابقة، استطرد هباش، كانت تفتقر إلى وضوح بعض الجوانب المتعلقة بالمعايير البيئية والعمالية، وهو ما كان يشجّع على ممارسات غير قانونية في بعض الأحيان. إلا أنه ومن خلال نشر تقارير دورية وشاملة عن النشاطات المنجمية وفرض رقابة على العمليات المنجزة، حسب ما تضمّنه القانون الجديد، يتوقّع الخبير أن تتعزّز ثقة المستثمرين، ويكتسب القطاع مصداقية أوسع. من جهة أخرى سيوفر ذات القانون تحفيزات خاصة للمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة للانخراط في هذا المجال.
فمثل هذه الإجراءات، التي يعتبرها هباش، مهمة جدا في تحفيز النمو الاقتصادي المحلي، ستمكّن من توفير فرص العمل، خاصة وأنّ الخارطة المنجمية توضّح أنّ مكامن المعادن ومواقع المناجم متمركزة بشكل ملحوظ في المناطق التي تفتقر إلى التنمية.

بعد سوسيولوجي وفرص تنموية أوفر

 وفي ظل توجّه الجزائر نحو تنويع مصادر دخلها الوطني بعيدا عن عائدات المحروقات. يأتي قانون المناجم الجديد ليمثل أحد الأدوات الإستراتيجية لهذا التنويع. فمع الاستغلال الأمثل للثروات المعدنية، ستتمكّن من تحقيق مصدر مستقر ومتجدّد للإيرادات، حسب توقّعات ذات المتحدث، بعيدا عن تقلبات أسعار النفط العالمية ومخاطرها على الاقتصاد الوطني، ممّا سيرفع من مرونة الاقتصاد في مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية.
ولعل إحدى الفوائد الأساسية التي يقدمها ذات القانون هي خلق فرص عمل جديدة مباشرة في قطاع التعدين، فضلا عن المناصب غير المباشرة المرتبطة بالصناعات الموازية مثل الصناعات التحويلية، والخدمات اللوجستية، والبحث العلمي والتكنولوجي.
في الوقت ذاته، ستكون هناك فرص لتحسين المهارات المحلية من خلال برامج تدريب وتطوير تواكب متطلّبات القطاع، حيث تضمّن القانون التركيز على برامج التدريب الفني والمهني، خصوصا في المناطق النائية التي تحتوي على موارد منجمية هامة. فتكوين الكفاءات المحلية شرط أساسي لضمان استدامة القطاع، وفي ذلك استدلّ هباش، بالتجارب الدولية التي تشير إلى أنّ قطاع التعدين هو من القطاعات التي تساهم بشكل كبير في تطوير البنية التحتية في الدول، ممّا يؤكّد أنّ الجزائر ستستفيد من استثمارات ضخمة في تحسين الطرق، والموانئ، والسكك الحديدية، والطاقة، وهو ما يساهم في تحسين البيئة العامة لمناخ الاستثمار في البلاد.

التـزام بالمعايــير البيئيــة..

 ومن ضمن التحديات المطروحة، التأثير السلبي للنشاط المنجمي على البيئة إذا لم تتمّ مزاولته بشكل صارم وحذر، وهي الجزئية التي تداركها القانون الجديد، حيث خصّص حيّزا مهما لحماية البيئة في جميع مراحل النشاطات المنجمية، من خلال رقابة فعّالة على معايير العمل البيئي واستخدام التقنيات الحديثة التي تقلّل من الأضرار البيئية.
ويعتبر هباش التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، وأنظمة الطائرات المسيّرة أو الدرون، والأنظمة الميكانيكية الحديثة، من المعايير الأساسية لتحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف في قطاع المناجم. الجزائر بحاجة إلى تكثيف الاستثمارات في هذه التقنيات لتحسين كفاءة عمليات التنقيب والاستخراج، مع ضمان الإلتزام بالمعايير البيئية.
إنّ قطاع المناجم، يستطرد محدّثنا، هو مجال يمكن أن يشهد شراكات استراتيجية مع شركات دولية متخصّصة في التنقيب والتعدين، وهو ما أقدمت عليه الجزائر بالفعل، ولذا جاء هذا القانون لتطوير بيئة تشريعية وقانونية تشجّع على هذه الشراكات، التي ستوفر الخبرات التكنولوجية والتمويلية اللازمة الكفيلة بضمان استدامة النشاط المنجمي، في ظل تبني السلطات العمومية لسياسات تراعي الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئة، ما يرشّح الجزائر لتبوء الصدارة في مجال التعدين المستدام إقليميّا وحتى عالميّا.

مشـروع القـرن

 وأشار الخبير الاقتصادي إلى غارا جبيلات كواحد من أكبر احتياطيات الحديد في الجزائر، وثروة معدنية هائلة يمكن أن تُسهم بشكل كبير في تنمية الاقتصاد الوطني. يقع الموقع في منطقة تندوف بالقرب من الحدود الغربية للبلاد، ويحتوي على احتياطيات ضخمة تصل إلى نحو 1,7 مليار طن من خام الحديد. يعد هذا الرقم من أكبر احتياطيات الحديد غير المستغلة في العالم، ما يعزّز من أهمية غارا جبيلات كمورد استراتيجي.
ويدعو إلى الاستفادة منها في ظل الحاجة الماسة إلى تنويع مصادر دخل الاقتصاد الوطني بعيدا عن النفط والغاز. في هذا السياق، يشكّل استغلال غارا جبيلات فرصة هامة لتعزيز التنوع الاقتصادي الذي عكفت الجزائر على تطويره في الخمس سنوات الماضية، وبدأ يعطي ثماره على أرض الواقع، وبالتالي فإذا تمّ استثمار هذه الثروة المعدنية بشكل جيّد، يؤكّد هباش، فإنها ستساهم في خلق مصدر مستدام للإيرادات، فضلا عن تعزيز الصناعة التحويلية مثل صناعة الصلب والحديد التي يمكن أن تشهد نموا كبيرا في الجزائر. كما يمكن أن يكون لهذا القطاع دور كبير في دعم الاقتصاد الوطني، إذ يعد من القطاعات التي تخلق العديد من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وبالتالي يساهم في تقليل معدلات البطالة.
ومن أجل استغلال غارا جبيلات بشكل فعّال، يرى هباش أنه من الضروري جذب الشركات العالمية المتخصّصة في التعدين. وهو الأمر الذي أصبح أكثر قابلية للتحقيق بعد صدور قانون المناجم الجديد في الجزائر، الذي يهدف إلى تشجيع الاستثمارات في قطاع التعدين بشكل عام، من خلال إدراج العديد من التحفيزات التي تشجّع الشركات العالمية الرائدة في مجال التعدين على الاستثمار، مثل إعفاءات ضريبية وجمركية وتسهيلات في إجراءات التراخيص.
وقد يساعد هذا التشريع في تسريع الإجراءات الإدارية التي كانت تمثل عائقا في السابق، ممّا يفتح المجال أمام الشركات العالمية للتدخّل في استغلال الثروات المعدنية، لا سيما في غارا جبيلات.
بالنسبة للأثر الاقتصادي المباشر، يوفر هذا الأخير فرصا كبيرة لتطوير البنية التحتية في الجزائر، حيث سيتطلب المشروع استثمارات ضخمة في مجالات النقل والطاقة، بما في ذلك بناء وتطوير الطرق والسكك الحديدية التي ستسهّل الوصول إلى الموقع المنجمي، وبالتالي تحسين البنية التحتية بالجنوب الغربي بشكل عام، والرفع من قدرة الجزائر على استقطاب المزيد من الاستثمارات في قطاعات أخرى.

شفافيـة ومساءلـــة

 وأضاف هباش، متوسّعا في محاور القانون الجديد، الذي حرص على تعزيز الشفافية في القطاع المنجمي، وهو عامل حاسم لجذب المستثمرين، فالشركات العالمية بحاجة إلى بيئة قانونية واضحة تضمن حقوقهم وتساعد في تنفيذ المشاريع دون عراقيل بيروقراطية.
وفي هذا السياق، يمكن أن تساهم الشراكات بين الشركات الجزائرية والعالمية في نقل الخبرات والتكنولوجيا الحديثة، ممّا يضمن استدامة الاستثمارات.
إضافة إلى ذلك، فإنّ ضمان الإستدامة المالية والاستقرار السياسي والاقتصادي يعتبر من الشروط الأساسية لجذب الشركات العالمية. خاصة وأنّ الشركاء الأجانب يتطلّعون إلى بيئة آمنة ومستقرّة، وهو ما يتطلب تعزيز الثقة في الاقتصاد الجزائري على المدى الطويل، وهذا ما تحقّق على أرض الواقع بشهادة كبريات المؤسّسات المالية والنقدية الدولية. حيث شهد القطاع المنجمي، تحديدا، في الجزائر تحولا كبيرا في السنوات الأخيرة، ليصبح اليوم من المحاور الأساسية في استراتيجية التنوع الاقتصادي التي تسعى الجزائر لتحقيقها، بعد طول معاناة من جملة من التحديات التي حدّت من استغلال إمكاناته، أبرزها البيروقراطية المعقدة والإجراءات الإدارية الطويلة التي كانت تثقل كاهل المستثمرين المحليّين والدوليّين. إضافة إلى ذلك، الغموض الذي كان يشوب العمليات المنجمية.
ومع صدور قانون المناجم الجديد، استطرد هباش بكل ثقة، سيشهد القطاع تحولا إيجابيا ملموسا. فقد تمّ تبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بالحصول على تراخيص التعدين، ممّا سيسهّل عملية استقطاب الاستثمارات. كما شمل القانون العديد من الحوافز الضريبية والإعفاءات الجمركية التي تهدف إلى جذب الشركات العالمية والمحلية للاستثمار في هذا القطاع الحيوي. إصلاحات سوف تُسهم بكل تأكيد وبشكل كبير في توفير بيئة عمل أكثر شفافية ومصداقية، وهو ما يعزّز من قدرة الجزائر على جذب الشركات المتخصّصة في التعدين. كما أنّ الرقابة المحسّنة على الأنشطة المنجمية، بما في ذلك التزام الشركات بالمعايير البيئية، يعكس التزام الجزائر بالحفاظ على الشفافية والمساءلة التي أقرّها رئيس الجمهورية وجعل منها مبدأ لا يستثنى من الخضوع لتدابيره الصارمة أي مسؤول أو أي قطاع.

قطــار التعديــن على السكــة

 أمّا فيما يتعلّق بالاقتصاد الوطني، ختم هباش، فإنّ هذا التحول يمثل استمرارية فعلية لتقليص الاعتماد على النفط والغاز، والتوجّه نحو تنويع مصادر الإيرادات، أين سيصبح القطاع المنجمي أحد المصادر الرئيسة التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني.
كما أنّ الاستثمارات في التعدين تُسهم أيضا في تحفيز الصناعات التحويلية مثل صناعة الحديد والصلب، ممّا يعزّز قدرة الجزائر على تصدير المنتجات المعدنية إلى الأسواق العالمية. فالقطاع المنجمي في الجزائر لا يقتصر على خلق الثروة فقط، بل يساهم أيضا في تحسين البنية التحتية في المناطق التي تحتوي على احتياطيات كبيرة من المعادن.
فمشاريع التعدين الكبرى مثل تلك المتعلقة بغارا جبيلات، تتطلّب استثمارات ضخمة في مجالات الطرق والسكك الحديدية والطاقة، وهو ما سيساهم في تعزيز قدرة الجزائر على استقطاب المزيد من الاستثمارات في القطاعات الأخرى والتقليل من معدلات البطالة، خاصة في المناطق النائية مثل تندوف.
وخلص هباش القول، إنّ الجزائر اليوم على أعتاب تحول كبير في القطاع المنجمي، الذي أصبح يشكّل جزءا أساسيا من استراتيجية تنويع الاقتصاد الوطني. فمع الإصلاحات القانونية والتشجيع على الاستثمار، سيصبح هذا القطاع أكثر جذبا للاستثمارات المحلية والعالمية، ستمكّن الجزائر من تثمين مواردها الطبيعية، وتتموقع كمركز رائد في صناعة التعدين على مستوى المنطقة.