طباعة هذه الصفحة

الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني لـ”الشعب”

اقتحـام الأسواق الخارجيـة..ثمار إرادة سياسيــة

فايزة بلعريبي

إيـــاتيـاف 2025”...محطـة فارقـة نحـــو تجسيـد الأهــداف القاريـــة

بلغ متوسط قيمة الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات، خلال السنوات الخمس الأخيرة، نحو 5 مليار دولار، مع تسجيل أعلى مستوى في سنة 2022 ببلوغ 7 مليار دولار، بينما حددت السلطات الاقتصادية هدف الوصول إلى 30 مليار دولار بنهاية العهدة الثانية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. وقد أقر الرئيس استراتيجية تسويقية لاقتحام الأسواق الدولية، ترتكز على شراكات ثنائية ومتعددة عبر آليات واتفاقيات حرصت الجزائر على تفعيلها، مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية ومنطقة التجارة العربية، بما يسمح بتوسيع حصة المنتوج الجزائري في الأسواق الإفريقية والعربية.

أكد الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني في تصريح لـ«الشعب”، أن المقاربة الجديدة التي تبناها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لتنويع الاقتصاد الوطني وفك ارتباطه بالمحروقات، مكنت من تغيير المعادلة.
فقد اعتمدت هذه المقاربة على جملة إجراءات لدعم المصدرين والمتعاملين الاقتصاديين، إضافة إلى استحداث المجلس الأعلى للتصدير والاستيراد وهيئتين متخصصتين في الاستيراد والتصدير، ما يعكس الإرادة السياسية لمرافقة المتعاملين. وأوضح أن هذه الأطر الجديدة سيكون لها دور فعّال في تأطير عمليات التصدير والاستيراد، ضمن استراتيجية تهدف إلى إعادة تنظيم الواردات وتحفيز الصادرات.
واعتبر سليماني أن تحقيق 7 مليار دولار من الصادرات في 2024 يعد سابقة تاريخية، خاصة مع تراجع فاتورة الاستيراد من 60 مليار دولار قبل 2020 إلى 40 مليار دولار خلال أقل من أربع سنوات، وهو ما يمثل تحوّلاً من موقع المستورد إلى موقع المصدّر.

متغيرات تنظيمية تدعم الصادرات

وأضاف سليماني أن التسهيلات والامتيازات الجبائية والجمركية، إلى جانب آليات دعم الصندوق لترقية الصادرات، تمثل فرصة هامة أمام المتعاملين الاقتصاديين لتعزيز قدراتهم الإنتاجية والتوجه بقوة نحو الأسواق الخارجية، شرط ضمان الوفرة والجودة وتلبية احتياجات السوق المحلية. كما شدد على أهمية احترام آجال الشحن والتسليم حفاظاً على صورة الجزائر كشريك موثوق. وأبرز أن مواصلة الاجتهاد تبقى السبيل لبلوغ الاستقلال الاقتصادي الكامل، وبناء اقتصاد وطني تنافسي قادر على اقتحام الأسواق العالمية وفتح آفاق جديدة للنمو والنجاح.

الدبلوماسية الاقتصادية..رافعة أساسية

وفي السياق ذاته، أوضح الخبير أن الصادرات خارج المحروقات تمثل عنصراً محورياً في تعزيز الاقتصاد الوطني، ما يتطلب تكاملاً بين مختلف الفاعلين وفي مقدمتهم المصدرون، لتجسيد رؤية رئيس الجمهورية الرامية إلى رفع قيمة الصادرات خارج المحروقات إلى 15 مليار دولار في أفق 2027، وبلوغ 30 مليار دولار مع نهاية العهدة الثانية.
وبشأن إمكانية تحقيق هذه الأهداف، أشار سليماني إلى وتيرة الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، المحلية منها والأجنبية، التي بلغت 14 ألف مشروع وفق إحصائيات الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار.
كما أكد أن الشراكات الاستراتيجية التي عقدتها الجزائر بفضل دبلوماسيتها الاقتصادية النشطة، في مجالات الصناعة والفلاحة والسياحة، ستدعم القدرة الإنتاجية الموجهة للتصدير. واعتبر أن تحقيق نسبة تتراوح بين 80 و85 بالمائة من الأهداف الاستثمارية يعد إنجازاً بارزاً تحقق بفضل النزاهة والروح الوطنية لرجال الأعمال الجزائريين.

نحو الانفتاح على العمق الإفريقي

ويتوقع سليماني أن تتعزز الصادرات الجزائرية عقب الاتفاقيات المرتقب توقيعها خلال معرض التجارة البينية الإفريقية “إياتياف 2025”، المقرر بالجزائر العاصمة مطلع سبتمبر المقبل، حيث تراهن الجزائر على رفع حجم مبادلاتها مع الدول الإفريقية في إطار منطقة التجارة الحرة القارية.
وأشار إلى أن الجزائر أعدت لهذا الغرض أطرها القانونية عبر قوانين الاستثمار والصفقات العمومية والنقد والصرف، في إطار الإصلاحات الاقتصادية الجارية. كما أوضح أن التجارة البينية الإفريقية لا تتعدى 14 بالمائة، أي ما قيمته 240 مليار دولار، وهي نسبة تسعى القارة إلى رفعها عبر تفعيل مجالس الأعمال وتعزيز التواصل بين المتعاملين الاقتصاديين.
وختم سليماني بالتأكيد على أنّ الجزائر تراهن على دبلوماسية اقتصادية نشطة وطموحة، تسعى من خلالها إلى جعل السوق الإفريقية المشتركة منصة رئيسية لتسويق المنتوج الجزائري، عبر سلسلة من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف التي تمكّن من تذليل العقبات وتوسيع شبكة التوزيع نحو مختلف العواصم الإفريقية.
ويرى المتحدث أنّ سوقاً تضم أكثر من 1.4 مليار نسمة تمثل فرصة تاريخية للجزائر من أجل مضاعفة صادراتها، خاصة في ظل التوجه القاري نحو بناء تكتل اقتصادي إفريقي قوي وقادر على منافسة الكيانات الاقتصادية الكبرى.
وفي السياق ذاته، أشار إلى أنّ منطقة التجارة العربية الحرة تمثل بدورها فضاءً استراتيجياً واعداً للصادرات الجزائرية، نظراً للقرب الجغرافي والتقارب الثقافي واللغوي الذي يسهّل عمليات التبادل التجاري ويعزّز فرص الشراكة المتوازنة.
وشدّد سليماني على أنّ السلطات الجزائرية تولي عناية بالغة لمطابقة المنتوج الوطني لمعايير الجودة والمواصفات العالمية، حتى يتمكن من فرض نفسه بقوة في هذه الأسواق، مؤكداً أنّ الرهان لا يقتصر فقط على رفع حجم الصادرات، بل يتعداه إلى لعب دور محوري في صياغة مستقبل التجارة العربية والإفريقية المشتركة.