دور هــام للتجـارة البينيـة في تسريــع مسـارات النمـو
تواصل مسار التطور بفضـل ديناميكية القطـاع والتسهيــلات
اعتبر الخبير وأستاذ العلوم الاقتصادية البروفسور فارس مسدور، أنّ آلة الصادرات أصبحت رافعة جوهرية للاقتصاد الوطني، ورشّحها لتزداد قوة خلال السنتين المقبلتين بعد أن أثبتت متانة أدائها منذ 2019، مسجلة طفرة نوعية في 2023. كما توقّع أن تحافظ على مرونتها بفضل الإصلاحات الجوهرية التي مست قطاعات مالية وتشريعية وإنتاجية.
أكد أنّ الجزائر مطالبة بالتحول إلى قطب استثماري عالمي تتدفق إليه رؤوس الأموال الأجنبية من مختلف أنحاء العالم، وفي مقدمتها الدول الصديقة. وأوضح أنّ التعجيل بإنشاء المناطق الحرة وتنظيم الفعاليات الاقتصادية الكبرى، مثل معرض التجارة البينية الإفريقية، سيُسهم في الارتقاء بالاقتصاد الوطني إلى مكانة مرموقة.وقدّم الخبير مسدور تشريحاً مفصلاً لخارطة الصادرات الوطنية خارج قطاع المحروقات، مبرزاً أنها ناشئة وحيوية وتبشّر بالكثير على المديين القصير والمتوسط. وأوضح أن نمو الصادرات بين 2019 و2023 تميز بطفرة مهمة، غير أنّها ما تزال بحاجة إلى مزيد من الصلابة والنمو حتى تعكس إمكانات الاقتصاد الجزائري المتسارع في خلق الثروة خارج المحروقات. واعتبر أن القوة التصديرية للجزائر ضخمة، متوقعاً أن يستمر مسار التطور بفضل ديناميكية القطاع وتسهيلات واسعة للمصدرين الجزائريين، إلى جانب الامتيازات الجبائية وشبه الجبائية ومنظومة إدارية أكثر مرونة.
تمديد التجارب الناجحة
ورأى الخبير أنّ تعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون للدفع بآلة التصدير نحو مستويات أعلى، تستوجب مرافقة خاصة للمصدرين المحليين بمختلف تخصصاتهم. واقترح في هذا السياق استحداث جهاز متخصص في التصدير، معتبراً أنّ المنتج لا يكون بالضرورة هو المصدر، وأنه من المهم فتح المجال أمام شركات متخصصة لتسويق المنتوج الوطني في الخارج. وأكد أن ذلك سيعزز ما وصفه بالقفزة النوعية في مسار التصدير خارج المحروقات خلال الفترة ما بين 2020 و2023.
وأشار مسدور إلى أهمية تمديد التجارب الناجحة ومواصلة القضاء على العراقيل، إضافة إلى توفير المواد الأولية للمنتجين، بما يسمح للمتعاملين الاقتصاديين باقتحام الأسواق الإفريقية والتموقع فيها بمنتجات متنوعة، سواء فلاحية أو صناعات استخراجية ومواد بناء. وأوضح أنّ الاستثمار الأجنبي بالجزائر ساهم في تعزيز الصادرات، مستشهداً بقطاعات الحديد والإسمنت ومختلف مشتقاتهما ومواد السيراميك. كما شدّد على تثمين صناعة السيراميك التي تطورت بعد تغطية الطلب الداخلي وتصدير الفائض إلى الخارج، مؤكداً ضرورة تصدير المواد المنجمية في شكلها النهائي بدل الخام. وأضاف أن عدداً من المتعاملين برزوا في تصدير مواد البناء والحديد والسيراميك عبر شراكات أجنبية، داعياً إلى تكثيف إقامة شراكات قائمة على مبدأ المكسب المتبادل مع الدول الصديقة في بيئة أعمال محفزة.
ومن جانب آخر، أبرز الخبير الدور المحوري المنتظر للقطاع الفلاحي، مؤكداً أنه مرشح للتطور بأحجام كبيرة مستقبلاً، لاسيما في الزراعات الواسعة، وإنتاج الزيتون وزيت الزيتون والتمور، حيث تمتلك الجزائر قدرات كبيرة على ترقية هذه المنتجات وتسويق مشتقاتها بأسعار تنافسية أعلى في الأسواق الخارجية.
رسم ملامح بداية الطريق
وأوضح مسدور أنّ الصادرات القوية شكّلت محركاً أساسياً للروافد الاقتصادية، وأن هذا الزخم الذي برز منذ 2019 واشتد في 2023، يعكس مؤشرات إيجابية تؤكد تسارع مسار التنمية. وأكد أنّ الوقت قد حان لتأسيس مناطق حرة وصناعية وتجارية، إضافة إلى مناطق خاصة بالخدمات، داعياً إلى تسريع وتيرة إنشائها لما لها من أثر كبير على الاقتصاد الوطني.كما راهن على تعزيز التجارة البينية الجزائرية مع الدول العربية والإفريقية، معتبراً ذلك بداية طريق لبروز الجزائر كقوة اقتصادية إقليمية وقارية، خاصة مع التعريف بقدراتها الاستثمارية الكبرى باعتبارها أكبر بلد إفريقي من حيث المساحة والإمكانات. واعتبر أنّ استحداث فعاليات ومنتديات اقتصادية كبرى يتيح للمتعاملين الجزائريين الاحتكاك بنظرائهم من العرب والأفارقة والآسيويين، بما يفتح آفاقاً أوسع للشراكات. وأكد أن الجزائر اليوم منفتحة بشكل متزايد على الاستثمارات العربية والإفريقية والآسيوية، داعياً إلى العمل الجاد على مختلف الأصعدة لتصبح الجزائر قطباً استثمارياً عالمياً تتدفق إليه رؤوس الأموال الأجنبية، خاصة من الدول الشقيقة والصديقة.وفي السياق ذاته، دعا الخبير إلى تنظيم منتدى عالمي للاقتصاد البيني يجمع الجزائر بإفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بهدف توسيع دائرة الاهتمام الدولي بإمكانات الجزائر الاستثمارية، بما يؤهلها للتحول إلى رقم اقتصادي عالمي قادر على تحقيق نتائج إيجابية ملموسة.وأضاف مسدور أنّ من الخطوات الضرورية لتعزيز الصادرات فتح المجال واسعاً أمام الاستثمارات الأجنبية عبر الشراكات، وتطوير المنظومة المصرفية بما يتماشى مع تطور السوق المالية العالمية، إلى جانب التأسيس لمنظومة جبائية محفزة للمتعاملين المحليين والأجانب. كما شدّد على أهمية تعميم التعاملات الإلكترونية من خلال الحكومة الرقمية وتعميق الحرية الاقتصادية، بما يتلاءم مع عالم ديناميكي سريع لا يقبل العراقيل.كما دعا إلى التسريع بإنشاء المناطق الحرة بأنواعها المختلفة، سواء على الحدود البرية أو البحرية، باعتبارها أولوية ملحة، مؤكداً أن تحرير سوق الصرف يمثل مفتاحاً أساسياً لترقية الصادرات وتطويرها، مع ضرورة القضاء على السوق الموازية وتوحيد سعر العملة، ومواصلة الإصلاحات الجادة. وأشار إلى أنّ القنصليات الجزائرية بالخارج مطالبة بمواصلة الترويج لانفتاح الجزائر على الاستثمار والشراكات العالمية. وختم مسدور بالتأكيد على أنّ الجزائر تمتلك جميع الأوراق الرابحة لتحقيق أهدافها الاقتصادية الكبرى، عبر إنتاج كثيف عالي الجودة، ومن خلال تعزيز بوابة التصدير إلى أبعد الأسواق، معتمدة على نجاحها اللافت في اقتحام القارة الإفريقية، خلال السنوات الأخيرة.