طباعة هذه الصفحة

المحلل الاقتصادي عبد النور قاشي لـ “الشعب”:

جودة الإنتاج الوطني..ضمان للحضور في الأسواق العالمية

خالدة بن تركي

دعــم الصناعـات المحلية وتشجيـع الابتكـار والاعتماد على التكنولوجيـا الحديثـة

يُعد تطوير الإنتاج الوطني الركيزة الأساسية لبناء اقتصاد قوي قادر على مواجهة الأزمات والتقلبات التي تشهدها الساحة الاقتصادية العالمية. وفي ظل التحديات الراهنة، تزداد الحاجة إلى تبني رؤية شاملة تقوم على تنويع القطاعات الإنتاجية وتعزيز جودة وتنافسية المنتوج الوطني، بما يسمح له بتحقيق حضور واسع في الأسواق المحلية والدولية.

دعم الصناعات المحلية وتشجيع الابتكار والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة يمثل خطوة بالغة الأهمية لزيادة الإنتاج وتحسين نوعية المنتجات. ويسهم ذلك في تقليص الاعتماد على الاستيراد بشكل ملحوظ، إلى جانب الاستثمار في الموارد البشرية عبر التكوين والتأهيل، وتوفير بيئة محفزة للإنتاج. ومن خلال هذه الجهود، يمكن تعزيز مكانة الاقتصاد الوطني ورفع قدرته التنافسية محلياً وخارجياً.

رفع جودة الإنتاج الوطني

في هذا الإطار، أوضح المحلل الاقتصادي عبد النور قاشي لـ “الشعب”، أن الاقتصاد الوطني شهد في السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً في قطاع الصناعات الوطنية، حيث بدأت نتائجه تظهر بوضوح في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي، مع تقليص فاتورة الاستيراد وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن المحروقات.
وأشار إلى أن من أبرز القطاعات الواعدة التي يمكنها ضمان الاكتفاء الذاتي وتقليل التبعية للاستيراد، قطاعات الزراعة والصناعات الغذائية والطاقة المتجددة والصناعات التحويلية، باعتبارها مجالات قادرة على خلق فرص استثمارية واسعة، واستغلال الموارد المحلية بكفاءة، ما يسمح بتحقيق قيمة مضافة وحماية العملة الوطنية.
ففي المجال الزراعي، عرف القطاع خلال 2024 تقدماً ملحوظاً نحو الاكتفاء الذاتي، حيث ساهم في تغطية أكثر من 75 بالمائة من الحاجات الغذائية للبلاد، وشارك بحوالي 15 بالمائة من الناتج الاقتصادي، فضلاً عن توفيره فرص عمل معتبرة، مما جعله عنصراً محورياً في ضمان الأمن الغذائي وتقوية الاقتصاد الوطني.
وتعمل الجزائر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب عبر خطة تمتد إلى غاية 2025، تستهدف زراعة 1.6 مليون هكتار، أي ما يعادل نصف الأراضي المزروعة في البلاد، من أجل إنتاج 30 مليون قنطار من القمح الصلب، على أن يتم بلوغ الاكتفاء التام في 2027. وتشمل الخطة إنشاء 30 صومعة بطاقة تخزين إجمالية تقدر بـ 30 مليون قنطار، بما يسمح بتوفير نحو 1.2 مليار دولار كانت تُنفق على الاستيراد.
وإلى جانب رفع الإنتاج، تركّز الجزائر على تحسين نوعية القمح الصلب من خلال استخدام بذور محسّنة وطرق زراعة حديثة تعطي حبوبا نقية عالية القيمة الغذائية. كما يتم إخضاع الإنتاج لعمليات فحص دقيقة للتأكد من مطابقته للمعايير العالمية، بما يمهّد لتسويقه خارجياً وتعزيز سمعة المنتوج الوطني كمصدر موثوق.
كما يجري دعم البحث الزراعي لإنتاج أصناف مقاومة للجفاف والأمراض، وتطوير تقنيات الزراعة والحصاد لزيادة الإنتاجية، مع إشراك الفلاحين في برامج تكوين متخصصة ترفع من خبراتهم وتحفزهم على تبني أفضل الممارسات، بما يجعل القمح الصلب منتوجاً وطنياً متميزاً قادراً على المنافسة الدولية.

الصناعة الوطنية المتطورة

أما في مجال البناء وصناعة المواد، فقد تمكنت الجزائر من تقليص فاتورة الاستيراد بشكل كبير، حيث باتت تنتج ما يغطي احتياجات السوق المحلية بجودة تضاهي نظيراتها الأوروبية، خاصة في صناعات السيراميك والحديد والإسمنت والمواد التقنية. وقد ساعد هذا التوجه على توفير العملة الصعبة ودعم الاقتصاد الوطني، كما شجع العديد من المصنعين على اقتحام أسواق خارجية جديدة، مما عزز مكانة المنتوج الجزائري في الساحة الدولية.
ويؤكد قاشي أن بلوغ قفزة نوعية في الإنتاج يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الحكومة والقطاع الخاص، خصوصاً في تطوير التكنولوجيا وتحديث أساليب الإنتاج. ويشمل ذلك الاستثمار في البحث العلمي واعتماد تقنيات حديثة ترفع من جودة المنتجات وتمنحها قدرة أكبر على المنافسة في الأسواق العالمية.
كما شدّد على أهمية تحسين بيئة الاستثمار من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية وتطوير البنية التحتية، إذ يُعتبر ذلك عاملاً أساسياً لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، وفتح المجال أمام شراكات استراتيجية مع مؤسسات دولية، بما يساهم في نقل الخبرات والتكنولوجيا وخلق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد.
وأشار إلى أن الاهتمام بتكوين الكفاءات المحلية يساعد في تحسين جودة الإنتاج وزيادة كمياته، حيث يتيح للعاملين استخدام التقنيات الجديدة بكفاءة أكبر. كما أن تشجيع الابتكار وفتح المجال للأفكار الجديدة يسهم في تنويع المنتجات الوطنية ورفع قدرتها على المنافسة داخلياً وخارجياً.
وفي السياق ذاته، شدد قاشي على أن تحسين البنية التحتية للنقل واللوجستيك وتطوير الموانئ والمناطق الصناعية يشكل ركيزة لرفع الإنتاجية. وأكد أن الاستثمار في التكوين المهني وتحديث مناهجه بما يواكب احتياجات السوق، سيوفر يداً عاملة مؤهلة تسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
وقال المتحدث إن الطريق ما يزال طويلاً نحو بناء منظومة صناعية متكاملة، غير أنّ تكامل الزراعة مع الصناعة يمثل فرصة حقيقية لتقليص التبعية للعوامل الخارجية، ودفع مسار التنويع الاقتصادي، والمساهمة في استقرار الأسعار. كما يتيح هذا التكامل خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتوسيع قاعدة الإنتاج لتشمل قطاعات أكثر تنوعاً، بما يعزز قوة الاقتصاد الوطني.

تنافسيــة المنتـوج

ويرى المحلل الاقتصادي أن تحقيق تنافسية عالية للمنتوج الجزائري في الأسواق الإقليمية والدولية، يرتكز على توفير منتجات ذات جودة رفيعة وأسعار مدروسة، مما يجعلها قادرة على جذب المستهلك الأجنبي وتجاوز المنافسين.
وللوصول إلى هذه النتيجة، شدد على ضرورة اعتماد معايير صارمة للجودة تضمن مطابقة المنتوج الوطني للمواصفات الدولية، مع الاستثمار في تحديث طرق الإنتاج وتبني التكنولوجيا الحديثة لرفع الكفاءة وتقليل التكاليف، بما يسمح بتقديم منتج قوي من حيث النوعية والسعر معاً.
وأوضح أن التسويق يمثل عاملاً محورياً في إبراز المنتوج الوطني عالمياً، من خلال اعتماد استراتيجيات ذكية تركز على إظهار ميزاته وخصوصيته، والاستفادة من الاتفاقيات التجارية الثنائية والإقليمية لفتح أسواق جديدة وتوسيع قاعدة الزبائن.
كما أكد على أهمية الترويج المكثف للمنتجات الجزائرية عبر الحملات الإعلامية والمعارض الدولية، مع دعم المصنعين والحرفيين وتسهيل الشراكات مع مؤسسات أجنبية لنقل الخبرة، بما يعزز ثقة المستهلك بالمنتوج الوطني ويدفعه لاقتنائه محلياً وخارجياً.
وختم عبد النور قاشي بالقول إن تطوير الإنتاج الوطني لم يعد خياراً إضافياً، بل أصبح ضرورة حتمية لضمان السيادة الاقتصادية. فبفضل منتوج قوي ومنافس، تستطيع الجزائر أن تتحول إلى فاعل اقتصادي مؤثر في المنطقة والعالم، وتدعم حضورها في الأسواق الخارجية، بما ينعكس إيجاباً على النمو الاقتصادي. وعليه، فإن الطريق نحو اقتصاد قوي ومستدام يمر حتماً عبر تحسين الجودة وتشجيع الابتكار وتوظيف التكنولوجيا واستغلال الموارد المحلية بشكل أمثل، بما يجعل المنتوج الوطني قادراً على المنافسة في الأسواق العالمية.