شراكات مع أوروبا لتطوير الطاقات المتجدّدة والهيدروجين الأخضر
يشكل الانتقال الطاقوي خيارا ضروريا لمواجهة التحديات البيئية وضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة، وفي هذا السياق، تبرز الجزائر كبلد يملك إمكانات طبيعية كبيرة، خاصة في مجال الطاقة الشمسية، ما يمنحها فرصة لتكون فاعلا مهما في سوق الطاقة النظيفة، وهو دور لا يقتصر على تلبية الحاجة الوطنية وحسب، بل يمتد أيضا إلى أوروبا التي تبحث عن بدائل آمنة وموثوقة للطاقة، ما يجعل من الجزائر شريكا استراتيجيا قادرا على الإسهام بفعالية في بناء مستقبل طاقوي مستدام.
قال رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسسات، يوسف ميلي، في تصريح لــ«الشعب” إن الجزائر لاعب أساسي في مسار الانتقال الطاقوي، بفضل ما تملكه من مقومات طبيعية هامة، خاصة في مجال الطاقة الشمسية، حيث تصنف بين الدول القليلة التي تتمتع بقدرات جغرافية متميزة تجعلها محط رهان عالمي في هذا المجال.
وأضاف محدثنا أن هذا الملف يكتسي أهمية أكبر في إطار الحوار الاستراتيجي الجزائري-الأوروبي، حيث يشكل فرصة حقيقية لأوروبا التي تعد من أبرز المستهلكين للطاقة في العالم، لاسيما بعد التداعيات التي خلفتها الحرب الروسية-الأوكرانية على أسواق الطاقة الدولية، وفي هذا السياق، تبرز الجزائر كشريك موثوق قادر على تلبية جزء مهم من احتياجات أوروبا الطاقوية، ليس فقط عبر الغاز الطبيعي، بل أيضا من خلال مشاريع الطاقات المتجددة التي يمكن أن تفتح آفاقا واسعة للتعاون ونقل التكنولوجيا والاستثمارات المشتركة.
وأردف قائلا: “نحن نمتلك إمكانات طبيعية هائلة، في حين تمتلك أوروبا قدرات تقنية ومالية متقدمة، وهذا ما يجعل من الممكن بناء شراكة حقيقية ومفيدة للطرفين، ولشعوب المنطقة ككل، فالتكامل بين الموارد الطبيعية في الجزائر والخبرة الأوروبية في التكنولوجيا والتمويل، يفتح المجال أمام مشاريع استراتيجية مشتركة في مجال الطاقات المتجددة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية”.
هذا الاستثمار - يضيف المتحدث - لا يقتصر على تنويع مصادر الطاقة فقط، بل يساهم في حماية البيئة ودعم التنمية الاقتصادية المستدامة للأجيال المقبلة، وأوضح أن هناك خطة مرجعية تهدف إلى توسيع استخدام الطاقات المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة، مع العمل على مواجهة التحديات لرفع الأهداف وجذب المزيد من الاستثمارات.وبالإضافة إلى ذلك، يشمل الاستثمار خلق فرص عمل جديدة، وتشجيع البحث العلمي والابتكار في هذا المجال، مما يساهم في تطوير خبرات وطنية قادرة على مواكبة التحولات العالمية في مجال الطاقة، وبالتالي تعزيز مكانة الجزائر كفاعل أساسي في تحقيق التنمية المستدامة.وتتضمن الخطط الرسمية للطاقة في الجزائر- حسب المتحدث - أهدافا طموحة لتركيب قدرات جديدة من الطاقات المتجددة، حيث تتراوح التقديرات بين نحو 15 جيغاواط و22 جيغاواط في أفق 2030/2035، وذلك وفقا لاختلاف نسخ التخطيط والتحديثات المتتالية، وتشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة، وجهات دولية أخرى، إلى سقف يقارب 15 جيغاواط، في حين تذهب بعض المصادر الوطنية والتقارير الداخلية إلى أرقام أعلى، وهو ما يعكس تباين الأهداف بين تلبية الطلب المحلي وتعزيز فرص التصدير.
وفي إطار مسار الانتقال الطاقوي، شرعت الجزائر في تطوير مشاريع تجريبية تجمع بين الابتكار التكنولوجي والحفاظ على البيئة، بهدف اختبار حلول عملية يمكن توسيعها مستقبلا، وقد شكلت هذه المبادرات أرضية أساسية لإبراز الإمكانات الوطنية في مجال الطاقات المتجددة، ودمجها مع المصادر التقليدية، ما أتاح إطلاق محطات نموذجية تحمل قيمة مرجعية للتجربة الجزائرية، على غرار محطة حاسي الرمل المتكاملة “اي. اس. سي سي” التي تعدّ مثالا بارزا على المشاريع الهجينة التي تجمع بين الغاز والطاقة الشمسية الحرارية، وتساهم في استبدال جزء من الوقود الأحفوري وتحسين كفاءة الإنتاج، وتصنف هذه المشاريع ضمن تجارب رائدة لإثبات القدرات التكنولوجية والبيئية في مجال الطاقات النظيفة.
وفي إطار البحث عن حلول طاقوية وتعزيز مكانة الجزائر كمزود رئيسي للطاقة النظيفة، برزت مبادرات نوعية في مجال الهيدروجين الأخضر، من خلال شراكات دولية واتفاقيات تعاون مع مؤسسات أجنبية رائدة، هذه الخطوات تعكس توجها استراتيجيا نحو تنويع الصادرات الطاقوية، مع التركيز على بناء مشاريع مستقبلية قادرة على تلبية الطلب الأوروبي المتزايد على الطاقة والمواد الكيميائية منخفضة الكربون.
تشمل هذه المبادرات عدة شراكات واتفاقيات بين شركة سوناطراك وشركاء أجانب وصناعيين، تهدف إلى دراسة وإطلاق مشاريع لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصدير الطاقة والمواد الكيميائية النظيفة نحو أوروبا، مثل المذكرات الموقعة مع شركتي البترول الاسبانية وشركة الطاقة المتجددة الأمريكية، وتعد هذه الخطوات فرصة لفتح أسواق جديدة للطاقة النظيفة، إضافة إلى تحفيز إنشاء بُنى تحتية متجددة واسعة.كما شهدت الجزائر مبادرات لإنشاء مؤسسات جديدة متخصصة في مجال الطاقات المتجددة، من بينها الشركة الوطنية للطاقات المتجددة وفعالية الطاقة التي تضم سوناطراك وسونلغاز، بهدف الإشراف على المناقصات وتنفيذ المشاريع الكبرى في مجال الطاقات النظيفة، ما يعكس توجها نحو تنظيم أفضل وتنسيق الجهود لتطوير هذا القطاع الحيوي.
وأضاف ميلي يقول: تعمل الدولة على دعم الصناعة المحلية من خلال تشجيع تصنيع الألواح الشمسية ومكوناتها مثل البطاريات وتجهيز المحطات، وذلك عبر توفير حوافز وجذب استثمارات جديدة، هذا التوجه يساهم في توطين جزء مهم من سلسلة الإنتاج وخلق فرص عمل للشباب.فيما يخص دور المجتمع المدني في مسار الانتقال الطاقوي، قال محدثنا إنه أساس أي تغيير حقيقي، فزيادة الوعي البيئي لدى المواطنين وتشجيعهم على ترشيد استهلاك الطاقة، يساهم في تقليل الضغط على الموارد التقليدية، كما أن انفتاح المجتمع على استعمال الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية أو الرياح، ودعم المبادرات المحلية، يجعل من عملية الانتقال مشروعا جماعيا بامتياز، وأضاف أن المؤسسات الاقتصادية بدورها تلعب دورا مهما للغاية، فهي مطالبة بالاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة وتطوير حلول جديدة تقلل من التلوث وتحمي البيئة، مع ضرورة إدخال البعد البيئي في خطط الإنتاج والتسيير، فهذا - يقول ميلي - ليس مجرد التزام أخلاقي، بل هو فرصة اقتصادية كبيرة لفتح أسواق جديدة، وتوفير فرص عمل دائمة، ومنح المؤسسات سمعة جيدة محليا ودوليا.
وعليه، يواصل ميلي، عندما يتعاون المجتمع مع المؤسسات الاقتصادية، يصبح الانتقال نحو الطاقة النظيفة أسهل وأكثر نجاحا، فهو يجمع بين وعي المواطنين وجهودهم، ومشاريع واستثمارات المؤسسات، وهو التعاون الذي يساعد على حماية البيئة، ويحقق تنمية يستفيد منها الجميع اليوم، والأجيال القادمة مستقبلا.