طباعة هذه الصفحة

الخبير الدولي في الانتقال الطاقوي بألمانيا محمد غزلي لـ«الشعب»

الانتقـال الطاقـوي يمنح الجزائر الريادة في إفريقيا والمتوسط

فايزة بلعريبي

الهيدروجين الأخضر..ثورة طاقوية للحفاظ على احتياطي الطاقات المتجددة

 تقليــل نسبـة الانبعاثــات الكربونيـة بنسبــة 6 بالمائــة آفـــاق 2050

تحتل الجزائر - في الوقت الراهن - المرتبة العاشرة عالميًا والثانية على مستوى القارة الإفريقية في إنتاج المحروقات، وهو موقع يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع الحيوي، وقد أولت السلطات العمومية اهتمامًا بالغًا بمجال المحروقات والطاقات المتجددة، معتبرة إياه المحور الأساسي في رؤيتها الرامية إلى بناء اقتصاد وطني قوي، متنوع ومتحرر من التبعية، ويكفي للدلالة على ذلك أن المحروقات تمثل ما نسبته 80 بالمائة من صادرات الجزائر نحو مختلف بلدان العالم، وخاصة نحو الأسواق الأوروبية، كما أنها تشكل 60 بالمائة من إيرادات الخزينة العمومية، وتسهم بما يعادل 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ولأن الجزائر تدرك أن الطاقات الأحفورية موارد قابلة للزوال، فقد توجهت نحو الاستثمار في الطاقات المتجددة انسجامًا مع التطور الصناعي العالمي الذي يمنح الأولوية للصناعات الصديقة للبيئة، وبهدف مواجهة تحديات التلوث والتغيرات المناخية، وتملك الجزائر مؤهلات طبيعية تؤهلها لتكون الممون الرئيسي لأوروبا بالكهرباء والهيدروجين الأخضر، بفضل ما تزخر به من مساحات شاسعة، وأيام مشمسة طويلة، وقوة رياح معتبرة، فضلًا عن الإمكانات المائية.
وبعد مرور أكثر من نصف قرن على تأميم المحروقات، تجد الجزائر نفسها مطالبة بخطوة استباقية مدروسة لتحقيق انتقال طاقوي ينسجم مع التحولات الاقتصادية التي غيرت ملامح مصادر الطاقة، وقد أصبح ملف الانتقال الطاقوي في صدارة خارطة الطريق التي رسمها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بخصوص السياسة الطاقوية للبلاد، والتي تتضمن برنامجًا طموحًا يقوم على تثمين مختلف الموارد والعمل على استغلالها بأمثل الطرق.

حل عملي بتقنيات عالية

وفي تصريح لـ»الشعب»، قدم المدير التنفيذي لشركة «قرين فولط باور»(Green Volt Power)، المتخصصة في الطاقات المتجددة بألمانيا، الدكتور محمد غزلي، توضيحات حول تقنية إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يشكل حاليا ثورة طاقوية بديلة نحو الاستدامة، ستستعيد الكرة الأرضية من خلالها أنفاسها النقية، بعد التخلص من الكربون الذي لوث أجواءها بفعل الثورة الصناعية، وشدّد على ضرورة أن تكون الكهرباء المستخدمة في عملية فصل الماء إلى ذرات هيدروجين وأكسجين منتجة من مصادر متجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وقال محدثنا إن نوعية الهيدرجين المنتجة، تُحدد حسب طريقة كسر جزيء الماء المعتمدة، ففي حالة ما إذا كان مصدر الطاقة المستعملة هو الغاز الطبيعي، تحديدا غاز الميثان، فهنا الأمر يتعلق بالهيدروجين الأزرق، أما الهيدروجين الأخضر فهو ناتج عن تكسير جزيء الماء عن طريق الطاقات المتجددة باستعمال التحليل المائي.
وبالنسبة لتكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر، أوضح محمد غزلي أن هذه الأخيرة مرتبطة ارتباطا وثيقا بتكلفة الكهرباء المتجددة وكفاءة عملية التحليل الكهربائي، حيث تتراوح اليوم بين 3 إلى 6 دولار/كغ، إلا أن هذه التكلفة مرشحة للانخفاض إلى 2.5 دولار/كغ بحلول سنة 2030، وقد أرجع المتحدث سبب هذا الانخفاض إلى ارتفاع حجم الإنتاج والرفع من أداء التكنولوجيا العالية، خاصة المتعلقة بتحليل الماء الذي لابد أن يكون بدرجة نقاء عالية جديا، وهذا ما يتطلب تقنيات تكنولوجية عالية. وأضاف أن استخدامات الهيدروجين الأخضر متعددة، حيث يشكل حلا عمليا لمعالجة تحديات البصمة الكربونية التي تميز الأنشطة الصناعية واللوجستية، المنتجة لغاز أكسيد الكربون، الملوث الأساسي للغلاف الجوي، ولتحقيق الحياد الكربوني، أشار الخبير الدولي إلى ضرورة التوجه إلى استعمال الهيدروجين الأخضر كبديل للغاز الطبيعي المستعمل بكثرة في قطاع الصناعة.

إحصائيات مثيرة للمخاوف

بالمقابل، يمثل الهيدروجين الأخضر تحولا جذريا في طريقة استغلال الموارد الطبيعية، والتأسيس لنظام طاقوي نظيف، منسجم مع البيئة، لا كبديل للوقود فحسب، يقول محدثنا، بل خيار استراتيجي لخفض درجات الحرارة في الجو ومواجهة الاحتباس الحراري.
 من جهة أخرى، أرجع الدكتور غزلي أسباب التغيرات المناخية وما نتج عنها من كوارث طبيعية، تتربص بالبشرية والمعمورة على حد سواء، إلى التطور الصناعي التي انتشر بسرعة كبيرة، متمركزا في شمال الكرة الأرضية وغربها، تحديدا بالدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب دول شرق آسيا كالصين وروسيا، ما تسبب في إنتاج كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، العامل الأساسي المتسبب في التلوث البيئي. حيث تم إنتاج- وفق غزلي- 2500 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، منذ عام 1850، بمعدل 16 طن /للفرد بالولايات المتحدة الأمريكية، و8 طن/للفرد بأوروبا، و1.6 طن/الفرد بالصين و2 طن/للفرد بباقي دول العالم.
ومن أجل وضع حد لاستمرار التلوث البيئي - المتسبب الأول في التغيرات المناخية - وكذا التوقف عن استنزاف الطاقات الأحفورية واقتصار مجالات استعمالها في الصناعات الرفيعة على غرار البتروكيماويات، يشدد غزلي على ضرورة اعتماد سياسة طاقوية، تهدف للقضاء على الكربون، أو على الأقل التقليص من نسبة انتشاره، من خلال التوجه إلى إنتاج البدائل الطاقوية مثل الهيدروجين الأخضر والأمونيا.

مصادر متعددة لطاقة نظيفة

ويستطرد غزلي قائلا إنه «لا بد من تقييم الوضعية الطاقوية العالمية في ظل التغيرات المناخية التي تأثرت لحد كبير بإنتاج ثاني أكسيد الكربون، المنبعث من الصناعات الكثيفة بالغرب، لتتحمل عواقبه بلدان الجنوب، حيث تتسبب الدول المتقدمة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا في تلوث المحيط بأضعاف ما تقوم به الدول الإفريقية، ما يطرح بإلحاح ضرورة التقليل من استعمال الطاقة، وتقليص مجالات استعمالها حفاظا على البيئة، وبالتالي ضرورة البحث عن طاقات بديلة نظيفة واعتماد نماذج جديدة لإنتاج العديد منها، انطلاقا من الطاقة الشمسية، طاقات الرياح، الطاقة المائية، خشب الأشجار وغيرها، وأوضح أن محطة واحدة للطاقة الشمسية بطاقة إنتاج 1000 ميغاواط، تعادل ما قيمته 400 مليون متر مكعب من الغاز، ويرى غزلي أنه لا بديل عن التوجه إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر كطاقة بديلة للغاز الطبيعي مستقبلا، والجزائر – يواصل المتحدث - تمتلك في ذلك مؤهلات طبيعية عالية، انطلاقا من المساحات الشاسعة وعدد أيام السنة المشمسة، وكذا قوة الرياح، والمساحات المائية التي تتمتع بها الخارطة الجغرافية والمناخية للجزائر التي تؤهلها لتكون المصدر الأول للكهرباء والهيدروجين الأخضر الموجّه إلى أوروبا.