طباعة هذه الصفحة

من التحرير السياسي إلى التحرّر الاقتصادي

”إياتياف 2025”.. لمسـة جزائرية لمسار قاري واعــــد

محمد لعرابي

 الجسر الأكثر أمناً وفعالية بين إفريقيا وبقية العالم

منذ اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، ظلت الجزائر عنوانا للتحرر في إفريقيا، حيث ألهمت تجربتها الثورية شعوب القارة للنضال ضد الاستعمار واسترجاع السيادة الوطنية. واليوم، وبعد عقود من الاستقلالات السياسية، تواصل الجزائر أداء دورها القيادي، ولكن في جبهة جديدة: التحرر الاقتصادي.

يأتي معرض التجارة البينية الإفريقية، في طبعته الرابعة المقررة من 4 إلى 10 سبتمبر بالعاصمة، ليجسد هذه الروح، باعتباره محطة استراتيجية ضمن جهود الجزائر المتواصلة من أجل بناء اقتصاد إفريقي متكامل ومتحرر من التبعية.
الحدث الذي سيعرف مشاركة وفود من 140 دولة وأكثر من 2000 شركة، بينها نحو 200 مؤسسة جزائرية، يمثل أكبر تظاهرة اقتصادية قارية منذ إطلاق هذه المبادرة عام 2018. ومن خلاله، تسعى الجزائر إلى تثبيت موقعها كمركز محوري للتجارة والاستثمار في إفريقيا، بما يتناسب مع إمكاناتها الصناعية والزراعية والطاقوية، ويعكس طموحها في لعب دور قيادي في تنشيط حركة المبادلات القارية. ولعل الشعار الذي اختير لهذه الطبعة، “بوابة العبور إلى فرص جديدة”، يلخص الرؤية التي تسعى الجزائر لتكريسها: أن تصبح الجسر الأكثر أمناً وفعالية بين إفريقيا وبقية العالم.
من جهة أخرى، لا يقتصر المعرض على تبادل السلع وتوقيع العقود فحسب، بل يشكل منصة لتجسيد أهداف أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، التي تراهن على التكامل القاري كطريق لتحقيق التنمية المستدامة. فالجزائر، باستضافتها هذا الموعد، تؤكد مجدداً استعدادها لقيادة المبادرات الكبرى، مثل تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف) التي تشكل خطوة حاسمة نحو إزالة الحواجز الجمركية وتسهيل حركة رؤوس الأموال والسلع والأشخاص داخل القارة. وبذلك، تتحول الجزائر إلى رافعة اقتصادية قارية، تساهم في تقليص الفجوة بين إفريقيا وبقية التكتلات الاقتصادية العالمية.
ولعل ما يميّز “إياتياف 2025” أنه يفتح المجال أيضاً لإبراز القدرات الكامنة للجزائر في قطاعات متعددة. فإلى جانب الصناعة والفلاحة والطاقة، سيكون المعرض فرصة للترويج لقطاع السياحة، ولإبراز المهارات الابتكارية للشباب الجزائري الذي يفرض نفسه في عالم المؤسسات الناشئة والرقمنة. وكما أشار خليف، فإن الثمار الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها الجزائر من هذه التظاهرة متعددة، تبدأ بفرص تجارية واستثمارية جديدة، وتمتد إلى شراكات واعدة مع مستثمرين أفارقة ودوليين، بما يضمن تدفق التكنولوجيا والمعرفة الحديثة إلى السوق الوطنية.
كما ستولي هذه الطبعة اهتماماً خاصاً لقضايا استراتيجية مثل الابتكار، دعم المؤسسات الناشئة، والاستفادة من الأدمغة الإفريقية المهاجرة التي يمكن أن تساهم بفاعلية في إنجاح مسار التنمية بالقارة. وهو ما يجعل من المعرض منصة للنقاش الجاد حول سبل تقوية التعاون الاقتصادي الإفريقي، عبر مواءمة السياسات التجارية، وتشجيع المشاريع العابرة للحدود التي تعكس المصالح المشتركة.
إن الجزائر، وهي تستضيف هذه الطبعة التي توصف بأنها “الأكبر والأكثر طموحاً” منذ إطلاق التظاهرة، لا تكتفي بلعب دور المنظم، بل تسعى إلى إعادة رسم الخريطة الاقتصادية للقارة. فكما كانت بالأمس رائدة في مسار التحرر السياسي، فإنها اليوم تتحول إلى قوة دفع نحو التحرر الاقتصادي، واضعة نصب عينيها هدفاً استراتيجياً يتمثل في جعل إفريقيا فضاءً موحداً، قادراً على المنافسة في النظام الاقتصادي العالمي الجديد.