طباعة هذه الصفحة

أطلقت مشروع «محرّك الهيدروجين الأخضر».. الدكتور عيسى مفلاح لـ»الشّعب»:

الجزائر المنتصرة تدخل سباق الإنتقال الطاقوي رسميّا..

حوار: خالدة بن تركي

 الطاقة النظيفة.. ثورة جزائرية لخفض الإنبعاثات وتوفير الطاقة 

«باهو».. ابتكار جزائري يضع النقل الحضري على مسار مستدام

  الحافلات الهيدروجينية توفر حوالي 31 بالمائة من الاستهلاك الطاقوي المحلي

 ابتكار يوسّع آفاق البحث العلمي ويبرهن على دور الجامعة في البناء التنموي

نؤمن بقدراتنا الوطنية وقادرون على تحقيق الرّيادة في الطاقات النظيفة

 يعتبر الباحث في الطاقات المتجدّدة، الدكتور عيسى مفلاح، أنّ إطلاق مشروع محرّك يشتغل بالهيدروجين الأخضر في الجزائر، يمثل خطوة واعدة نحو دعم الطاقة النظيفة وتقليل الإعتماد على الوقود التقليدي، ويبرز إشراف وزير التعليم العالي والبحث العلمي على المشروع، أهميته كابتكار يفتح آفاقا واسعة للحدّ من التلوث، وتطوير البحث العلمي، وتعزيز الصناعة المحلية، بما يمنح الجزائر قيمة بيئية واقتصادية إضافية.

الشّعب: يبرز مشروع المحرّك العامل بالهيدروجين الأخضر، كإحدى التقنيات الواعدة نحو مستقبل نظيف ومستدام.. من هذا المنطلق، كيف تعرّفون المحرّك العامل بالهيدروجين الأخضر؟
 الباحث في الطاقات المتجدّدة، الدكتور عيسى مفلاح: المحرّك الذي يعمل بالهيدروجين الأخضر، هو ابتكار تقني يهدف إلى تحويل الطاقة المتجدّدة إلى قوة دافعة للنقل البري، ويقصد به محرّك يعمل بالهيدروجين المنتج من مصادر نظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرّياح، ويمكن لهذا النوع من المحرّكات أن يأخذ شكلين أساسيّين، إما محرّك احتراق داخلي معدل، بحيث يستبدل وقود الديزل بالهيدروجين، مع إدخال تعديلات تقنية على غرفة الإحتراق وأنظمة الحقن، أو محرّك يعمل بخلايا وقود تقوم بتحويل الهيدروجين مباشرة إلى كهرباء تستعمل لتشغيل محرّك كهربائي.
ما المزايا الاقتصادية والبيئية التي يحقّقها مشروع «باهو»، من خلال اعتماد تقنية التحويل «راتروفيت» بدل استبدال الحافلات القديمة؟
 المشروع الجزائري الذي أطلق تحت اسم «باهو»، اختار في مرحلته الأولى الحلّ الأسهل والأقل تكلفة نسبيا، وهو تقنية التحويل» راتروفيت»، التي تسمح بتكييف الحافلات القديمة العاملة بالديزل لتشتغل بالهيدروجين الأخضر، بدل التخلّص منها واستيراد أخرى جديدة، وهو ما يمنح قيمة مضافة اقتصادية وبيئية في آنٍ واحد.
ما الدور الذي يتوقّعه وزير التعليم العالي والبحث العلمي كمال بداري، من مشروع المحرّك العامل بالهيدروجين الأخضر في دعم الإبتكار والإنتقال الطاقوي في الجزائر؟
 يتوقّع الوزير كمال بداري، أن يساهم مشروع المحرّك العامل بالهيدروجين الأخضر، في تشجيع الإبتكار داخل الجامعات، وربط البحث العلمي بالتطبيقات الصناعية، كما يعتبره خطوة مهمة في مسار الإنتقال الطاقوي، لأنه يساعد على تقليل الإعتماد على الوقود التقليدي، ويقلّل التلوث، ويفتح المجال أمام حلول جديدة صديقة للبيئة، تدعم مستقبل الجزائر في الطاقات المتجدّدة.
مع إطلاق محرّك يعمل بالهيدروجين الأخضر، يُطرح التساؤل، كيف يعمل هذا النوع من المحرّكات؟
 آلية العمل في المحرّكات التي تعتمد على الهيدروجين بسيطة في المبدأ، لكنها دقيقة من الناحية التقنية، فالهيدروجين يُخزّن داخل الحافلة في خزانات خاصة مضغوطة تصل إلى ضغط عالٍ، لضمان الكثافة الطاقوية الكافية، بعد ذلك يتمّ ضخّ هذا الغاز نحو غرفة الإحتراق الداخلي، أو نحو خلية الوقود، حسب نوعية المحرّك، وعند المزج مع الأكسجين، يتمّ توليد طاقة ميكانيكية أو كهربائية تحرّك المركبة، وما يميّز هذه العملية أنّ النواتج الجانبية تكاد تنحصر في بخار الماء فقط، بعكس محرّكات الديزل التي تطلق ثاني أكسيد الكربون وأكسيدات النيتروجين والجسيمات الدقيقة، ولهذا، فإنّ تشغيل الحافلات بالهيدروجين الأخضر يعد وسيلة فعّالة لتقليل التلوث الحضري.
 هل هذه التكنولوجيا منتشرة على المستوى العالمي؟
 هذه التكنولوجيا ليست حكرا على الجزائر، بل هي مجال متسارع في العديد من دول العالم، ففي ألمانيا، انطلقت مشاريع رائدة في النقل العام، من خلال حافلات مرسيدس-بنز إي-سيتارو، بخلايا وقود الهيدروجين وسولاريس أوربينو الهيدروجيني، وأصبحت بعض المدن تعتمد عليها في شبكاتها الحضرية، أما في بولندا، فقد تمكّنت شركة «سولاريس» من تطوير أسطول متزايد من الحافلات الهيدروجينية، التي تسوّقها إلى عدة دول أوروبية.. الصين بدورها تعتبر السوق الأكبر عالميا في هذا المجال، حيث تمتلك آلاف الحافلات العاملة بالهيدروجين، وهي تستثمر بشكل واسع في هذا القطاع، ضمن استراتيجيتها للإنتقال الطاقوي.. اليابان وكوريا الجنوبية تمثّلان نموذجا آخر، إذ طوّرتا سيارات وحافلات تعمل بخلايا الوقود مثل «تويوتا ميري» و»هونداي نيكسو»، وتدعمان نشرها عبر حوافز حكومية، وفي أمريكا الشمالية، بدأت كندا والولايات المتحدة بإطلاق مشاريع تجريبية لحافلات النقل العام بالهيدروجين، أما في بلجيكا فقد أُقيمت محطات للتزوّد بالهيدروجين موجّهة خصيصا لتسيير الحافلات العاملة بهذه التقنية.. هذا الإنتشار العالمي يعكس أنّ الجزائر ليست في معزل عن التحوّلات، بل هي تدخل سباقا دوليا يتسارع يوما بعد يوم.
مع تزايد الاهتمام بالطاقات النظيفة، تطرح تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر فرصا كبيرة، لكنها تحتاج إلى شروط محدّدة قبل دخولها حيّز التطبيق، ما الذي تتطلّبه هذه التكنولوجيا لتطبيقها؟
 تطبيق تكنولوجيا المحرّكات الهيدروجينية يحتاج إلى منظومة متكاملة من الشروط، أولها البنية التحتية، حيث يستلزم المشروع إنشاء محطات لإنتاج الهيدروجين عبر التحليل الكهربائي للماء، باستخدام الطاقة الشمسية أو الرّياح، إضافة إلى منشآت تخزينه وتوزيعه، ثانيها متطلّبات الأمان، إذ أنّ الهيدروجين يخزّن تحت ضغط عالٍ ويجب وضع معايير صارمة تضمن سلامة الرّكاب والعمال، كما أنّ توفير الهيدروجين محليا من مصادر متجدّدة، أمرٌ حاسمٌ لضمان أن يكون «أخضرا» فعلا، وإلّا فإنّ استيراده أو إنتاجه من الغاز الطبيعي سيُفقد المشروع قيمته البيئية، ويتطلّب الأمر أيضا تشريعات جديدة تنظم استعمال الهيدروجين كوقود، من حيث النقل والترخيص والمراقبة التقنية، إلى جانب تكوين بشري متخصّص يشمل مهندسين وفنيّين قادرين على الصيانة والتشغيل، وفق أعلى معايير السلامة والجودة.
لو تشرح لنا أكثر.. ماذا عن إيجابيات وسلبيات المحرّكات العاملة بالهيدروجين؟
 من أبرز الإيجابيات أنّ هذه المحرّكات صديقة للبيئة، إذ لا تنتج غازات دفيئة أو ملوثات هوائية عند التشغيل، وهو ما يُسهم في تحسين نوعية الهواء داخل المدن، كما أنّ الهيدروجين يمثل وسيلة فعّالة لتخزين فائض الطاقات المتجدّدة، حيث يمكن تحويل الكهرباء غير المستهلكة إلى وقود مخزّن يُستعمل عند الحاجة اقتصاديا، فإنّ التحويل إلى الهيدروجين يخفّف من استيراد الوقود الأحفوري، ويتيح خلق مناصب عمل جديدة في مجالات الإنتاج والتوزيع والصيانة.. تقنيا، خيار التحويل «روتروفيت» يعطي حياة جديدة للمركبات القديمة ويؤجّل تكاليف استبدالها بالكامل.
ما أبرز التحديات التي قد تواجه الجزائر في اعتماد تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع؟
 هناك كثير من التحديات، فتكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر لا تزال مرتفعة نسبيا مقارنة بالديزل أو حتى الكهرباء، ما يجعل الاستثمار الأولي كبيرا، كما أنّ البنية التحتية للتوزيع والتخزين قليلة بالجزائر، وهو ما يتطلّب وقتا وتمويلا لإنشائها، هناك أيضا تعقيدات مرتبطة بالسلامة، بما أنّ الهيدروجين سريع الإشتعال ويتطلّب إجراءات وقاية دقيقة، إضافة إلى ذلك، تعتمد هذه المشاريع في البداية على دعم حكومي قوي، ما يفرض تحديات في استدامة التمويل، خاصة إذا تغيّرت السياسات أو انخفضت أسعار النفط في السوق العالمية.
ماذا عن الفوائد الاقتصادية والبيئية للجزائر من هذا المشروع؟
 الفوائد المرتقبة كبيرة ومتعدّدة الأبعاد، فمن الناحية الاقتصادية، تشير التقديرات الرّسمية إلى أنّ مشروع الحافلات الهيدروجينية سيوفر حوالي 31 بالمائة من الاستهلاك الطاقوي المحلي في قطاع النقل العمومي، وهو مكسب مهم في ظل ارتفاع الطلب على الطاقة داخليا.. بيئيا، سيُساهم المشروع في خفض ملموس للانبعاثات الغازية في المدن الكبرى مثل الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة، حيث تعاني هذه المناطق من مستويات تلوث مرتفعة.. من جهة أخرى، يمكن لهذا المشروع أن يكون بوابة لاندماج الجزائر في الاقتصاد الطاقوي العالمي الجديد، خاصة مع انطلاق مشاريع «الممر الجنوبي للهيدروجين»، الذي يربط شمال إفريقيا بأوروبا، ويجعل من الجزائر موردًا محتملا للهيدروجين الأخضر للأسواق الأوروبية.
كيف سيساهم المشروع في توفير فرص عمل وتشجيع البحث العلمي في الجامعات ومراكز البحث؟
 على المستوى الاجتماعي، يتوقّع أن يفتح المشروع آفاقا جديدة لتشغيل الشباب، وتوفير مناصب عمل مباشرة وغير مباشرة، سواء في مراحل الإنتاج أو في خدمات التوزيع والصيانة، كما أنه يمثل فرصة حقيقية لدفع عجلة البحث العلمي، من خلال إشراك الجامعات ومراكز البحث في ابتكار حلول للتحديات التقنية المرتبطة بالإنتاج والتوزيع والتخزين، وهو ما يعزّز - بدوره - جسور التعاون بين القطاع الأكاديمي والاقتصادي، كما يمكن لهذا المشروع أن يساعد أيضا في نشر روح الإبتكار وسط الشباب، لأنه يمنحهم فرصة للتعلّم والتجربة في مجال الطاقة النظيفة، ومن خلاله يمكن للجامعات ومراكز التكوين أن تضع برامج تدريب جديدة ترفع من خبرة العمّال وتزيد من كفاءتهم، ما يقلّل الحاجة إلى جلب خبراء من الخارج، كما أنّ نجاح المشروع سيعطي صورة جيّدة عن الجزائر كبلد يهتمّ بالبيئة وبمستقبل طاقوي أنظف، وهو ما قد يشجّع مستثمرين آخرين على الدخول في مشاريع مشابهة، ممّا يفتح المزيد من فرص العمل ويدعّم التنمية الاقتصادية المستدامة.
هناك تحديات قد تواجه الجزائر لإنجاح المشروع؟!
 رغم الإيجابيات، فإنّ الطريق نحو نجاح هذا المشروع ليس خاليا من العقبات، التحدي الأول يكمن في ارتفاع تكلفة الإستثمار الأولي، إذ أنّ إنشاء محطات التحليل الكهربائي، وخزانات التخزين، وشبكات التوزيع يحتاج إلى مليارات الدولارات، كما أنّ التكنولوجيا المستعملة في النقل والتخزين لا تزال في طور التطوير، ما يفرض اعتمادا جزئيا على الاستيراد في البداية، وهناك أيضا تحدي التنافسية الدولية، حيث سبقت دول مثل ألمانيا والصين في هذا المضمار ولديها خبرة متقدمة، ومن جانب آخر، فإنّ غياب تشريعات واضحة تحكم استعمال الهيدروجين كوقود في الجزائر قد يعرقل التطبيق السريع، هناك أيضا التحدي المجتمعي الذي لا يقل أهمية، فنجاح المشروع يتطلّب إقتناع المواطنين بأنّ الهيدروجين وقود آمن وفعّال، وهو ما يستدعي برامج توعية شاملة، أما التمويل، فيبقى رهين سياسات الدولة واستمرارية الدعم، إذ أنّ أي تراجع قد يؤثر على الاستمرارية ويضعّف الثقة في المشروع.
هل تنجح الجزائر في تجاوز تحديات البنية التحتية والتكوين والتمويل، لتصبح رائدة في مجال الهيدروجين الأخضر بالمنطقة؟
 إطلاق مشروع محرّكات الحافلات بالهيدروجين الأخضر في الجزائر، يمثل خطوة استراتيجية جريئة نحو مستقبل نظيف ومستدام، فهو ليس مجرّد مشروع تقني، بل تحول اقتصادي وبيئي واجتماعي يتطلّب تكاملا بين الدولة والجامعات والقطاع الصناعي، نجاحه سيجعل الجزائر في موقع ريادي على المستوى الإفريقي والمتوسّطي، ويتيح لها المساهمة بفعالية في التحول الطاقوي العالمي
نجاح المشروع يظلّ مرهونا بالإستثمار في البنية التحتية، والتكوين البشري، وإرساء التشريعات، وتأمين التمويل المستدام، حيث أنّ إدارة هذه العوامل بشكل متكامل هو ما سيحدّد إن كانت الجزائر ستصبح بالفعل من روّاد الهيدروجين الأخضر في المنطقة.
ما هي رسالتكم إلى الجزائريين حول مشروع محرك الهيدروجين الأخضر؟
 رسالتي أن نؤمن بقدراتنا الوطنية، فالجزائر تملك الشمس والرّياح والخبرة العلمية لتصبح بلدا رائدا في مجال الطاقات النظيفة، هذا المشروع ليس مجرّد تقنية جديدة، بل هو فرصة لتقليل التلوث، وتوفير مناصب شغل، وتشجيع البحث العلمي في جامعاتنا، فإذا تمّ التعاون بين الحكومة والجامعات والصناعة، يمكننا أن نصنع مستقبلا طاقويا أكثر استدامة للأجيال.