طباعة هذه الصفحة

الخبـير الاقتصـادي..عبد المجيد قـدي لـ”الشعـب”:

دينامكية جديدة لمنطقة التبادل الإفريقي بلمسة جزائرية

حوار: فضيلة بودريش

يبرز البروفيسور عبد المجيد قدي في هذا الحوار مع “الشعب”، أهمية معرض التجارة البينية الإفريقية كمنصة لتعزيز التعاون وتقاسم النجاحات الاقتصادية داخل القارة، مؤكداً ضرورة توجيه الاستثمارات ورؤوس الأموال في الإطار الإفريقي. ويتوقع أن تبرز طبعة الجزائر الرابعة تطور قطاعات واعدة مثل الصناعة التحويلية والتعدين والصناعات الغذائية والمؤسسات الناشئة، بما يعزز مكانة إفريقيا كفاعل رئيسي في سلاسل القيمة العالمية.

الشعب: يعدّ معرض التجارة البينية الإفريقية فرصة قارية مهمة لتعميق التعاون وترسيخ التكامل..وبما أن الجزائر تعد بلداً فاعلاً في هذه المعادلة..كيف يمكن تسريع الوتيرة أكثر في مثل هذه اللقاءات؟
 البروفيسور عبد المجيد قدي، الخبير الاقتصادي: إن المعرض التجاري البيني الإفريقي يكتسي أهمية بارزة، شأنه شأن كبريات التظاهرات الاقتصادية في العالم، فهو يسمح للجزائر بالتعريف بفرص الاستثمار فيها، ويبرز المستوى الاقتصادي الذي بلغته، كما يكشف عن القطاعات الأكثر نشاطاً وازدهاراً. ومن جهة أخرى، يعرّف برجال الأعمال الجزائريين ويبرز الميادين التي ينشطون عبرها، فضلاً عن إتاحة فرص الاحتكاك بنظرائهم الأفارقة. وبالمقابل، تمنح هذه التظاهرة القارية للدول الإفريقية فرصة التعريف بإمكانات الشراكة والتعاون مع البلدان الأخرى، وجذب الاهتمام للاستثمار فيها. ومن مزايا المعرض أنه يكشف عن حجم السوق الإفريقية ومستوى القدرة الشرائية لشعوبها، باعتبار أن السوق متغير أساسي في معادلة التعاون بين البلدان. كما يُنتظر من هذه الطبعة تحديد حجم الإمكانات التي يمتلكها رجال الأعمال في هذه الدول. وبالتالي فإن اللقاءات المقررة بين رجال الأعمال الأفارقة ونظرائهم الجزائريين تتيح فرصاً كثيرة لعقد اتفاقيات التعاون والشراكة وفتح آفاق البيع والشراء، في تبادل بيني محسوس وضروري بين الجزائر والبلدان الإفريقية.
ما هي قراءتك للإمكانات والفرص المتاحة؟ وما آليات ترجمتها لتتقاسم القارة السمراء الأرباح والمنافع؟
ينبغي التأكيد أن ثروات إفريقيا يجب أن يستفيد منها الأفارقة أنفسهم وتُستغل لصالح شعوب القارة، بعد أن اكتوت بنار الاستعمار القديم الذي نهب خيراتها واستنزف ثرواتها. واليوم، صارت إفريقيا قبلة للتنافس بين القوى الاستعمارية السابقة وقوى اقتصادية صاعدة مهتمة بهذا السوق الضخم مثل الصين وروسيا وإيران وغيرها. هذا التنافس يعكس أهمية الاقتصاد الإفريقي على مستوى العالم. وتواجه القارة حالياً تحدي إنجاز أهداف أجندة 2063 للتنمية، وهي مدركة أنه لا بد من تجاوز صورة إفريقيا كمصدر للمواد الأولية والطاقة فقط، وإثبات أنها فاعل اقتصادي لا يقل أهمية عن غيرها. وما يؤكد ذلك أن 41 دولة إفريقية تجاوزت متوسط النمو العالمي، بينما صنفت 6 دول ضمن أكثر 10 اقتصادات نمواً في العالم، وهو مؤشر واضح على الديناميكية التي يعرفها الاقتصاد الإفريقي.
من جانب آخر، تمثل السوق الإفريقية قوة سكانية تبلغ 1.4 مليار نسمة، ويتوقع أن تتجاوز 2 مليار في أفق 2050، ما يعكس قدرة شرائية هائلة. كما أن أكثر من 40 بالمائة من السكان دون 15 سنة، ما يجعلها خزّانا للطاقة البشرية والإبداع. وتتمتع القارة بيد عاملة مؤهلة، مدعومة بنسيج جامعي ومعاهد عليا باتت تنافس عالمياً، حيث ينشط الكثير من الباحثين الأفارقة في مخابر عالمية. هذه الإمكانات تمثل فرصة لتفعيل الواقع الجديد لإفريقيا وتحويله إلى ثروة وتنمية تعزز الاستقرار والرفاهية.
ما هي القطاعات المرشحة لجذب المستثمرين والزبائن خلال المعرض، والقادرة على تأسيس فرص تعاون وشراكة واقتحام أسواق جديدة؟
بالنسبة للجزائر، هناك عدة قطاعات واعدة قادرة على تحريك النمو الاقتصادي، يمكن أن تكون مجالاً للتعاون مع الدول الإفريقية. أبرزها الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تحظى باهتمام خاص من الدولة، إضافة إلى المؤسسات الناشئة المبنية على الابتكار. كما أن العديد من الدول الإفريقية راكمت خبرة في استخراج الثروات الباطنية، إذ تحتكر القارة أكثر من 20 بالمائة من ثروات العالم. الجزائر بدورها تملك احتياطات معتبرة من الفوسفات واليورانيوم والحديد والمعادن الأخرى، فضلاً عن الاهتمام المتزايد بقطاع التعدين في السنوات الأخيرة.
كما يمثل قطاع الطاقات المتجددة مجالاً واعداً، خصوصاً الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، الذي تراهن الجزائر على استغلاله وتصديره في إطار التحول الطاقوي. ولا يقل قطاع الفلاحة والصناعات الغذائية أهمية، باعتباره أساس تحقيق الأمن الغذائي الإفريقي، حيث تمتلك الجزائر خبرة وتجارب يمكن أن تفيد القارة.
ماذا يُنتظر من معرض التجارة البينية الإفريقية الذي ستحتضنه الجزائر بداية من يوم غد الخميس؟
يُعوّل على طبعة الجزائر الرابعة للمعرض لإطلاق ديناميكية جديدة لمنطقة التبادل الحر الإفريقية التي ما زالت فتية لكنها واعدة. ومن المتوقع أن يتيح المعرض للدول الإفريقية التعرف على إمكانات النمو وحجم السوق وفرص الاستثمار داخل القارة. وغالباً ما كانت هذه الفرص تذهب لغير الأفارقة، في حين أن رؤوس الأموال تتسرب إلى خارج القارة، فلا تستفيد منها الشعوب. ويرمي المعرض إلى تعزيز التبادل البيني والرفع من مستوياته، فكلما توسع التبادل الإفريقي زادت الاستفادة من خيرات القارة. كما يُنتظر أن يسهم المعرض في تعزيز مكانة إفريقيا ضمن سلاسل القيمة العالمية، ليس فقط كمصدر للمواد الأولية، بل أيضاً كمنتج وفاعل بفضل مساهماتها وابتكاراتها وقدرات قطاعاتها المختلفة.