التجـارة الحـرة القاريــة..رهان الإقـلاع الاقتصــادي الإفريقــي المشـترك
البنى التحتيـة الجزائريـــة..جسـور لتعزيـــز التجـارة الحـرة القاريـــة
تسعى الجزائر، بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، إلى ترسيخ مكانتها كفاعل محوري في القارة الإفريقية، عبر رؤية استراتيجية تقوم على تعزيز البنى التحتية، تطوير المبادلات التجارية، وتحقيق التكامل الاقتصادي، وهي الرؤية التي أكد عليها الرئيس تبون خلال مشاركته في معرض التجارة البينية الإفريقية، وتتجلى في بناء إفريقيا قوية وموحدة وفاعلة، قادرة على تحقيق نهضتها الاقتصادية والاجتماعية، وتأكيد سيادتها في مواجهة التحديات العالمية.
وأحرزت الجزائر إنجازات معتبرة في دعم هذه الرؤية، من خلال مبادرات ومشاريع استراتيجية تهدف إلى ربط القارة وتعزيز تبادلاتها التجارية والاقتصادية، مؤكدة التزامها بدعم كافة المبادرات الرامية إلى تعزيز التكامل الاقتصادي في إفريقيا، وترقية التجارة، وتحقيق التنمية المستدامة في ربوع القارة السمراء.
وفي هذا السياق، تبرز المشاريع الجزائرية، كركائز أساسية لتحقيق هذه الأهداف الطموحة، ويؤكد البروفيسور مراد كواشي، أن هذه المشاريع لا يختلف اثنان على فعاليتها من النواحي الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، مشيرا إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والتنمية في إفريقيا، من خلال معالجة مشكلة غياب البنى التحتية الأساسية.
وقال كواشي في تصريح لـ»الشعب»، «إن المشاريع الكبرى التي تنفذها الجزائر تعد ذات فعالية واضحة من حيث الأثر الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي، من أبرز هذه المشاريع، الطريق العابر للصحراء الذي يعتبر طريقا محوريا واستراتيجيا يساهم في فك الحصار عن العديد من الدول التي تفتقر إلى واجهة بحرية، كما يعزز دور الجزائر كبوابة لإفريقيا، سواء في مجال التجارة مع أوروبا ودول العالم أو في التبادل التجاري بين إفريقيا وبقية العالم»، إضافة إلى ذلك، يلعب أنبوب الغاز دورا حيويا، خاصة بعد الأزمة الطاقوية التي تمر بها أوروبا نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يعد هذا الأنبوب مهما جدا في فك الحصار عن القارة الأفريقية، ويتيح لنيجيريا التي تمتلك احتياطات هائلة من الغاز، تصدير كميات إضافية من غازها الطبيعي.
أما مشروع الألياف البصرية - يضيف الخبير - فهو ذو أهمية استراتيجية حيوية ليس فقط للجزائر، بل أيضا لمختلف الدول الأفريقية، إذ يسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي والتنمية في القارة، مشيرا إلى أن إفريقيا تواجه بشكل عام مشكلة غياب البنى التحتية الضرورية، سواء كانت بنى تحتية لنقل الطاقة مثل الطرق العامة وأنابيب الغاز، أو البنى التحتية التقليدية كالطريق العربي للصحراء، أو البنى التحتية الرقمية.
من هنا، يقول كواشي، تتضح أهمية مشروع الألياف البصرية في تحسين البنية التحتية الرقمية، مما يعزز التنمية ويقوي الروابط بين الدول الأفريقية ويعزز من قدراتها الاقتصادية والاستراتيجية.
ولفت كواشي إلى أن مشاريع البنية التحتية والتنمية في إفريقيا تواجه عدة تحديات رئيسية، أبرزها عدم الاستقرار الأمني والسياسي، حيث تؤدي الاضطرابات السياسية والأمنية، خاصة في مناطق مثل الساحل، إلى عرقلة تنفيذ هذه المشاريع بشكل كبير، بالإضافة إلى ذلك، يواجه تمويل هذه المشاريع صعوبات كبيرة، خاصة في مشاريع مثل أنابيب الغاز التي تربط الجزائر بنيجيريا والنيجر، حيث تواجه دول مثل النيجر تحديات كبيرة في توفير التمويل اللازم لإنجاز الأجزاء التي تمر عبر أراضيها، علاوة على ذلك، تعاني القارة من ضعف البنية التحتية، بما يشمل الطرق البرية والبحرية والمطارات، ما يحدّ من قدرة إفريقيا على تنفيذ مشاريع استراتيجية تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الإفريقية.
وأبرز الخبير الاقتصادي الخطوات العملية الإضافية التي يمكن للجزائر والدول الإفريقية اتخاذها لمواجهة هذه التحديات، بينها وضع رؤية استراتيجية واضحة وواقعية لتصدير المنتجات والخدمات من الجزائر إلى الدول الإفريقية، مع التركيز على الجوانب الاقتصادية والربحية.
واقترح محدثنا أن تتضمن هذه الاستراتيجية مشاريع ذات عائد مالي من شأنها أن تعود بالنفع على مختلف الأطراف والدول المعنية، مع الاستفادة من تجارب بعض الدول الإفريقية وميزاتها التنافسية، على سبيل المثال، تتميز الجزائر في مجالات الطاقة والأمن الطاقوي والأمن المائي، حيث يمكنها تصدير خبراتها وتجاربها إلى دول أخرى في إفريقيا، خاصة وأن الجزائر تحتل المرتبة الأولى في إفريقيا من حيث إدارة المياه، كما يمكن الاستفادة من ثروات أخرى في القارة، مثل الثروة الحيوانية الكبيرة في السودان، والثروة السمكية الهائلة في موريتانيا، من خلال بناء استراتيجيات تركز على تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الإفريقية.
وأكد كواشي على ضرورة أن تكون هذه الاستراتيجيات مبنية على نظرة علمية وواقعية، تستند إلى تحليل دقيق للميزات التنافسية لكل دولة، مع تحديد أهداف واقعية بعيدا عن العواطف، لضمان تحقيق التنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي في القارة الإفريقية.
وفيما يتعلق بكيفية تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية، أكد الخبير أن منطقة التجارة الحرة القارية في إفريقيا تعد ذات أهمية كبيرة لتعزيز الأداء الاقتصادي للقارة، حيث تشير تقارير البنك العالمي إلى أن هذه المنطقة ستؤدي إلى زيادة التبادل التجاري بين الدول الإفريقية بنسبة تتراوح بين 15 بالمائة و25 بالمائة بحلول عام 2035، مقارنة بنسبة التبادل التجاري الحالية التي لا تتجاوز 15بالمائة، وهي نسبة ضعيفة مقارنة بدول أخرى حيث تتجاوز 60 بالمائة، كما أن تفعيل المنطقة سيساعد على رفع قيمة الناتج المحلي الإجمالي للقارة بنسبة تصل إلى 7 بالمائة خلال نفس الفترة.
لتحقيق ذلك، اقترح الخبير وضع جدول زمني لتقليل الرسوم الجمركية بين الدول الإفريقية بشكل تدريجي، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية الضرورية، سواء الرقمية أو التقليدية، بما يشمل الموانئ، المطارات، الطرق البرية، والمشاريع الحديدية، موضحا أن كل هذه الإجراءات ستسهم في تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية، مع ضرورة العمل على تعزيز الأمن والاستقرار بين دول القارة لتحقيق الأهداف المرجوة.
وفيما يتعلق بكيفية حماية القارة السمراء من التدخلات الأجنبية، أشار الخبير إلى أن العديد من الأفارقة أدركوا الدرس جيدا وفهموا المقاربة الجزائرية التي بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، والتي تدعو إلى استغلال ثروات القارة بشكل يضمن سيادتها واستقلالها في اتخاذ القرارات، بهدف قطع الطريق أمام القوى الأجنبية التي تسعى للحفاظ على القارة كمجرد سوق لمنتجاتها، مع رغبة في إبقاء أفريقيا مصنعا مستهلكا يعتمد على الاستيراد وتحويل المواد الأولية فقط.
وأكد البروفيسور كواشي أهمية وضع آليات فعالة لحماية القارة من التدخلات الخارجية، بهدف تعزيز استقلاليتها الاقتصادية والسياسية، وضمان استغلال مواردها بشكل يحقق مصالح شعوبها ويمنع استغلالها من قبل القوى الأجنبية.
أما عن أبرز القطاعات التي تستفيد من تنظيم هذا المعرض، فتوقع محدثنا أن تستفيد جميع القطاعات بشكل كبير من هذا المعرض، خاصة القطاعات الصناعية التي شهدت في السنوات الأخيرة توجها نحو التصدير إلى أسواق خارجية، وذكر - على سبيل المثال لا الحصر - قطاع الصناعات الغذائية الذي شهد تزايدا في عدد المؤسسات التي توجهت نحو التصدير إلى أسواق مثل بريطانيا، السنغال، وتونس. بالإضافة إلى ذلك، فإن قطاع الصناعات الدوائية والصيدلانية يشهد أيضا توجها متزايدا نحو التصدير إلى السوق الإفريقية.
وفي مجال الصناعة التحويلية والقطاع الفلاحي، أكد المتحدث أن الجزائر أحرزت خطوات عملاقة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، مما يحتم عليها البحث عن أسواق جديدة للمنتجات الفلاحية، كما أن قطاع الخدمات، بما يشمل الإنشاءات والبنى التحتية مثل الطرق والجسور، يمكن تصدير خدماته إلى السوق الإفريقية، فضلا عن الاهتمام الكبير من قبل الدولة الجزائرية بقطاع المؤسسات الناشئة، التي تلعب دورا مهما في تنمية الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل الدعم الذي توليه الحكومة لهذا القطاع خلال السنوات الأخيرة.