طباعة هذه الصفحة

سعر البرميل يتهاوى و”أوبيب” تتفرج...

من وراء تحطيم سوق النفط ومن المستفيد في النهاية؟

سعيد بن عياد

لم تتوقف الجزائر عن الدعوة لترميم بيت المنظمة من خلال تصحيح معادلة التوازنات بين حصص الإنتاج والأسعار.

عادت النداءات للمطالبة بضرورة عقد اجتماع طارئ لمنظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبيب” من أجل مواجهة ظاهرة الانهيار الخطير لسعر البرميل، فقد أطلق الرئيس الفنزويلي مؤخرا صرخة أخرى في هذا الاتجاه، الذي لم تتوقف الجزائر عن الدعوة إليه منذ حوالي سنة، حينما دخل مؤشر سعر برميل النفط، منذ منتصف جوان 2014، في مسار تراجع بلغ عتبة لا يمكن للبلدان الأعضاء إلتزام حالة المتفرج.
توجد منظمة البلدان المصدرة للبترول حاليا في وضع أشبه بمفترق الطرق، بعد أن بدت “عاجزة” عن وقف انهيار الأسعار إلى درجة تحمل تهديدا صريحا لاقتصاديات البلدان الأعضاء، بما فيها تلك التي تزخر باحتياطات باطنية ضخمة، في وقت تتضاعف فيه تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية. في وقت أعلنت فيه وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير، أن زيادة الاستهلاك تستمر بوتيرة متسارعة هذه السنة يرافقها انخفاض للأسعار والنمو العالمي مع تزايد للإنتاج. غير أنها لاحظت توقع ارتفاع الطلب سنة 2016 بمقدار 1,4 مليون برميل/يوم، لكن توقعات “أوبيب” نفسها متشائمة وأكثر حذرا بتوقع مستوى الطلب في حدود 1,3 مليون برميل/يوم.
واستنادا لتقديرات البنك العالمي، فإن عودة إيران إلى السوق ينجم عنه بالضرورة فقدان برميل النفط 10 دولارات، اعتبارا من السنة القادمة.ولم تتوقف الجزائر طيلة السنوات الأخيرة، عن الدعوة لإعادة ترميم بيت المنظمة من خلال تصحيح معادلة التوازنات داخله ومرافقة الأسواق في مسار التعافي، وفقا لقاعدة تضمن حقوق البلدان المصدرة والبلدان المستهلكة. وهو ما كان قد نادت به السعودية نفسها بلسان الراحل الملك عبد الله، لما احتضنت الرياض أحد اجتماعات “أوبيب” قبل سنوات، وتم التوصل حينها، بحضور الرئيس بوتفليقة والرئيس الفنزويلي الراحل تشافيز، إلى توافق يرمي إلى حماية معادلة الأسعار، بما يخدم مصالح بلدان المنظمة وتلك المستهلكة ضمانا لاستقرار الاقتصاد العالمي والنمو خدمة لشعوب المعمورة.
غير أن التغيرات العميقة التي جرفت العالم برمته منذ السنوات القليلة الماضية، لتزج به في متاهات فوضى تخفي صراعات دولية جيواستراتيجية محمومة للسيطرة على مناطق النفوذ الاقتصادية والهيمنة على مصادر الطاقة وأسواقها، أدخلت سوق المحروقات في دوامة صراع أدى مباشرة بالأسعار إلى الانهيار الممنهج طيلة سنة، لتنزل مؤخرا إلى أقل من 50 دولارا للبرميل. وبالفعل، شهدت أسعار النفط انخفاضا إثر زيادة إنتاج بلدان من أوبيب في مبيعات شهر جويلية، ونجم عنه انخفاض سعر خام غرب تكساس الوسيط تسليم سبتمبر 1.88 دولار، ليستقر عند 43.08 دولارا للبرميل في بورصة نيويورك التجارية، بينما انخفض “خام برنت” تسليم سبتمبر بـ1.23 دولار، ليغلق عند 49.18 دولارا للبرميل في بورصة المعاملات الآجلة العالمية للنفط الخام بلندن.
وتأكد بشكل جلي أن هذا التوجه لاستهداف أسعار البترول، يندرج في سياق تحقيق جملة أهداف غير اقتصادية، تخفي نزعة الهيمنة وتحطيم حقوق الشعوب في التنمية، وهو سلوك أشبه بمواقف تبرير الإرهاب في التسعينيات من القرن الماضي، قبل أن ينتشر كالنار في الهشيم ليصل إلى مناطق كانت تعتقد أنها في مأمن منه، فلم تصغ للتحذيرات ولم تعر التنبيهات التي أطلقتها الجزائر وهي تواجه لوحدها هجمة تدميرية غير مسبوقة، وكذلك انهيار أسعار البرميل سوف تلحق أضرارا بالغة بالبلدان التي تعتقد أنها حاليا وعلى المدى القصير في مأمن، لكن إلى حين.