طباعة هذه الصفحة

الـظرف الصعــــــب يتطلـــــــــب إرادة قويــــــــة فــــــــي تجسيــــــد القــــرارات

فضيلة بودريش

تتعامل الجزائر في الوقت الحالي بحذر مع صدمة النفط التي عصفت بسوق المحروقات العالمي وأثرت بشكل محسوس على الدول الناشئة، فبعد كبح الواردات والإعلان أنها ستتقلص خلال السنة المقبلة بنسبة 7 بالمائة إلى جانب التعجيل بإنشاء حظائر صناعية قبل نهاية العام الجاري، في وقت تسابق الجزائر الزمن لإرساء منظومة صناعية قوية وإعادة الاعتبار لعدة قطاعات نذكر منها النسيج والميكانيك وكذا في المجال الالكتروني والكهرومنزلي التحضير جاري، وتعوّل في كل ذلك على إعادة استقطاب ونشر الاستثمار الاقتصادي المنتج للثروة في ظل مخاوف الجبهة الاجتماعية من عودة تفشي البطالة رغم أن الحكومة طمأنت أن عدم الوقوع في أي أزمة اقتصادية مازال في المتناول، وبالإضافة إلى التدابير التي اتخذت مبكرا أي خلال الأشهر السابقة وبعد أن سجل النفط تراجعا آخر صنف أنه في حالة تهاوي قصوى.

في البداية شكّل التقليل من فاتورة الواردات التي بلغت الذروة  مقارنة مع منتصف العشرية السابقة وكذا تشجيع استهلاك المنتوج الوطني من خلال إطلاق حملة واسعة أرفقت بالتحسيس والتوعية حتى يستمر في سيرورة المؤسسة الإنتاجية التي تواجه منافسة شرسة خاصة عقب التوقيع على عقد الشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي وإغراق السوق بمختلف المنتجات حتى تلك التي تنتج محليا ولسنا في حاجة إليها، وبالموازاة مع ذلك من المقرر أن يعقد لقاءين وطنيين أحدهم للتقييم واتخاذ القرارات التي تصّب في تعزيز الآلة الإنتاجية وتقوية النسيج المؤسساتي ويتعلق بقمة الثلاثية المرتقبة منتصف شهر أكتوبر الداخل، وقبل ذلك الخبراء، إلى جانب إطارات المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي مطالبين بالاجتماع منتصف شهر سبتمبر الجاري لصياغة مخطط وطني عاجل لمواجهة تداعيات تراجع أسعار النفط وانكماش إيرادات العملة الصعبة إلى النصف، كون الوضع يستدعي الاتفاق على الحلول التي تضع الجزائر في وضعية مريحة، لكن وعلى ضوء العديد من التجارب لا يكفي تسطير الاستراتجيات وطرح التدابير واستحداث الإجراءات دون توفير آليات التجسيد وحضور عنصر الجدية في التجسيد الذي كثيرا ما يغيب في العديد من التشريعات السابقة والتي استحدثت بهدف النهوض بقطاع خاصة ما تعلق بتفعيل الاقتصاد وتسريع وتيرة الاستثمار الذي ينتظر توسيعا وانفتاحا كبيرا على الشراكة.


القطيعة مع ذهنية اللامبالاة
وإن كان لا يكفي أن تعطى الأوامر للبنوك أو الإدارة بوجه عام لتسهيل التمويل والمساهمة بفعالية في تمويل المشاريع الواعدة ذات الطابع المنتج للثروة الاقتصادية، وإنما يستلزم الأمر في الوضع الراهن المفتوح على العديد من المخاوف، القفز إلى مرحلة معاقبة كل ما يعرقل سير التنمية مستمدا سلوكه من الذهنية المتشبعة بالبيروقراطية، لأن التمويل وتسهيل الإجراءات الإدارية وتوفير العقار الصناعي للمستثمر الحقيقي والصرامة في التعامل مع كل من يخرق القانون بات ضروريا. وما تجدر إليه الإشارة  فإن المؤسسة العمومية في قلب معركة التنمية وفي واجهة التحديات ويجب أن يسند تسييرها للكفاءات وتحفيز المسير الناجع حتى يكون نموذجا في عالم الاقتصاد ومجال النسيج المؤسساتي وتعمّم تجربة نجاح مؤسسته.
ويحتل إعادة الاعتبار للتصدير أهمية قصوى توازي ترشيد النفقات ووضع حد للتبذير الذي صاحبه إعادة النظر في تكلفة العديد من المشاريع بعد انطلاقها وقطع نصف مدة آجال انجازها. ومن المقرر، كما أعلنه الوزير الأول، أن يتم تقليص النفقات في قانون المالية 2016 الذي يعكف على إعداده في الوقت الحالي بنسبة 9 بالمائة وان كان الخبراء الاقتصاديين قد وصفوا النسبة بغير الكافية على اعتبار أن اسعار النفط مرشحة للانخفاض أكثر في ظل صعوبة توقع السقف الذي يمكنها الاستقرار عنده. ومن بين الإجراءات التي سيتعزز بها مشروع قانون المالية للسنة المقبلة نذكر
 اتخاذ إجراءات يقال انها تتمتع بالكثير من الصرامة في إطار مواجهة التهرب الضريبي من دون أن يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، ويجري الحديث ان قانون المالية المقبل سيتعزز بإجراءات تكرس ما يطلق عليه بالعدالة الضريبية على جميع المتعاملين الاقتصاديين. ويضاف الى كل ذلك التدابير التي اتخذت في قانون المالية التكميلي 2015 وشرع في تجسيدها خلال الأسابيع الفارطة.
اذا الجزائر في مواجهة تداعيات تراجع أسعار النفط التي يمكنها التحكم فيها في ظل وجود صندوق ضبط الايرادات والمدخرات السابقة من العملة الصعبة لكن كما تم الاعلان عنه المرحلة  تستدعي إرساء مخطط عملي ناجع ولا يخفى أن المرحلة الاقتصادية الراهنة حرجة تتطلب قوة تجسيد القرارات على أرض الواقع وعدم الاكتفاء بطرح التدابير دون عدم معاقبة من يقفز عليها ويتسبب في عرقلة تطبيقها.