طباعة هذه الصفحة

مقومات الإقلاع الاقتصادي كبيرة ومتاحة

تطبيـق القوانين وخوض تحول اقتصادي مبني على الجهد والابتكار

فضيلة بودريش

عرفت المائدة المستديرة الأولى من نوعها التي عكفت على تشريح رهانات الاقتصاد الوطني والتحول الطاقوي، بحر الأسبوع الجاري، نقاشا عميقا ومفتوحا على جميع الآراء والمقترحات، شارك فيه خبراء بارزون، وأخذت الجلسة منحى تصاعديا من حيث تدفق الأفكار والرؤى، حيث غاص الخبراء الجزائريون والأجانب بدقة كبيرة في الواقع التنموي والآفاق التي يمكن للجزائر أن تتطلع إليها ونوعية الآليات والأدوات التي يتم اتخاذها لتجاوز مرحلة إشكالية الإقلاع الاقتصادي.

حظيت القطاعات المنتجة للثروة على غرار الفلاحة والصناعة والسياحة وإيلاء أهمية كبيرة للابتكار في تدخلات الخبراء، سواء المختصين في الطاقة الذين ركزوا على تحديات التحول الطاقوي أو أولئك الذين لديهم اهتمامات أخرى تتعلق بالصناعة أو الابتكار وما إلى غير ذلك. وكان الوزير الأول صائبا عندما وضع يده على جوهر الإشكالية التي يمكن تجاوزها لتحقيق ما تصبو إليه الجزائر، من القفز إلى نسب نمو تتناسب وقدراتها الكبيرة، حيث لم يخف سلال بصراحة كبيرة، أنه لا حاجة لنا في اللجوء إلى جهاز لمكافحة الفساد أو التجند بصرامة لمواجهة البيروقراطية وقطع دابرها، في ظل النجاح في إرساء الشفافية والمساواة. إذ لا بديل عن تطبيق القوانين بحذافيرها وبقوة على أرض الواقع، في ظل الترسانة الضخمة التي أطلقها المشرع الجزائري، لأنه لا معنى لتوصيات الخبراء التي ينظر إليها بعين المنقذ والمحرك لقاطرة النمو، أمام التماطل وغض الطرف عن تنفيذ النصوص القانونية بصرامة وعلى الجميع وإلا برزت المحسوبية والرشوة ويتزايد عدد المتسلقين الذين يقفزون على القانون.
ولعل ترشيد النفقات الذي اعتمدته الجزائر منذ العام 2014 وبدت آثاره واضحة على تراجع حدة تكلفة الواردات، لا يكفي وحده، بل يشترط لكي تتجاوز الجزائر أي أزمة تعصف بها أو تتجنب أثار أي تقلبات جديدة في سوق النفط أن تكون أداة الترشيد مقترنة بمضاعفة الجهد التنموي وتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية في عدة قطاعات، رأى الخبراء أن للجزائر فيها قدرات مذهلة على غرار الفلاحة التي صنفت في صدارة الترتيب، بالنظر إلى الأراضي الخصبة والشاسعة التي تصلح لزراعات الكثير من المنتجات، إلى جانب وفرة اليد العاملة والموارد المالية ولا ينقص سوى الاستثمار الجاد والقوي وتنظيم عمليات التصدير في هذا المجال، بل تخصيص مساحات ومنتجين في الفلاحة فقط للتصدير، لتكون العملية منتظمة دون انقطاع.
ويمكن للقطاع السياحي أن يكون أحد مقومات النمو الرئيسة في الجزائر، إذا ما تم الاستثمار الجيد فيه وأسندت مهمة التسيير إلى الكفاءات ورفع تنافسية هذا القطاع الاستراتيجي الذي يدر الثروة على عديد الدول التي لا تملك نصف الإمكانات التي تتوافر عليها الجزائر ومع ذلك تستقطب الملايين من السياح من مختلف البلدان القريبة والبعيدة، كونها تمكن من التحكم في مسألة استقطاب السياح.
يذكر، أن الخبراء قالوا إن الجزائر في الوقت الحالي في حاجة ماسة إلى إقلاع قوي ولا خيار أمامها سوى أن تسرع في ترقية قطاعات خارج مجال الطاقة، لأنه حان الوقت لوضع قطيعة مع الاتكال على المحروقات وإلا واجهت مشاكل ودخلت في دائرة أزمة حقيقية على المدين المتوسط والبعيد.
ويحتل جانب الابتكار مساحة واسعة من مقترحات الخبراء، حيث ذكروا أن الجزائر تحتاج إلى نظام وطني للابتكار والمعلوماتية، كونها موردا حقيقا لخلق الثروة وامتصاص البطالة، إلى جانب النظر في كيفية ربط المخترع بالمصانع حتى يتسنى تحويل الابتكار نحو الاقتصاد الوطني ومن ثم نحو الأسواق العالمية.
وأهم ما تقاطع حوله الخبراء، أن للجزائر بنية قوية ومقومات متنوعة تمكنها من إقلاع اقتصادي ناجع يضاهي إقلاع الدول الناشئة.