طباعة هذه الصفحة

المنطقة العربية الكبرى للتبادل الحر

لماذا تراجعت الصادرات الجزائرية خارج المحروقات؟

إعداد: سعيد بن عياد

المؤسسة الإنتاجية في قلب المنافسة ومطالبة بالمبادرة

«المتعامل الجزائري لا يزال يتحرك بانفرادية بدل الانتظام في شكل مجموعات متكاملة وذات فعالية تضم إليها خبراء في الترويج والتفاوض والتسويق»
«المتابعة والتمحيص ليكون صاحب القرار الاقتصادي على كافة المستويات خاصة أصحاب المؤسسات الإنتاجية المختلفة والغرف التجارية على اطلاع بشأن الواقع ومن ثمة التحكم في لوحة القيادة التجارية»
سجل الميزان التجاري للجزائر في المنطقة العربية الكبرى للتبادل الحر عجزا بحوالي 351 مليون دولار في سنة 2015، مقابل فائض تعدى 1 مليار دولار في سنة 2014 مثلما كشفت عنه إحصائيات الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية (الجيكس)، مشيرة إلى أن الصادرات الجزائرية نحو السوق العربية تراجعت بحوالي 40 بالمائة لنفس المقارنة.
وتبين المؤشرات أن الصادرات من المحروقات انخفضت بشكل قوي إلى حوالي 2,1 مليار دولار في 2015 بعد أن بلغت 3,5 ملايير دولار في 2014 بالرغم من تسجيل زيادة في حجم الصادرات بحوالي 40 بالمائة.
أما في مجال الصادرات خارج المحروقات فقد تراجعت بدورها في سنة 2015 بنسبة 52 بالمائة لتبلغ121 مليون دولار وتمثلت أبرز المنتجات التي شملها التراجع في السكر بـ 70 بالمائة بمبيعات بلغت 48 مليون دولار فقط.
وتظهر الأرقام التي تستحق التحليل من الخبراء ليكون المتعاملون في صورة الوضعية الحقيقية لهذه السوق أن 71 بالمائة من حجم الصادرات خارج المحروقات توجهت بصورة قوية إلى زبائن بأسواق كل من تونس، المغرب، لبنان وسوريا.
واستنادا لذلك، تعتبر تونس أول زبون للجزائر في منطقة التبادل الحر العربية بـ 22 بالمائة من الصادرات بمبلغ 39 مليون دولار منها 27 بالمائة منتجات السكر، 20 بالمائة زجاج مسطح، 8 بالمائة مياه معدنية وغازية و5 بالمائة عصير فواكه.
ويحل المغرب في المرتبة الثانية ضمن ترتيب أول زبائن الجزائر خارج المحروقات في المنطقة العربية للتبادل الحر بحوالي 18,3 بالمائة (امونياك 81 بالمائة، تمور 9 بالمائة، زجاج مسطح 3بالمائة وزجاج الأمان 3 بالمائة).
ثم تليها لبنان بـ11 بالمائة وسوريا بـ 10 بالمائة والمملكة العربية السعودية بـ 5,5 بالمائة.
ولا تزال بعض الوجهات في هذه المنطقة الناشئة والتي تخضع لتنافسية معقدة تتسم بالصعوبات في وجه المنتجات الجزائرية من خلال اعتماد بعضها كالحالة المصرية منظومة إجراءات وترتيبات متداخلة وذات صرامة لا تشجع الوافدين إليها بالشكل والنمط اللازمين لتجسيد الأهداف المعلنة في اتفاقية المنطقة العربية الكبرى للتبادل الحر، بحيث لا تزال ممارسات تنظيمية وتشريعية تصنع التمييز وتنصب المتاريس أمام المتعاملين من خارجها. بينما تقدم الجزائر كافة التسهيلات وتفتح الباب واسعا أمام المؤسسات والمتعاملين العرب المستفيدين بشكل كبير من مزايا المنطقة العربية الحرة (ملف للمتابعة).
وتخضع المنطقة العربية الكبرى للتبادل الحر لاتفاقية تسهيل تنمية المبادلات التجارية بين الدول العربية التي تم التوقيع عليها بتونس في 1981 ودخلت حيز التطبيق في جانفي 2009 وتضم 19 بلدا عربيا. وبموجبها فإن المنتجات العربية الصناعية والفلاحية تستفيد من إعفاءات جمركية ومن دفع الرسوم المشابهة عند التصدير والاستيراد.
غير أن الممارسة الميدانية في أسوق المنطقة العربية الكبرى للتبادل الحر أظهرت بعض الفجوات مما انعكس سلبا على جانب التنافسية بحيث تغلب الجانب التجاري البحت عن الجانب الاستثماري الإنتاجي إلى درجة أن هناك مؤسسات اقتصادية في بلدان غير عربية بمنطقة المتوسط تسللت إلى السوق العربية الحرة بهوية منتوج عربي مزيف ليكون المستفيد الأكبر اقتصاديات بلدان صناعية تعاني من أزمة تسويق.
وبهذا الخصوص برزت مسألة «شهادة المنشأ» التي جاءت لتحمي اقتصاديات البلدان العربية وتمنح أفضلية للمؤسسة المحلية، غير أنها أصبحت وبشكل مبكّر تشكل نقطة الضعف في منطقة التبادل الحرة العربية بحيث رصدت جهات المراقبة المختصة خاصة بالنسبة للسوق الجزائرية انخراط متعاملين من بلدان عربية في تحايل وتلاعب بشهادة المنشأ عن طريق جلب مواد ومنتجات جاهزة من بلدان صناعية غير عربية وتسويقها على أنها مصنعة في ذلك البلد العربي، مما أدى إلى إلحاق ضرر كبير بالسوق الجزائرية ومكانة مؤسساتها الإنتاجية من جهة وضرب مصداقية تحرير التجارة العربية البينية الناشئة من جهة أخرى.
وفي ظل أوضاع غير شفافة تلقي بظلالها على منطقة التبادل الحر العربية، لا يزال عديد المتعاملين الجزائيين خاصة في فروع ذات تنافسية يواجهون متاعب الدخول إلى أسواق عربية، حيث تعترضهم معوقات تفرزها بيروقراطية تلك الوجهات التي لا تزال تتردد في تكريس الانفتاح وتزداد صعوبة في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية الصعبة، كما يسجل ضعف على مستوى وتيرة أداء المؤسسات الجزائرية في تعاطيها مع التصدير إلى مختلف وجهات المنطقة بشكل أبعد من الوجهات الإقليمية بمنطقة المغرب العربي، للاستفادة من انتعاش الاستهلاك فيها وقطف ثمار الإعفاءات.
والملاحظ في هذا المجال أن المتعامل الجزائري لا يزال يتحرك بانفرادية في عمليات للتصدير أشبه بالمغامرة بدل الانتظام في شكل مجموعات متكاملة وذات فعالية تضم إليها خبراء في الترويج والتفاوض والتسويق من أجل تدارك الموقف والتموقع في السوق العربية الحرة بدل البقاء في موقع المتفرج، كون المعركة تقوم على ضرورة السيطرة على كافة دواليب التجارة والشعور بالمسؤولية في حسن إدارة المؤشرات الراهنة للتقليل من حجم العجز في الميزان التجاري وتصحيحي معادلته، خاصة وأن هناك إمكانيات وقدرات تؤهل لتجاوز عراقيل ومعوقات يمكن إزالتها بمضاعفة وتيرة المبادرة التجارية وإدراج المشاريع في آفاق المستقبل من خلال امتلاك قدرة الإقناع والتحمل على اعتبار أن أصعب مرحلة هي خطوة البداية.