طباعة هذه الصفحة

الأوبيب في دوامة تهاوي الأسعار وتحديات التنمية

تراجع سعر البرميل إلى أقل من 40 دولارا يهدد كافة البلدان

سعيد بن عياد

ترقب المنتدى العالمي للطاقة بالجزائر للتوصل إلى حل توافقي

تتجه منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبيب” إلى إعادة بعث وتنشيط الحوار بين أعضائها بشأن السعي إلى تقليص الإنتاج من أجل عودة توازن الأسعار التي تقف على درجة من الخطورة، ما يستدعي تحرّكا جماعيا لحماية السوق من الانهيار وما يترتب عليه من تداعيات تهدد الاقتصاد العالمي برمّته.
ترشح مصادر إعلامية تتابع شأن المنظمة، أن يكون المنتدى العالمي للطاقة الذي تحتضنه الجزائر في شهر سبتمبر المقبل، بمشاركة أعضاء “أوبيب” والبلدان المنتجة من خارج المنظمة، موعدا حاسما لوضع حجر الأساس لبناء الثقة المفقودة حتى تتمكن المنظمة التي دخلت مجال دوامة تهدد مركزها في الساحة من أجل إيجاد حل توافقي يكرس تجميد الإنتاج في مرحلة أولى وربما تقليصه في مرحلة ثانية.
وقبل ذلك يرتقب أن يطير نورالدين بوطرفة وزير الطاقة، إلى روسيا حيث يتباحث في موسكو بشأن مسألة إعادة الاستقرار المفقود للسوق البترولية ضمن تثبيت معادلة تشمل كافة المنتجين والمصدرين، ترتكز في جوهرها على معيار المصلحة المشتركة، بما يعيد انتعاش الاقتصاد العالمي المثقل بأزمة أثرت مباشرة على النمو العالمي، بما في ذلك داخل منطقة “اليورو” التي فقدت أحد أعضائها بإعلان بريطانيا انسحابها من المنتظم الأوروبي لاعتبارات ذات طابع اقتصادي ومالي بالأساس.
وكان في السابق مسعى لهذا الغرض، خاصة على مستوى اجتماع الدوحة الذي باء “بالفشل”، في ظل استمرار خلاف عميق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، بحيث تمسكت الأولى بضرورة تخلي الثانية عن مطلب الزيادة في الإنتاج بعد رفع العقوبات الدولية عن طهران، التي تعترض بدورها، متمسّكة باسترجاع سقف إنتاجها إلى المستوى الذي كان قبل تطبيق العقوبات الدولية المتعلقة بالملف النووي الإيراني. وتشير مصادر، إلى أن إيران حققت ما تريده أو تكاد بإنتاجها حاليا ما يعادل 3,6 ملايين برميل في اليوم وهي تريد بلوغ سقف 4 إلى 4,2 ملايين برميل في اليوم وهو ما يبدو أنها سوف تصل إليه بنهاية سبتمبر الداخل. وأخذ الخلاف أبعادا أدت إلى ما يشبه حالة انسداد انعكست على اضطراب مؤشرات الأسواق البترولية وتهاوي أسعار البرميل، ناهيك عن تصدعات داخل منظمة “أوبيب” مما زاد من تراجع تأثيرها في تطورات السوق البترولية التي فقدت كل ضوابطها وتحولت إلى فوضى لم يعد ممكنا السيطرة على دواليبها أو قراءة مؤشراتها في المنظور القريب والمتوسط، خاصة بدخول مضاربة إعلامية زادت من ضبابية المشهد.
وبالنظر لاحتدام أزمة أسعار النفط المنخفضة، مقارنة بكلفة الإنتاج ومتطلبات التنمية، إلى درجة أن الضرر أصبح يمس الجميع أو يتهدد من كانوا يعتقدون أنهم في منأى، فإن المخرج يتطلب انتهاج الطرفين مسارا أكثر إيجابية بالتخلي عن التعنت سواء للسعودية التي تعتقد أنها بإغراق سوق النفط سوف تغرق كذلك الشركات الأمريكية التي تنتج الغاز الصخري الذي رفع من مخزونات أكبر بلد مستهلك، أو لإيران بالتزام قواعد التبصّر والتضامن كما كانت عليه وإدراج الحقوق المشروعة في السياق الزمني المتوسط والطويل.
بالمقابل، فإنه لا يعتقد بوجود إمكانية بناء أرضية توافق بتلك السهولة وبدون انخراط روسيا التي تعتبر أكبر منتج للنفط في تنمية حوار يفضي إلى صياغة اتفاقية تجد صدى لدى كافة الأعضاء في “أوبيب” ومن خارجها، من منطلق أن السفينة البترولية تحمل الجميع ولا مصلحة لطرف بهلاك أطراف أخرى ومن ثمة طي وقائع اجتماع الدوحة بفتح صفحة جديدة تكتب في الجزائر التي سبق لها أن بادرت في فترات سابقة بإطلاق مبادرة الحوار المفتوح على أساس معيار المصلحة المشتركة لكافة المتدخلين، من منتجين ومصدرين ومستهلكين. وهو نفس التوجه لدى فنزويلا المتضرر الأول بحيث تضاعف أيضا جهودها لجمع المنتجين والمصدرين من أوبيب ومن خارجها، خاصة روسيا، للجلوس حول طاولة واحدة من أجل النقاش حول مسار عودة التوازن لسعر البرميل ومنع تقهقره إلى 40 دولارا وأقل، مما يشكل حينها خطرا يداهم كافة البلدان، بما فيها تلك التي تملك حاليا احتياطيا ضخما بالعملة الصعبة، سرعان ما يُستنزف بفعل متطلبات التنمية التي أصبحت أكبر تحديا لدى كافة البلدان ومن ثمة لا يوجد سبيل أفضل من خيار التوافق على معدل سعر عادل ومنصف لفترة 3 إلى 5 سنوات حتى يتعافى الاقتصاد العالمي ومنه يمكن تكريس الاستقرار والرفع من النمو.
وفي الوقت الذي يتوقع فيه خبراء عودة انتعاش الأسواق البترولية في 2017 بانتعاش الأسعار تدريجيا، بحسب الوكالة الدولية للطاقة، يراهن على أن يكون تراجع الاستثمار في الحقول البترولية بفعل انخفاض الأسعار حاليا حافزا لانتعاش الأسعار، مثلما تتوقعه بعض كبريات الشركات العالمية. غير أن خبراء آخرين يؤكدون أن الأسعار تحدد في المستقبل وفقا لتطور معادلة العرض والطلب. فيما اعتبر الوزير الأسبق للطاقة عبد المجيد عطار، في تصريح أوردته مصادر إعلامية، أن الأمر يتوقف على وتيرة نمو الاقتصاد العالمي الذي تأثرت مؤشراته مؤخرا بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مضيفا أن هناك عاملا آخر يتحكم في المسألة، يتمثل في الوضع الجيوسياسي داخل وخارج البلدان المنتجة، خاصة ليبيا والعراق، فإن لم يتغير الوضع هناك تبقى الأسعار عند معدل 50 دولارا، وإذا تدهورت الأوضاع سوف يتراجع إلى 40 دولارا، بينما توقع أن يتراوح السعر بين 40 و50 دولارا للبرميل إلى غاية نهاية السنة الجارية. ولاحظ ذات الخبير، أنه كلما تعدّى السعر سقف 50 دولارا للبرميل بدولار ودولارين يرتفع إنتاج الغاز الصخري (شيست) في أمريكا ليضغط على ميزان العرض والطلب بزيادة كفة الأول. علما أن متوسط كلفة إنتاج نفط “الشيست” تدور حول 50 دولارا.