طباعة هذه الصفحة

الطريق إلى الأسواق الإفريقية

المؤسسة الجزائرية في مهمة شاقة لكن غير مستحيلة

سعيد بن عياد

«المؤسسات الإنتاجية لتجسيد التطلعات المصيرية وتجاوز تداعيات  انهيار أسعار المحروقات”

تعتبر الأسواق الإفريقية المختلفة، الوجهة الانجع التي يمكن بناء جسر للتصدير إليها حيث توفر للمنتجات الجزائرية فرصا للتسويق إذا ما انتقلت المؤسسة الإنتاجية بكافة أصنافها إلى مرحلة أداء جديدة ترتكز على إدراك أهمية التغيرات التي تجري في السوق ومن ثمة اقتناص الفرص المتاحة، خاصة بعد أن سطرت الدولة مسارا يقود إلى إفريقيا من خلال انجاز البنية التحتية للنقل وربطها مثل شبكة الطرق والموانئ والسكك الحديدية.
في انتظار ما تحققه أشغال منتدى الاستثمار في إفريقيا المزمع تنظيمه في ديسمبر القادم يبدو أن عملا كبيرا ينتظر المؤسسة الجزائرية لتكون في مستوى الموعد والدخول مباشرة في انجاز مشاريع للتصدير، خاصة في قطاعات الصناعة الغذائية وبعض المواد الزراعية والصناعة التحويلية والمشروبات الغذائية المختلفة.
وما أن يحل الموعد يفترض أن تكون المؤسسات الجزائرية جاهزة بمشاريع واضحة تضمن ما يرشح للتصدير بكافة مستلزمات البيانات حول المنتوج محرّرة باللغة المتداولة في كل سوق إفريقية واقتراح أسعار تتطابق مع القدرة الشرائية لكل بلد إفريقي أخذا في الاعتبار التدرج في كسب موقع في السوق وإلمام واسع بمعطياتها وعلى دراية بمؤشراتها من كافة الجوانب المتعلقة بالإجراءات لإدخال السلع ومعايير الجودة وآليات عمل الإدارة التجارية المحلية.
لكن الظاهر أن هناك شروط أولية ينبغي أن تتوفر عليها المؤسسة الجزائرية ومن بينها التحكم في السوق والاطلاع على مختلف الأسواق الإفريقية من حيث الاحتياجات وميولات المستهلكين هناك، وهي مسألة جوهرية لا يمكن التعرف عليها في منتديات وملتقيات بقدر ما يجب التنقل إلى عين المكان للاحتكاك بالسوق والبحث عن ممثلين يوّفرون الضمانات.
غير أن كسب المعركة باتجاه إفريقيا ليست مستحيلة وان كانت صعبة حقيقة، ويتطلب الأمر منذ البداية إدراك المتعاملين الجزائريين لذلك والتركيز على بناء تكتلات وفقا لكل فرع اقتصادي أو تشكيلة منتوجات متجانسة للتوجه إلى المقصد الإفريقي في شكل مجمعات للتصدير، مما يعطي المتعامل قوة ويوفر له حماية لمصالحه بدل البقاء في مرحلة العمل بشكل فردي، مما يعرض لمخاطر كبيرة، ينبغي أخذها في الحسبان لتفادي الوقوع في عمليات نصب واحتيال أو تلاعب يحرم المتعامل الجزائري من حقوقه.
 لذلك جاء التحرك تحت لواء الدولة الجزائرية ليكون ضمانة للمؤسسات الإنتاجية التي تتوفر على حد أدنى من القدرة التصديرية حتى تقتحم الأسواق المستهدفة بفعالية ونجاعة تعكس وجود إرادة لتحقيق الهدف الاستراتيجي المتعلق بالنمو، في وقت يتضح فيه حجم التحدي القائم جراء أزمة انهيار أسعار المحروقات والانعكاسات السلبية للتبعية للنفط.
 في هذا الإطار يندرج خيار بناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع تحت عنوان النموذج الجديد للنمو تكون المؤسسة قاطرته الميدانية، مستفيدة من منظومة واسعة للتحفيزات والمرافقة والدعم والإعفاءات الجمركية والضريبية إلى جانب تيسير الحصول على العقارات الصناعية ومنح الأفضلية للمنتوج المحلي أمام نظيره المستورد عن طريق نظام البيع بالتقسيط من أجل كسب الثقة وتعزيزها محليا للانطلاق نحو الوجهات الإفريقية بروح التنافسية.
ولئن توجد مبادرات فردية من مؤسسات محدودة ركبت أمواج التصدير بالتواجد في نقاط عددية عبر أدغال إفريقيا، فإنها تحتاج لمزيد من الدعم من مؤسسات أخرى لتقوية الصفوف وبناء تكتلات متكاملة، تقوم على المصلحة الوطنية المشتركة التي تستمد منها مصلحة المؤسسة أو المتعامل، في مواجهة لوبيات من أوروبا وأمريكا وحتى من آسيا تعتبر السوق الإفريقية بكافة ألوانها مساحة “مستباحة” تجاريا ومن ثمة تضع العوائق لكسر أي تواجد تعتبره منافسا لها، وهو ما ينبغي الالتفات إليه من جانب المتعاملين الجزائريين.
بالفعل بادر بعض هؤلاء بإطلاق عمليات للتصدير إلى بعض البلدان الإفريقية من خلال تأسيس تواجد محلي يمكن البناء عليه ضمن رؤية وطنية شاملة تكون فيها مصلحة المؤسسة مكملا لمصلحة الاقتصاد الوطني الذي بقدر ما تكون مؤشراته ايجابية بقدر ما تحقق المؤسسة الإنتاجية مكاسب والعكس صحيح، في وقت تعرض فيه مؤشرات المشهد الوطني العام أرقاما من الواجب أن تنكب عليها المؤسسة الجزائرية بالدراسة، والتحليل لتسطير ورقة الطريق المتعلقة بالتصدير خارج المحروقات.
للتذكير استثمرت الجزائر بشكل واسع في انجاز وعصرنة المنشآت القاعدية التي تحمل تطلعات الاقتصاد الوطني للتصدير خارج المحروقات على غرار توسيع شبكة الطرق خاصة الطريق العابر للصحراء وربطها بالموانئ والمطارات وشبكة السكة الحديدية، فيما أطلقت مشاريع لانجاز أقطاب للتصدير، إضافة إلى اتخاذ إجراءات جديدة لتسهيل العمليات التصديرية بإلغاء العديد من الإجراءات والوثائق ذات الطابع البيروقراطي. ويواكب مختلف المتدخلين في هذا المسار الديناميكية الجديدة بالرفع من وتيرة التواصل مع المؤسسات والاقتراب من رجال المال والأعمال المهتمين بالتصدير.
 تعتبر الكرة حاليا في مرمى المؤسسات الجزائرية، خاصة تلك التي تشكل القوة الضاربة للاقتصاد الوطني، عمومية وخاصة لتجسيد التطلعات المصيرية ومن ثمة تجاوز منعرج تداعيات أزمة انهيار أسعار المحروقات بوضع المؤسسة الإنتاجية في صميم كل المبادرات وبرؤية شاملة أكبر بكثير من مجرد البحث عن مصالح ضمن إطار المؤسسة أو المقاولة ذاتها.