طباعة هذه الصفحة

الدكتور كمال رزيق لـ «الشعب» :

إعادة النّظر في الانتشار المصرفي والتفتح على الصّيرفة الإسلامية

حاورته: فضيلة بودريش

من الضّروري إطلاق مبادرة النّوافذ التّكافلية في شركات التّأمين العمومية

قدّم الدكتور كمال رزيق أستاذ العلوم الاقتصادية تشريحا مستفيضا حول الرهانات والأهداف المنتظرة، من خلال تحضير البنوك العمومية لإطلاق الخدمات المصرفية الإسلامية، وأثار العديد من المقترحات التي يرى أنه من شأنها أن تعزز هذا الخيار المالي، وتوقع إذا تم تجسيده بالشكل الجيد أن ينجح في استقطاب نصف أموال السوق الموازية في مدة لا تتجاوز الـ 5 سنوات، ووقف بلغة الأرقام على مشروع قانون المالية  لعام 2018، ويرى أنّه حان الوقت من أجل إرساء إصلاحات جبائية واسعة، في ظل الجهود القائمة من أجل تسريع وتيرة التنمية والاستمرار في إنعاش الاقتصاد الوطني عبر التركيز بشكل جوهري على الاستثمار.

❊ الشعب: يحضّر على مستوى البنوك لطرح خدمات تصنّف ضمن التّعاملات الإسلامية..ما هو المطلوب لإطلاقها؟
❊❊ الدكتور كمال رزيق: بالفعل فئة معتبرة من الجزائريين كانت تتطلع لطرح مثل هذا النوع من الخدمات الذي لديه زبائنه، بعد إقرار طرحه من طرف البنوك العمومية بعد أن كان مقتصرا على البنوك الخاصة في تجربتها مع الصيرفة الإسلامية، ولعل تعزيز هذا التوجه بإدراج أحكام تنظيمية وقانونية تسمح بتطأير جيد للميكانزمات البنكية للصيرفة الاسلامية، بحيث تكون مكمل للمنظومة البنكية الراهنة التي تتجه نحو عصرنة من خلال إدخال منتجات بنكية جديدة وتوسيع الرقمنة.
لقد توقّعت في إطار إرساء إطار قانوني للنوافذ البنكية الإسلامية توسيع التعديلات في قانون النقد والقرض في بعض المواد لتشمل إدخال تعديلات في قانون النقد والقرض تخص على وجه الخصوص مواده 67 و68 و73 ونقترح أن تكون على النحو التالي:
المادة 67: «....كما يمكن للبنوك المرخص لها بممارسة العمليات المصرفية الإسلامية، أن تتسلم أموالا من الجمهور من أجل استثمارها في عمليات تمويل مقابل مشاركتها في نتائج هذه العمليات، طبقا للشروط والكيفيات المبينة في اتفاقية فتح حساب الاستثمار».
المادة 68: «.....كما تعتبر عمليات ائتمان كذلك عمليات تمويل المؤسسات الاقتصادية أو الأفراد بإحدى الصيغ الإسلامية التالية:
- المشاركات الظرفية أو المتناقصة في عمليات أو مشاريع أو مؤسسات اقتصادية، من خلال عقود المشاركة أو المضاربة أو المزارعة أو المغارسة أو المساقاة أو الوكالة بالاستثمار.
- البيع مباشرة أو عن طريق وكيل بثمن حال أو مؤجل أو مقسط، من خلال عقود المرابحة أو المساومة لسلع يشتريها البنك أو المؤسسة المالية لهذا الغرض.
- التسبيقات على سلع من خلال عقود السلم.    
- عقود الإجارة سواء كانت منتهية بالتمليك أم لا للأصول والخدمات.
- عقود المقاولة بصيغة الاستصناع.
المادة 73: «خلافا للأحكام القانونية المتعلقة بالاكتتاب، يمكن للبنوك والمؤسسات المالية أن تتلقى من الجمهور أموالا موجهة للتوظيف في شكل مساهمات أو في أي شكل آخر من التمويلات...والباقي دون تغيير».
كما نقترح أيضا إعادة النظر في النظام الضريبي المطبق على بعض اليات الصيرفة الإسلامية لتفادي الازدواج الضريبي خاصة في آليات البيوع المطبقة من طرف البنوك و النوافذ الإسلامية  بالإضافة إلى كل ذلك نقترح تشجيع التأمين التكافلي، لأن الصيرفة الإسلامية من دونه لن تتطوّر كثيرا، كون مجمل هذه العقود وأعمال هذه الأخيرة مرهون بالضمان أي التأمين التكافلي، لذا لابد من إطلاق مبادرة النوافذ التكافلية في شركات التامين العمومية وأيضا إعادة النظر وإصلاح قانون التأمين لكي يتطور هذا النوع من التامين، لأن الصيرفة الإسلامية بدون التامين التكافلي مثل السمكة بدون ماء والعكس صحيح.
استقطاب نصف أموال السّوق الموازية في ظرف 5 سنوات
    ❊ ألسنا متأخّرين في إدراج هذه التّعاملات؟ وكيف تتوقّعون الإقبال عليها؟
❊❊ بالفعل العديد من الدول العربية والإسلامية سبقتنا في تطبيق خدمات الصيرفة الإسلامية بشكل واسع، لذا الفرصة أمامنا كبيرة لتفادي الأخطاء التي وقعت فيها العديد من الدول لخوض تجربة ناجحة، وما ننتظره في البداية بخصوص استقطاب الأموال الموجودة خارج الإطار الرسمي، أن تكون في حدود 10 بالمائة فقط، لكن اذا تم إدخال سلسلة من التعديلات التعديلات واختفى الازدواج الضريبي في هذه المعاملات، أعتقد أن الإقبال سوف يكون معتبر، ويمكن أن يصل في حدود 5 سنوات استقطاب نصف ما هو موجود من أموال خارج الإطار الرسمي.
❊ كيف نجعل من التّمويل غير التّقليدي يحقّق الأهداف المرجوّة، في ظل إبداء العديد من الخبراء تخوّفهم من هذا الخيار؟
❊❊ الأمر سيكون على ما يرام إذا تمّ استعمال التمويلات فقط لتمويل الاستثمارات كما تم الإعلان عنه، دون نفقات التسيير، وإذا تم التحكم في المبالغ بما يسمح للاقتصاد بإرجاعها في أقرب وقت، سوف نتطلع الى نتائج مقبولة وإيجابية، وأما إذا حدث العكس سوف تكون النتائج سلبية على الاقتصاد والنقد في البداية ثم سينعكس ذلك على القدرة الشرائية للمواطن في المرحلة الثانية، لذا من الضروري أن يتم استعمال هذا الخيار بحذر كبير ولا يتم الإفراط في استعماله.              
إعادة النّظر في المنظومة الجبائية
❊ بعد إدراج تعديلات على قانون «النقد والقرض»..ما هي الأهداف المرجوّة من هذه المراجعة في النص التشريعي؟
❊❊ أي التعديلات مست فقط المادة 45 التي تسمح بالتمويل عن طريق التمويل غير التقليدي، وأغتنم الفرصة لأدعو من أجل السير نحو مراجعة بعض المواد من هذا القانون القانون خاصة ما تعلق بالمادة 67 و68 و73 منه، حتى ننفتح أكثر نحو تكريس المزيد من الإصلاحات في ظل توجه الجزائر نحو خيار الاستثمار، علما أنه عام 2018 سيكون سنة لإنعاش الاستثمارات، ويعني ذلك تقديم المزيد من الدعم للمؤسسة الإنتاجية، سواء تلك التي ستنشأ أو الراغبة في التوسع.
❊ ما هي معالم مشروع قانون المالية لعام 2018؟
في هذا المقام ينبغي أن نقسم الموضوع الى قسمين:

الأول فيما يتعلق بالتدابير ذات العلاقة بالميزانية، فتقدر الإيرادات بـ 58 ، 6496 مليار دينار، أي من خلال تسجيل زيادة ٠٨ . ٨٦١ ملياردينار عن  2017 ، مشكلة من 68 ، 3688 مليار دينار من الموارد العادية، أي بزيادة ٢٨ . ٢٥٣ مليار دينار عن سنة 2017، و91 ، 2807 مليار دينار من الجباية البترولية أي بزيادة ٨٠ . ٦٠٧ مليار دينار عن سنة 2017، وتعتبر هذه الزيادات ليست بالضخمة، كما يتضح أن الزيادة البسيطة في الموارد العادية بما فيه الجباية العادية، لم تأخذ حسب اعتقادي بعين الاعتبار حصيلة الضريبة على الثروة، كما يتضح أن هذه الضريبة الجديدة لم تكن أصلا ضمن مشروع قانون المالية بل أدخلت متأخرة بعد خطاب رئيس الحكومة في مجلس الأمة، لكن لم تقدر قيمة حصيلتها، لذا أتمنى تدارك ذلك من اجل إنقاص حجم العجز الأولي لميزانية 2018.
كما يتضمن مشروع قانون المالية 2018 مبلغ نفقات التسيير قدّر بـ 46 ،  584 . ٤ مليار دينار مقابل مبلغ 8 ، 591 . ٤ مليار دينار سنة 2017 وهذا بتخفيض بسيط يقدر بـ ٣٤ . ٧ مليار دينار، أما نفقات الاستثمار ارتفعت إلى 01 ، 2175 مليار دينار وعمليات برأس المال تقدر بـ 3 ، 1868 مليار دينار. وهذا يدخل في إطار قرارات الحكومة ببعث الاستثمارات المجمدة والمتعلقة بقطاعات حساسة مثل التربية والصحة وقطاع الماء، وأيضا دفع ديون الحكومة على المؤسسات خاصة سوناطراك وسونلغاز ومؤسسات قطاع السكن والأشغال العمومية، كما يلاحظ لأول مرة منذ سنوات باستثناء سنة 2011 ، أن نفقات التجهيز صارت أكبر من نفقات التسيير في ميزانية الدولة وهذا أمر جيد، رغم أن هذه الزيادة تخص عمليات رأس المال.
كما يلاحظ بقاء الطابع الاجتماعي للميزانية من خلال تخصيص حوالي 1760 مليار دج للتحويلات الاجتماعية رغم الأزمة المالية التي تعاني منها الجزائر، فهذا خط أحمر من طرف الحكومة لمساعدة الطبقات الهشة، في ظل وجود مقترحات من أجل مراجعة الدعم المخصص لهذه الشرائح.
  التّدابير الجبائية لميزانية 2018 جيّدة
@ ثانيا: فيما يتعلق بالتدابير الجبائية لهذه الميزانية فجاءت بأمر جديد ألا وهو فرض الضريبة على الثروة التي كانت موجودة من قبل لكن بتسمية مغايرة، وأتوقّع أن من شأن هذه الضريبة أن تحقق المساواة في تحمل الأعباء العامة للميزانية، وبالتالي فرضها خطوة جيدة، لكن أدعو إلى الرفع من المبلغ الذي نشرع فيه حساب هذه الضريبة، على اعتبار أن 50 مليون مبلغ بسيط يمكن أي جزائري وأقترح أن يرفع إلى 100 مليون دينار أحسن، مع تخفيض النسب من 1 إلى ٥ . ٣ بالمائة، إلى ٥ . ٠ و٥ . ١ بالمائة، حتى لا يتحايل البعض ويهربون أموالهم إلى الخارج.
وما تجدر إليه الإشارة، فإن مشروع قانون المالية 2018 رفع من عدة رسوم، وأدرج بالموازاة مع ذلك ضرائب جديدة لمواجهة انهيار عائدات الجباية البترولية و الحفاظ على البيئة. علما أنه سيتم رفع الرسم على المنتجات البترولية المطبقة على البنزين والمازوت، وكذا الرسم الإضافي على منتجات التبغ.
ونذكر في ذات المقام أنّه تمّ استحداث رسم على التوطين البنكي لعمليات الاستيراد بنسبة 1 بالمائة من قيمة الاستيراد، وفي إطار الحفاظ على البيئة سيتم رفع الرسوم على النشاطات الملوثة و المياه  الصناعية المستعملة وظالزيوت المستعملة والأكياس البلاستيكية وما على غير ذلك.   
وتصب العديد من الإجراءات التي تضمنها مشروع قانون المالية للسنة المقبلة في إطار البحث على موارد جديدة، لكن البعض منها ستمس جيوب المواطنين خاصة ما تعلق زيادة الضرائب على المازوت والبنزين.
❊ كيف يمكن صياغة قانون المالية بشكل يحافظ على المكاسب ولا يهدّد النمو؟
❊❊ حسب تقديري يمكن أن يتجسّد ذلك بنسبة عالية من خلال تبني ميزانية البرامج المنتهية بنتائج، بدل خيار ميزانية الوسائل لان الموارد أصبحت قليلة، و لابد استعمالها بشكل جيد ودقيق، ومع إعادة النظر في المنظومة الجبائية بما يسمح الرفع من التحصيل مع التخفيف من الضغط الضريبي، وإصلاح جذري للمنظومة المصرفية بشكل يسمح باستقطاب الأموال الموجودة خارج المنظومة، وعن طريق إعادة النظر في سياسة الانتشار المصرفي والتفتح الحقيقي على الصيرفة الإسلامية، لتمكين جمع المال وتوجيهه إلى الاستثمار ممّا يخلق الثروة ويرفع حجم الضرائب المحصلة، والتي بدورها سوف يتم استعمالها بشكل جيد في الميزانية التي سوف تحفظ المكاسب وترفع النمو، وتعكف على تعزيزه.