طباعة هذه الصفحة

مناخ محفّز وإشارات إيجابية

المقاولاتية.. تؤسس لمسار إنتاجي متنوع

سعيد بن عياد

إدراج المقاولة ضمن البعد الاستراتيجي للتحوّل الاقتصادي

يراهن على مسار المقاولاتية لتجاوز الوضعية الاقتصادية الصعبة نحو أفق يؤسس لاقتصاد خارج المحروقات من خلال الاستثمار في كافة المجالات التي تتوفر على عناصر النمو، مثل الفلاحة والصناعة التحويلية والسياحة وخاصة الصيد البحري وتربية المائيات. وهي قطاعات ذات جدوى تتطلّب فقط روح المبادرة والقدرة على المغامرة وحب مواجهة التحدي على أرض الاستثمار، خاصة في رحاب جغرافيا متنوعة وملائمة كما هو الحال في الهضاب العليا والجنوب.

في هذا الإطار، شرعت منذ أول نوفمبر الذي يرمز للقدرة على رفع التحديات قافلة تجوب كل أرجاء البلاد في رحلة لمدة شهر من أجل نقل رسالة المقاولاتية بالمفهوم الاقتصادي الايجابي الذي يساعد على تجسيد الأفكار وانجاز المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وليس أفضل من قيم نوفمبر لشحن العزيمة بإرادة صلبة لا تقف أمامها عراقيل بيروقراطية ومعوقات نفسية لطالما أعاقت مبادرات وتعثرت بسببها مشاريع.
بعد أن تبين أن الاعتماد على النمط السابق القائم على ضخّ استثمارات ضخمة لانجاز مركبات وشركات عملاقة أصبح بعضها عبئا على ميزانية الدولة، برز تصور جديد لجعل المقاولة، باعتبارها صيغة لمؤسسة صغيرة ناشئة يكون وراءها فرد أو عدد أشخاص لا يتعدى أصابع اليد، قاطرة تدفع بالمنظومة الاقتصادية إلى مستويات مقبولة من النمو.
يوفر المناخ الاستثماري الحالي الشروط الموضوعية لنجاح المبادرة خاصة التي يعبر عنها الشباب من خريجي الجامعات والمعاهد من أصحاب المشاريع التي تتم صياغتها في المخابر والورشات العلمية.
ومن بين المؤشرات إلى جانب الخطاب السياسي الصريح، كما تأكد بمناسبة تنظيم الأسبوع العالمي للمقاولاتية قبل أيام، حيث عبر وزير الداخلية عن وجود إرادة حاسمة لإدماج الشباب في عالم الاقتصاد وطمأن أصحاب المبادرة الاستثمارية بأن مرافقة الدولة للمشاريع ذات الجدوى، خاصة تلك التي تتجه إلى الهضاب العليا والجنوب حيث مستقبل الاقتصاد خارج المحروقات، فإن سلسلة إجراءات قد تمّ تسطيرها على صعيد المنظومة البنكية للتمويل والمرافقة الدارية بتقليص مساحة الممارسات البيروقراطية إلى جانب تأكيد قاعدة تخصيص 20 بالمائة من المشاريع العمومية الوطنية والمحلية لفائدة المقاولين الشباب مع إمكانية رفع النسبة إلى 25 أو 30 بالمائة مستقبلا.
كما ترصد إشارات إيجابية على مستوى الجماعات المحلية تعزز هذا التوجه شريطة أن تتجسد على أرض الواقع من خلال إرساء إطار لأخلاقيات الممارسة البيروقراطية على مستوى البلديات والولايات يضع المقاولة الشبابية في الصدارة من حيث المعاملة والإصغاء والمرافقة من جانب الجاهز الإداري والمنتخبين.
ويمكن للمقاولة الشبابية ذات المعايير المتوافقة مع شروط النجاعة والجدوى، بحيث يجب أن تتوفر المشاريع على جانب كبير من النجاح وتستجيب لقواعد السوق، أن تساهم في الرفع من وتيرة التنمية المحلية شريطة أن تخضع للمقاييس الموضوعية للمنافسة لإحداث قفزة نوعية للمقاولة بحيث تقوم على تلك المعايير لتكتسب المناعة في مواجهة التحديات المستقبلية.
ويتمخض عن هذا أن لا يتم التعامل بقواعد غير احترافية مع مبادرات غير دقيقة وتفتقر للجدوى تفاديا لضياع موارد مالية أصبحت شحيحة في هذا الظرف وحرصا على أن تندرج المقاولة في الإطار النوعي أي تغليب الجانب الاقتصادي على الجانب الاجتماعي الذي يمكنه أن يتحقّق في مرحلة ثانية، مما يدفع بالشباب إلى المنافسة وتعلم قواعد التعاطي مع السوق تحسبا لما هو قادم من تحديات في المدى المتوسط حينما تصبح السوق مفتوحة على المنافسة العالمية.
ويفرض كل هذا أن تنخرط الآليات المرافقة للمشاريع مثل وكالة تشغيل الشباب (أنساج) وصندوق التأمين على البطالة (كناك) في دينامكية المقاولاتية بضبط عقارب برامجها على ساعة التحولات الاقتصادية والتوجه إلى مرحلة تستجيب للمشاريع التي تصبّ في الأنشطة خارج المحروقات وتلك التي تخلق الثروة وتتطابق مع برامج الاستثمار المنتج والمنسجم مع التوجهات الكبرى للمرحلة خاصة التصدير.
وتمثل المرافقة من غير التمويل والدراسة والتوجيه التركيز على التأطير بدءا من التحكم في جوانب تسيير المشروع وإدارة المقاولة بأقل كلفة واقتصاد النفقات حتى يتدرب المقاول الشباب على ثقافة التحكم في النفقات غير المنتجة وقناعة بخلق الثروة والبقاء قريبا جدا من السوق لتفادي أي تعثر قد ينجم عن تراخ أو تأخر في الركب التكنولوجي أو شعور بالحماية التي تكتسي طابعا استثنائيا وظرفيا سوف لن يستمر إلى ما لا نهاية.
ويعتبر إدراك الشاب حامل مشروع ما لجانب الحصول على تكوين في المناجمنت (التزود بمعارف بسيطة وأولية حول إدارة المشاريع ودراسة السوق وهو أمر يمكن لمراكز التكوين المنهي أن توفره في فترة زمنية مقبولة) أن يعطيه القدرة على التواجد في الساحة كشريك موثوق التعامل معه، غير أن تنمية بناء مقاولات بأكثر من فرد يعتبر أيضا حلقة قوية في بناء هذا المسار.
ويقتضي الحرص على بلوغ المسعى المقاولاتي أهدافه المسطرة ضبط الخيارات ضمن خارطة استثمار وطنية وإقليمية ومحلية تكون منسجمة ومتكاملة بحيث يجد الشاب المجال واضحا أمامه لتدقيق الرؤية والشعور بالقدرة على النجاح.
 وهي مسؤولية الدوائر الإدارية على كافة المستويات التصاعدية والأفقية لتكون فعلا عند الموعد، خاصة الولايات المنتدبة حديثة النشأة التي يجب أن تكون لديها سلوكات تسييرية بخلفيات اقتصادية استثمارية بحيث يمكنها أن تدخل المرحلة بقوة إذا كانت سباقة لرسم معالم نموها في المديين القريب والمتوسط من خلال إبراز مواردها المتاحة والتعريف بإمكانيات الاستثمار فيها واطلاع المهتمين خاصة الشباب على المشاريع التي رسمتها مع إطلاق جسور التواصل مع الجامعات وجذب اهتمام السباب حول برامج اقتصادية ليست بالضرورة ضخمة ومكلفة بقدر ما تكون أداة لتفعيل الفعل الاستثماري وإدماج الشباب في الديناميكية التنموية المحلية.
ويعدّ هذا من أبرز المهام الموكلة لقافلة المقاولاتية التي ينبغي أن تخضع للتقييم من كافة المتدخلين في تنظيمها ليس من جانب الصدى الذي أحدثته وإنما من جانب الأثر الاقتصادي الذي يفترض أن تتركه في ذهنية الشباب في الجامعات والتكوين المهني ليكون على درجة من الانسجام مع الهدف المحوري المتمثل في امتلاكه الإرادة والطاقة لدخول المغامرة بالاعتماد على الذات وتجسيد طموحاته في العمل والرفاهية دون انتظار الدعم في مرحلة متقدمة من مشروعه.
ويقود هذا بالضرورة إلى العمل على تطوير المسعى من قافلة تحسيسية وإعلامية إلى وضع شباك موحد على مستوى المناطق أو الولايات الرائدة لتأكيد خيار تكافؤ الفرص وغرس الثقة في نفسية الشباب الجامعي بالدرجة الأكبر حتى تكتمل شخصيته المقاولاتية ويتغلّب على محيط لا تزال فيه معوقات وعراقيل منها ما هو نفسي لتجاوز كل ما فيه إحباط أو تثبيط للعزائم، علما أن أمثلة  كثيرة تؤكد نجاح مشاريع تمّت في إطار هذا المنهج الاقتصادي الذي يتطلّب إدراجه ضمن البعد الاستراتيجي للتحول الاقتصادي.