طباعة هذه الصفحة

أحمين دكتور في الاقتصاد يحدّد معالم الثّلاثية المقبلة:

إرساء استراتيجية طويلة المدى للتّنمية المستدامة

حاورته: فضيلة بودريش

اعتبر الخبير الاقتصادي أحمين شفير دكتور العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر، أنّ اجتماع الثّلاثية المقبل الذي سوف يعكف على تشريح ظاهرة البطالة وسط خرّيجي الجامعات، يكتسي أهمية كبيرة في الظرف الحالي، ودعا في سياق متّصل إلى ضرورة اللّجوء إلى الحل الاقتصادي، والتخلي عن الحلول الاجتماعية للبطالة، بالرغم من أنّه بدا مقتنعا أن الحل الاجتماعي ضروري لكنه ظرفي، ولا يمكن اعتباره حلا طويل المدى وإلى جانب أنه ليس ناجعا على الصعيد الاقتصادي، وحسب تقديره فإن الحل الاجتماعي ضروري في مرحلة ما، لذا من المهم الانتقال إلى الحلول الهيكلية من خلال العثور على حلول اقتصادية بحتة، ومن شأن كل ذلك أن ينبثق من الحلول السياسية الكلية التي ينبغي أن توجه للاستثمارات المنتجة وتنشيط الدورة الاقتصادية.

❊ الشعب: يرتقب عقد ثلاثية استثنائية للتّشغيل، من أجل البحث عن حلول لامتصاص البطالة وسط خرّيجي الجامعات..ما هي شروط نجاح هذا المسعى؟
❊❊ الدكتور أحمين شفير: بطبيعة الحال إنّ الانشغال بإيجاد حلول للبطالة وسط خرجي الجامعات، يدفعنا بلا شك إلى التثمين، وعلى اعتبار أن أهمية الموضوع تتجلّى كذلك في أن نسبة البطالة في الوقت الحالي نسبتها مرتفعة نسبيا على ضوء الأرقام المسجلة، والخطر لا يكمن في الرقم، وإنما في هيكل البطالة، على خلفية أنه لدى تحليلها نجد أن هذه الشأفة تتفشى وسط فئة الشباب، بالنظر إلى عدد طالبي الشغل لأول مرة، أما المشكل الثاني يمكن حصره في زيادة عدد البطالين وسط حاملي الشهادات الجامعية، ونذكر من بينها على وجه الخصوص البطالة النسوية، إذا يمكن وصفها بالظاهرة الخطيرة إذا لم يتم أخذ بعين الاعتبار تداعياتها، حيث من الممكن أن تؤثّر مستقبلا على الاستقرار الاجتماعي وتتسبّب في ظهور العديد من المشاكل الاجتماعية. ولعل إدراج هذا الموضوع في لقاء الثلاثية الذي يضم النقابات وأرباب العمل والحكومة، جاء في الوقت المناسب وفي محله، ويمكن القول أن عقد قمّة ثلاثية يمكن وصفه بالقرار الصائب.
وبالموازاة مع ذلك يجب تسليط الضوء على المشكل ومعالجة الظاهرة التي لا تقبل الإرجاء، وأشير إلى أنّ المعالجة تكون من عدة زوايا، والزاوية الأساسية حسب اعتقادي، ضرورة اللجوء إلى الحل الاقتصادي، وبالتالي التخلي عن الحلول الاجتماعية للبطالة، بالرغم من أن الحل الاجتماعي ضروري لكنه ظرفي ولا يمكن اعتباره حلا طويل المدى وليس ناجعا على الصعيد الاقتصادي، وصحيح أن الحلول الاجتماعية استحدثت مناصب شغل لكن ليس لها أي علاقة بالاقتصاد، ويبقى هذا الحل الاجتماعي ضروري في مرحلة معيّنة، لكنه ليس هيكليا لأنه يكتفي بخلق مناصب شغل لفئات معينة وضمان استقرار اجتماعي مؤقّت وليس حلا جذريا، لذا من الضّروري الانتقال إلى الحلول الهيكلية من خلال العثور على حلول اقتصادية، وينبثق ذلك من الحلول السياسية الكلية، والتي لابد أن توجّه للاستثمارات المنتجة وتنشيط الدورة الاقتصادية، على اعتبار أنه إذا تم توجيه الاستثمارات المنتجة، هذا يفضي إلى استحداث مناصب شغل دائمة وخلق الثروة والقيمة المضافة. وأعتبر أن الحل الأول يتمثل في الاعتماد على سياسات شاملة وكلية لدفع النشاط الاقتصادي المستحدث للشغل والثروة، والذي يحمي القدرة الشّرائية الدّائمة، وبالتالي تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.                           

قطيعة بين الجامعة وسوق العمل
❊ تشير الإحصائيات أنّ نسبة طالبي العمل من خرّيجي الجامعات بلغت مستوى قياسيا لا يقل عن 75 بالمائة، هل السّبب أنّ الجامعة مازالت تعكف على تكوين لا يتطابق مع ما يحتاجه سوق العمل اليوم..ممّا يولّد صعوبة في عملية الادماج؟
❊❊ بالفعل هذا صحيح وراجع للقطيعة الموجودة بين الجامعة وسوق العمل، وهذه الظّاهرة لا تقتصر على الجزائر وحدها بل تشهدها معظم الدول النامية، وهذا يعود إلى ضعف السياسة الاقتصادية العامة التي تربط بين الطرفين أي الجامعة وسوق العمل، لكن عندما تكون نظرة دقيقة وإستراتيجية اقتصادية واضحة المعالم، ودراية بالخطة الاقتصادية وتجسد الآلية التي تسمح للجامعة بالتكوين طبقا لما يحتاجه سوق العمل، عندها الواقع دون شك سوف يتغيّر، لكن في غياب نظرة إستراتيجية للاقتصاد على المدى البعيد، حيث الجامعة لا تعرف ماذا تكون، وهذا يتمثل في الخلل الجوهري، وحان الوقت لإشراك الفاعلين الاقتصاديّين من أرباب عمل والنّقابات لوضع استراتيجية بعيدة المدى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للانطلاق بوضع الآلية للتنسيق بين المنظومة التكوينية والمؤسسة الاقتصادية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، الجامعة اليوم تفتقر للكثير من التخصصات التي تسمح بتهيئة الطّالب للحياة العملية في القطاعين العمومي والخاص، بالإضافة إلى أنّه يسجّل غياب تكوين الطالب في المقاولاتية والتسيير، ولا ينبغي المهندس أن يدرس فقط مجال تخصّصه، لأنه سوف يواجه مشكل صعوبة استحداث مؤسسة وتسييرها، وحان الوقت لإدراج مقاييس تهيأ الطالب للحياة العملية مثل التسيير والمقاولاتية، لأنه في الدول المتطورة هذه التخصصات تدرس في مختلف المراحل التعليمية.
❊ كيف تقيمون العلاقة الموجودة بين عالم الشغل والجامعة؟
- للأسف الواقع يعكس علاقة شكلية حيث لا المؤسسة تتابع الطالب ولا الجامعة تقف على مدى نجاح تربصه التطبيقي، أي بمعنى لا توجد جدية تكفي لتأهيل المتخرّج الجامعي وتدمجه في عالم الشّغل.                       

تركيز الجهود على استحداث مناصب شغل دائمة
❊ ما هو تقييمكم لمساهمة القطاع الاقتصادي في امتصاص البطالة؟
❊❊ منذ سنوات يمكن القول أن هناك تنشيط من القطاع الخاص لسوق العمل، حيث أنّ مساهمة القطاع الخاص قد زادت بشكل ملحوظ في القيمة المضافة للاقتصاد الوطني منذ نحو عشر أو 15 عاما، ويعكس ذلك ديناميكية هذا القطاع، ويعد هذا أمرا إيجابيا، لكن يبقى السؤال المطروح أن عدة مشاكل وسلسلة من التحديات لازالت مطروحة، في ظل غياب الإستراتجية الواضحة المعالم، إلى جانب أن جزءاً كبيرا من القطاع الخاص في الوقت الحالي يعكف على استحداث مناصب شغل، لكن في حالات كثير يمكن اعتبارها مناصب هشّة غير دائمة لا تمنح العامل دخلا يغطي احتياجاته.
ويضاف إلى كل ذلك تفشّي ظاهرة الاقتصاد غير المنظّم، حيث هناك من الخواص من يصرّحون بالعمال بشكل جزئي ولا يقدّمون الأجور الحقيقية لأنّها جد متدنية، لذا إذا حرصنا على تفعيل سياسة التشغيل لا نركز على سياسة خلق مناصب الشغل، ويجب وضع القوانين التي تكفل للعامل منصب شغل لائق، حيث خلال السنوات القليلة الماضية تحدث مكتب العمل الدولي عن العمل اللائق، لذا التحدي اليوم يكمن في توفير مناصب شغل لائقة، والتي تسمح للعامل بالعيش بصورة كريمة، حيث يصرح به مع توفير السّلامة في وسط العمل والتغطية الاجتماعية.
❊ برأيك لماذا لم تتمكّن آليات التّشغيل العديدة من امتصاص البطالة..أين الخلل؟
❊❊ جميع برامج التشغيل المتعدّدة والمتنوّعة، منذ التعديل الهيكلي الذي عرفته الجزائر مع صندوق النقد الدولي عام 1995، تعد برامج تهدف إلى تقليل البطالة واستحداث مناصب الشغل، وبالرغم من أن هذه البرامج مهمة، لكن لا يوجد أي تنسيق بين مختلف البرامج، ومعظمها وضع في إطار تصور يرتكز على المعالجة الاجتماعية للبطالة، وبالنظر إلى أنها ضرورية، لكن الظرف الحالي يحتّم الانتقال إلى سياسات ناشطة لاستحداث مناصب الشغل تتمثل في الاعتماد على برامج اقتصادية فاعلة لاستحداث مناصب الشغل الدائمة واللائقة. ولا يخفى أن الأزمة الاقتصادية أسفرت عن تراجع المداخيل، وهذا من شأنه أن يؤثّر بشكل تلقائي على السياسات وكذا النشاط الاقتصادي، وبالتالي الأثر يسجّل على صعيد استحداث مناصب الشغل، ولا بديل عن الاستثمار واستحداث مؤسسات إنتاجية.
❊ ماذا ينتظر من لقاء الثّلاثية المقبل؟
❊❊ يمكن اعتبار أنّ المبادرة جيّدة، لكن بشرط معالجة المسألة بشكل كلي ونظرة بعيدة المدى، وتجاوز الحلول القصيرة المدى، من أجل إيجاد حلول للبطالة الشبانية لتطوير الاقتصاد الوطني، وينبغي أن ينظر اجتماع الثلاثية المقبل في مشكل تدني المستوى التعليمي للطالب عبر جميع المراحل، لأنّ المشكل لا يقتصر على غياب التنسيق بين المنظومة التعليمية والمؤسسة الاقتصادية، والمشكل أبعد من ذلك وحان الوقت كي تتحمّل المنظومة التعليمية مسؤوليتها، ومراجعة البرامج والمناهج وحتى إعادة النظر في مستوى المعلمين والأساتذة.