طباعة هذه الصفحة

سعر البرميل يقترب من 70 دولارا

السّوق النّفطية مرشّحة لمزيد من الانتعاش!

فضيلة بودريش

 «أوبك» تتطلّع إلى توازن أكبر بين العرض والطّلب

شهدت السّوق النفطية نهاية الأسبوع الماضي تماسكا معتبرا أنعش الأسعار بعد أن دنا سعر البرميل الواحد لأول مرة ومنذ شهر نوفمبر 2014 سقف الـ 70 دولارا، «بلغ امس ٦٩.٨٠ د/ب» . وعاد هذا المؤشر الإيجابي ليعزّز ثقة المستثمرين والمنتجين على حد سواء، من أجل التطلع إلى تحقيق المزيد من المكاسب على صعيد استقرار الأسواق النفطية، ومواصلة تراجع العرض والمخزون الذي كان من الأسباب المباشرة المؤدية إلى انهيار الأسعار منذ نحو ثلاث سنوات، إذا يمكن القول أنه حل عام 2018، مع تحقيق انتعاش فعلي لأسعار المحروقات كان متوقعا من طرف الخبراء ويمثل السعر العادل للمنتج والمستهلك..فهل ستواصل السوق استقرارها أم أن الأسعار مرشّحة إلى المزيد من الارتفاع؟
يشهد سعر برميل البترول نوعا من التجاذب ما بين الارتفاع والتذبذب الطفيف، وكانت منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» قد كشفت يوم الجمعة على موقعها الالكتروني أنّ سعر سلة خاماتها ال 14 بلغ سعرها يوم  الخميس 11 جانفي 38 ، 67 دولار للبرميل، محقّقة انتعاشا مقارنة بالسعر المسجل يوم الأربعاء الماضي لأنه لم يتجاوز حدود 24 ، 67 للبرميل، بينما تراجع خام القياس العالمي مزيج برنت بـ 29 سنتا أي ما يعادل 4 ، 0 بالمئة عن التسوية السابقة التي قدّرت بـ 97 ، 68 دولار للبرميل. علما أن البرنت قفز إلى أعلى مستوى منذ ديسمبر 2014 هذا الخميس بعدما وصل إلى عتبة ال 05 ، 70 دولار للبرميل.

تغييرات في الخارطة النّفطية

صحيح أن تهاوي الأسعار الذي عرفه برميل النفط منذ أزمة منتصف عام 2014، تسبّبت في العديد من الاختلالات بفعل تصاعد نسبة المخزون وتنامي سقف الإنتاج الذي أغرق الأسواق بشكل أدى إلى انهيار الأسعار إلى أكثر من النصف، لكن لا شك أن عملية تصحيح الأسعار التي خاضت معركتها دول منظمة « أوبك» بالفعل بدأت نتائجها تظهر بشكل جلي منذ أن بلغ سعر البرميل 60 دولارا أي منذ أشهر قليلة.
وبالفعل يعد مستوى ال 70دولارا سعر البرميل المحقق مؤخرا بمثابة مؤشر إيجابي، يشجع على التوجه لتحقيق المزيد من الانتعاش والتوازن بعد ثلاث سنوات من التذبذب والتراجع المقلق لأسعار برميل النفط، ولعل من بين العوامل الأساسية التي دعمت هذا الصعود المعتبر، نذكر تراجعا في المعروض الأمريكي، كون الولايات المتحدة الأمريكية، كانت ولازالت أكبر مستهلك ومنتج في العالم، ولا يمكن أن يغض الطرف على  المجهودات الكبيرة التي بذلتها دول منظمة «أوبك» والدولة المنتجة من خارج هذه المنظمة النفطية وعلى رأسها روسيا، ولعل التزام هذه الدول باتفاق التخفيض التاريخي الذي عرف النور في اجتماع الجزائر، وتم التوقيع عليه في لقاء فيينا، بدأ يفضي إلى نتائج إيجابية منذ بداية سيرانه شهر جانفي 2017، وخاصة بعد تمديد العمل به طيلة عام 2018، وأسفر هذا التوجه الذي يكتسي أهمية ويعوّل عليه في إحداث تغييرات محسوسة على صعيد خارطة السوق النفطية، بعد عدة أشهر من التنسيق والتجسيد على أرض الواقع إلى اكتساب السوق قوة وتماسك كبيرين.

 أهم سوق آسيوي سيحدث التّوازن

ومع عودة التراجع الذي وصف بالحاد في المخزون النفطي الأمريكي، وارتفاع في الطلب مقابل العرض إلى جانب عوامل جيو سياسية أخرى تعرفها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، يرجح أنها كلها عوامل أساسية قامت بتعزيز قوة الأسواق العالمية خاصة أسواق الأسهم للاستثمار في العقود الآجلة للنفط.
ولا يخفى أن العديد من المحللين في مجال الطاقة صاروا يوعزون هذا الارتفاع، الذي يستبعد أن يكون مؤقتا أو ظرفيا من طرف البعض الآخر إلى فصل الشتاء وبرودة الطقس، إلا أن منتجي منظمة «أوبك» يتجه اهتمامهم صوب السوق الهندية، التي مازالت تحقق نسب نمو جد مرتفعة وتنافس نظيرتها الصينية، في أن تصبح أكبر مستهلك للطاقة في القارة الأسيوية، حيث ينتظر الكثير من الهند حتى تساهم في تعافي السوق النفطية وتماسك الأسعار مرة أخرى.
إذا يبدو أن التفاؤل مازال كبيرا لدى المحللين وخبراء الطاقة، على خلفية أنهم مازالوا يترقّبون انتعاشا أكبر وارتفاعا بمستوى أعلى لأسعار النفط، بتجاوز السعر العادل الذي حدد في السابق بـ 70 أو 75 دولارا للبرميل، ويذهبون إلى أبعد من ذلك عندما يطلقون توقعات أن يتجاوز برميل النفط إلى عتبة ال 70 دولار بفارق بعيد، على اعتبار أنّهم مقتنعين أن الارتفاع المطرد الذي قفز إليه يوم الخميس الماضي لم يكن ظرفيا أو مؤقتا، وإنما جاء بفعل نتائج جهود وعوامل تكرّست على أرض الواقع، ولا يمكن تجاهلها على الإطلاق، وبالتالي السير نحو تحقيق المزيد من الاستقرار الذي سيتم إرسائه خلال الأشهر القليلة المقبلة.

 عنصر المفاجأة غير مستبعد

وإن كانت جهود الجزائر التي ساهمت بشكل كبير في تصحيح مسار السوق النفطية، واستعادة توازنها بشكل تدريجي، قد أثمرت اليوم لكن من الضروري استقبال التماسك بالكثير من الحذر، في خضم الاضطراب وعدم الاستقرار الذي مازال يخيّم على معادلة العرض والطلب، والتي تتحكم فيها العديد من القوى والعوامل الخارجة عن إرادة دول «أوبك» وشركائها من خارج هذه المنظمة، كون عنصر المفاجأة لا يستبعد على الإطلاق، وفي هذا الوقت بالذات تتجه الجزائر نحو توسيع شراكاتها مع الدول المنتجة للنفط. ولعل الزيارة الأخيرة لوزير الطاقة الجزائري مصطفى قيتوني إلى العراق عزّزت من التقارب بين دول «أوبك»، وكرّست مرة أخرى التفاهم وعمّقت من دون شك التنسيق، من أجل مواصلة مسعى تخفيض الإنتاج، حيث فتحت آفاقا واسعة للشراكة سواء في الإنتاج أو على صعيد تبادل الخبرات، وإن كانت بغداد حسب تصريح وزير بترولها مهتمة بشكل كبير بالمستوى الذي وصل إليه مجمّع «سوناطراك» الرائد إفريقيا، وتتطلع للاستفادة من خبرته في مجال الاستكشاف والاستغلال الغازي على وجه الخصوص، لذا فإن أي ارتفاع للأسعار يخدم توسيع «سوناطراك» لاستثماراتها ونشاطاتها داخل وخارج الوطن، بينما وزير الطاقة الجزائري بدوره أبدى نية الجزائر وإرادتها في تقوية تواجدها في العراق عبر مجمّع «سوناطراك»، من خلال الوقوف على إمكانيات الاستثمار في مجال الطاقة، خاصة ما تعلق بالاستكشاف وتطوير الحقول المستغلة أو غير المستكشفة من منطلق مقاربة «رابح - رابح»، وبالتالي تطوير التعاون الثنائي على صعيد الصناعة النفطية، من خلال تبادل الخبرات والتركيز على التكوين على وجه الخصوص، وأفضى هذا اللقاء المهم لوزير الطاقة الجزائر مع نظيره العراقي إلى الاتفاق على توقيع عدة عقود مستقبلا في مجال الطاقة والمحروقات، تهدف كلها لتطوير عمل الشركات النفطية، وتحديث الطرق المنتهجة في مجال الاستكشاف وتطوير الخبرات وإلى جانب إطلاق مشاريع مشتركة.

 إرادة «أوبك» لامتصاص الفائض

بعد أن بلغ سعر البرميل 70 دولارا، هل السوق النفطية فعلا مرشحة من أجل تحقيق المزيد من الانتعاش؟ وعلى ضوء مستجدات السوق النفطية صارت دول «أوبك» تتطلع إلى تحقيق توازن أكبر بين العرض والطلب، خاصة أن كبار المنتجين في الخليج العربي على وجه الخصوص والأعضاء بالمنظمة، يعتزمون إبقاء إنتاجهم النفطي في الربع الأول من 2018 عند أقل من مستواه قبل عام، متجاهلين النمو القوي للطلب الذي تعرفه السوق، وكذا تراجع المخزونات التي تعرفها السوق العالمية. في ظل وجود حرص كبير من طرف هذه الدول وأعضاء أوبك بوجه عام، للتقليص بشكل كبير من تراكمات الفائض والمساهمة في إزالته. ويأتي ذلك في ظل مواصلة لجنة المراقبة المشتركة لأوبك والمنتجين غير الأعضاء بالمنظمة والتي ترأسها السعودية، مهمتها في مراقبة مدى التزام الأعضاء بمسعى التخفيض على أرض الواقع.

لجنة المراقبة تجتمع يوم 21 جانفي

والجدير بالإشارة، فإن لجنة المراقبة الوزارية المشتركة من المقرر أن تعقد اجتماعا يوم 21 جانفي الجاري في سلطنة عمان، إذ ستعكف منظمة البلدان المصدرة للنفط ومنتجون آخرون من خارجها إلى مواصلة مسعى التخفيض من إنتاج النفط، بما لا يقل ٨ . ١ مليون برميل يوميا.
ومن جهته سهيل المزروعي وزير الطاقة الإماراتي، والذي يتولى رئاسة منظمة «أوبك» في الفترة الحالية، اعتبر في آخر تصريح له بحر الأسبوع الماضي، أن الارتفاع المسجل في الوقت الراهن في أسعار النفط، مدعوم بنمو قوي للطلب، وكذا تراجع في فائض المعروض بفعل اتفاق تقوده «أوبك» لخفض الإمدادات. وكشف في نفس السياق قائلا بصراحة:
«..نحن لا ننظر إلى السعر في يوم ونقول نحن في مرحلة نحتاج فيها إلى القيام بتغييرات..نحتاج إلى منح السوق وقتا..لا أعتقد أن أيا من العوامل الأساسية قد تغير لكي ندرس تغييرا في اتفاق الإنتاج أو نشعر بالذّعر..».