طباعة هذه الصفحة

«أوبك» وشركائها يطمئنون المنتجين والمستهلكين

إرساء التوازن الحقيقي وإصلاح أساسيات السوق

فضيلة بودريش

حسمت الدول المصدرة للبترول «أوبك» و شركائها من المنتجين المستقلين، تتصدرهم روسيا في خيار الزيادة في إنتاج النفط، بعد توافق كبير على مسألة ضخ المزيد من النفط، بما يفضي إلى تحقيق التوازن والاستقرار في السوق، وبالتالي تأمين المزيد من الإمدادات من الذهب الأسود، وسط تخوف العديد من الدول الصناعية، من التهاب الأسعار إلى مستويات قياسية، يضيع معها السعر العادل، ومما يؤثر سلبيا على المديين القصير والمتوسط على نمو الاقتصاد العالمي. وتشكل اتجاه عام رغم بعض الاختلافات حول رفع الإنتاج بمعدل مليون برميل يوميا ابتداء من جويلية القادم.

أثبتت الدول الأعضاء في منظمة «أوبك»  من خلال شراكتها مع منتجين كبار مستقلين، بأنها قوة إنتاج وقوة تأثير، وصار اليوم يعول كثيرا على إصلاح أساسيات السوق وبالتالي المساهمة في إرساء التوازن الحقيقي، الذي دون شك يفضي إلى تكريس علاقة التوازن على معادلة العرض والطلب.
  قوة الحوار
يتوقع الكثير من التعاون والشراكة التي تجمع «أوبك» بنظرائها المنتجين المستقلين، حيث ينتظر أن يظهر بفعالية أكبر، بعد اجتماع شهر جوان الجاري بفضل ما اتسم به اللقاء من أجواء الثقة والتعاون المشترك بين دول «أوبك» ومن خارجها، بل أن العديد من الخبراء صاروا يتوقعون أن تزداد شراكة «أوبك» والدول المنتجة من خارجها قوة، وينعكس ذلك بشكل تلقائي على السوق النفطية، بل وتصبح أكثر تأثيرا في السوق خاصة على صعيد علاج الأزمات الطارئة، إضافة إلى تحقيق التوازن المستدام من خلال آلية الحوار.
وبخصوص المناخ الذي ميز الأجواء خلال الاجتماع المنعقد يومي 22 و23 جوان الجاري، فإنه بالرغم من أن كل دولة منتجة كان لديها نظرتها واقترحت رؤيتها، فان التوافق في الأخير كان سيد الموقف وحسم في القرار الأخير الذي حظي بموافقة جميع الشركاء وأعضاء منظمة «أوبك» على حد سواء، وإن كانت روسيا في البداية ترى أنه من الأحسن أن تكون الزيادة في  الإنتاج في حدود 1.5 مليون برميل يوميا، لكن سرعان ما عادت لتؤكد على لسان وزير طاقتها أنه في هذه المرحلة المليون معقول جدا. بينما كانت العربية السعودية أحد أكبر الدول المنتجة للنفط في منظمة «أوبك»، قد اعتبرت أن الخطوة من المنتظر أن تفضي  إلى زيادة في الإنتاج بحوالي  مليون برميل يوميا، أي ما يعادل 1 بالمائة من المعروض العالمي لمنتجي أوبك وغير الأعضاء من شركائها من المنتجين المستقلين. بينما توقع العراق أن تبلغ الزيادة في إنتاج النفط حوالي 770 ألف برميل يوميا في ظل تخبط بعض الدول ومعاناتها من تراجع محسوس في الإنتاج، وحسب تقديرها أنه ليس من السهل العودة إلى حصصها كاملة في وقت قصير. و من جهتها إيران كانت تعتقد أن الزيادة الحقيقية ستكون قريبة من حدود 500 ألف برميل يوميا.
 تنسيق فعال
لعبت الجزائر التي تشارك في اجتماع دول «أوبك والمنتجين من خارجها بمدينة فيينا النمساوية، مرة أخرى دورا فاعلا لتقريب وجهات النظر بين وزراء طاقة الدول المشاركة، وساهمت بلا شك في إرساء التوافق وتحقيق الانسجام وهندسة للرؤية، بهدف المساهمة في استقرار الأسواق، واللافت أن الجزائر حرصت على تتويج اللقاء بإجماع جميع الأطراف، وبالتالي الوصول إلى اتفاق يكون لصالح المستهلك والمنتج في وقت واحد، وبالفعل تطابقت أمس وجهات  النظر بفضل العديد من المساعي التي بذلتها الجزائر، إذ ليس جديدا عليها ما تقوم به وما تبذله من جهود، على خلفية أن أول اجتماع قرب وجهات النظر بين الدول المنتجة من داخل «أوبك» ومن خارجها، كان في الجزائر عام 2016 وأسس لقرار امتصاص تخمة المعروض بعد تهاوي الأسعار منذ عام 2014.
وعلى صعيد آخر فإنه ينتظر أن يضخ عبر الأسواق مابين 500 إلى 600 ألف برميل يوميا، وهي الكمية التي تصل الأسواق خلال الأسابيع المقبلة، على خلفية ما يثار حول مسألة عدم قدرة جميع  الأعضاء الزيادة في الإنتاج.
الأسعار ترتفع إلى 75 دولارا
ومن التأثيرات الأولى التي نتج عنها اجتماع أوبك وشركائها ارتفاع خام برنت القياسي بنحو  2.5 دولار، أي ما يعادل نسبة 3.4 بالمائة منذ أول أمس، أي يوم انطلاق الاجتماع مسجلا سعر 75.55 دولار للبرميل. وفيما يتعلق بالأجواء الخارجية التي ميزت الاجتماع دعوة كل من الولايات المتحدة والصين والهند منتجي النفط إلى الزيادة في العرض، لتفادي أي نقص نفطي قد يؤثر على نمو الاقتصاد العالمي، لذا تسهر أوبك وشركائها على استعادة التوازن السوقي، ومحاولة تجسيد الاستقرار وتأمين الإمدادات، التي صارت تواجه تهديدا كبيرا خاصة بعد انكماش صادرات فنزويلا.
وبالموازاة مع ذلك يجري الحديث بشكل جدي عن إعادة تقييم العقود التي تسري بين الزبائن والبائعين، بهدف تحقيق كفاءة تطبيق التحول الجديد في زيادة الإنتاج، وإن كانت الكويت قد اتخذت موقفا مرنا، حيث أبدت منذ البداية موافقتها على أي شكل يكون مؤسسا ويتم التوافق عليه بكل ما يتعلق بخطط التعاون بين دول «أوبك» ومن خارجها.
وفي ظل أجواء ميزتها الثقة والتعاون في علاقات دول «أوبك» والدول المنتجة من خارجها، يقرأ البعض معالم هذا الوضع بأن استقرار الأسعار سيكون له تأثيرات إيجابية على السوق، وتساهم كذلك إلى حد بعيد في استعادة الاستقرار في السوق، وإلى جانب تعويض أي نقص أو ندرة طارئة في الإمدادات، بسبب ما يطلق عليه بالمخاطر الجيوسياسية ولأسباب أخرى تتعلق بالإنتاج.
والمتتبع  لشراكة منظمة الدول المصدرة للنفط وشركائها المستقلين، يقف على نجاح مساعيها وقراراتها بفعل التنسيق والعمل المشترك، وأكيد أنها لن تتراجع عن المكاسب التي حققتها لذا قامت بمراجعة مؤشرات السوق وتطورات العرض والطلب وبحث مستوى المخزونات، وتوصلت إلى حقيقة أن جميع النتائج إيجابية تسمح لها بمواصلة تجسيد خطة التعاون المشترك للمنتجين.ويأتي ذلك من منطلق أن منظمة أوبك تحرص أكثر من أي وقت آخر على وحدتها في التعامل مع تطورات السوق، والتي تعود بنتائجها الإيجابية على جميع الدول، وهي نتائج لا يمكن تحقيقها لأي دولة منتجة منفصلة أو منفردة.