طباعة هذه الصفحة

في انتظار تحريك ملفات الفساد

الإمساك بخيط النمو، تعزيز عناصر إنتاج الثروة والتصدي للأفعال التي تهدد المال العام

الفساد من حيث خطورته وحتمية مكافحته يشكل احد الشعارات التي تتصدر الحركة الاحتجاجية. «كليتو البلاد يا السراقين»، عنوان لرسالة الحراك أصغىت إليها المؤسسة العسكرية، لترد على  لسان رئيس الأركان بعبارة «ضرورة إبعاد العصابة» من مراكز القرار، ودعا بوضوح مؤسسة القضاء للمبادرة بسرعة لممارسة سلطتها المخولة لها في إطار الدستور، بتحريك ملفات تتعلق بفساد واسع النطاق، طال أجل حفظها في أدراج محاكم ومجالس وغرف مختصة، مستفيدة من سلبية جهات قضائية تمارس الوصاية بشكل افقد العدل معناه ونشر الريبة والشك في مسار دولة القانون.
دون السقوط في ما يصنف في خانة تصفية حسابات أو توظيف لأغراض سياسية ظرفية، ينتظر أن يتحرك القضاة المعنيون بملفات تلك القضايا التي أسالت حبرا كثيرا، وفقا للإجراءات السارية بموجب التشريعات التي تشمل مكافحة الفساد، وكسر جدار الصمت الذي يبدو أن جهات وصية أقامته للحد من سلطة القضاء في معالجة مسائل تتعلق بقوت الجزائريين وترهن مستقبل أجيال بكاملها.
إن أفضل مشاركة للقضاة في ديناميكية الحراك أن يعكف كل واحد في كل المستويات على القيام بواجباته المهنية والالتزام بالقسم المؤدى في بداية المسار المهني بان القانون فقط يكون مصدر الأحكام التي تعلن باسم الشعب الجزائري.
وإذا كان على الصعيد القانوني لا يسجل نقص في الضوابط والإجراءات ما عدا بعض الغموض بالنسبة لمواد مفصلية تفتح حالبا أمام تفسيرات واجتهادات مختلفة قد يستغلها المتعاطون مع الفساد، للانحراف عن مسار القانون، الذي يبقى بمثابة الصخرة التي تتكسر عليها جرائم الرشوة، تضخيم الفواتير، النهب وتبديد المال العام. بل حتى المال الخاص الذي يدخل في مجال الاستثمار يجب أن يحظى بالحماية المطلوبة لكي يحقق الأهداف المسطرة في ورقة طريق النمو.
في ظل هذه الظروف الصعبة، لا يمكن أن يبقى الجهات المخولة في موقع المتفرج، بينما تتعرض مقدرات الأمة لأعمال تصرف تصنف في حانة الجرائم الاقتصادية، حتى وان كان بعضها يتستر وراء اعتبارات اقتصادية، مثل المخاطرة وانعكاسات تقلبات الأسواق، لتبرير ممارسات لا تخدم الاقتصاد الوطني، الذي يحتاج اليوم أكثر  من أي وقت مضى لاسترجاع ما فقده في فترات غاب فيها الضمير.
وفي انتظار آن يتم إعادة بناء البنية القانونية ذات الصلة بحماية الاقتصاد بكل مكوناته، خاصة تحويل العملة للخارج وتمويل الاستثمار المنتج، لا ينبغي تضييع مزيد من الوقت لإعادة الإمساك بخيط النمو الرفيع وتعزيز عناصره المنتجة للثروة بالموازاة مع تفعيل آليات التصدي للأفعال التي تشكل تهديدا للمال العام بمختلف أشكاله سيولة نقدية أو أملاكا عقارية أو وسائل إنتاج.
ويمكن تصور مدى الخسائر التي حدثت في التسعينات جراء تطبيق لمخطط خوصصة المؤسسات الاقتصادية المحلية البلدية والولائية، من خلال ما كان يعرف ببرنامج إعادة هيكلة الاقتصاد، فضاعت قوة هائلة من عقارات وأدوات أنتاج في قطاع البناء خاصة، كان يمكن انو يعاد نبؤها ضمن رؤية اكسر واقعية تتقاطع مع معادلة النمو.
اللحظة الراهنة، حاسمة بالنسبة للمستقبل، الذي بقدر ما يحمل تهديدات في الأفق تمام تراجع احتياطي الصرف بالعملة الصعبة وضعف مؤشرات الإنتاج والإنتاجية في المؤسسات الاقتصادية المختلفة المنتجة للسلع والخدمات، فانه لا يزال يتوفر على عوامل إدراك برّ الأمان، شريطة أن يتم نقل تلك القيم والمبادئ التي رفعت في جمعات الحراك إلى مستوى الممارسة اليومية للفرد في مواقع العمل، وتجسيد تلك التطلعات من خلال الالتزام بقيمة العمل.
سعيد بن عياد