طباعة هذه الصفحة

اليوم العالمي للشغل.. مكاسب وتحديات

تبني حلول واقعية تحمي العامل وديمومة المؤسسة

فضيلة بودريش

تخفيض الضريبة على إجمالي الدخل بدل الزيادة في الأجور

يستعيد عالم الشغل بالكثير من الترقّب يحذوه الطموح لافتكاك مكاسب اجتماعية جديدة وتحقيق مطالب مهنية تحافظ على القدرة الشرائية للجبهة الاجتماعية وتحميها من التدهور، مع كل وقفة جديدة وذكرى تعود لليوم العالمي للشغل الذي يتزامن مع الفاتح ماي من كل سنة، ولا يمكن إغفال الأشواط التي قطعها العامل الجزائري سواءً تعلّق بمعركة الإنتاج في القطاعين العام أو الخاص، أو بالمسار النقابي الذي تشبّث بمبدأ «خذ وطالب»، لكن العامل والنقابي والمسير مطالبون بالمزيد من الاحتراق والكثير من الاحترافية ولأن مصير العامل في ديمومة المؤسسة وإدراك المحيط الذي ينشط فيه، وتبني حلول واقعية تحمي مصالح العامل وديمومة المؤسسة، فعلى سبيل المثال اللجوء إلى التخفيض في الضريبة على إجمالي الدخل بدل الزيادة المباشرة في أجور العمال التي تتطلّب أموالا ضخمة ونفقات جديدة على الميزانية.

تتحمّل المؤسسة الاقتصادية العمود الفقري للاقتصاد الوطني حصة الأسد في سيرورة النمو المنشود ولعلّ من يقود ويحرّك المؤسسة يمكنه مهما اختلف موقعه أن يحافظ على النسيج ويبذل جهدا آخر لتطوير أدائه، لأنه لا بديل عن قيمة العمل في التغيير للأحسن، ومن الضروري عند كل وقفة يحتفى فيها العامل بيومه العالمي أن نستدرك النقائص، حيث لا يوجد تعارض بين المطالبة بالحقوق وتحسين الإنتاج والإنتاجية والمثال الياباني لخير دليل، حيث يمكن أن نجعل من مضاعفة العمل والإنتاج كأحد أساليب الاحتجاج ولعلّ المرتبة المهمة والتموقع الاقتصادي لليابان اليوم لخير دليل على أهمية العمل وأثره العميق في تغيير الحياة الاقتصادية والاجتماعية نحو الأحسن.
تفعيل الترسانة التشريعية
وفي الفاتح ماي من كل عام، من المفروض أن تكون وقفة من أجل تصحيح الأخطاء الاقتصادية، وتغيير الحلول التي لم تثبت نجاعتها بخطوات أكثر فعالية وصرامة في تجسيد ما رسم من خارطة العمل، ولأنه لا حلّ يعلو على خيار العمل بجد وعبر مسار صحيح، و المطلوب من العامل في الجزائر أن يحافظ على مؤسسته وآلته الإنتاجية التي تضمن له مصدر رزق دائم، ويمكنه أن لا يصمت عن مطالبه المشروعة سواء كانت مهنية أو اجتماعية عبر قنوات الحوار ومن خلال النشاط النقابي الذي يكفلّه له القانون، لأن العامل تواجهه العديد من التحديات الداخلية على مستوى مؤسسته وخارجها بسبب المحيط الخارجي، علما أن العامل كان قد اصطدم بانعكاسات الأزمة الاقتصادية، بل وكان أول ضحية للأزمة بسبب انهيار قيمة العملة وتراجع القيمة الشرائية للعملة وتقلص فرص التشغيل وتراجع الرواتب لدى العديد من مؤسسات القطاع الخاص، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ينبغي تسليط الضوء على التشريعات التي أصبحت العديد منها لا تنصف كما في السابق العامل الذي ينتج الثروة ولا تحمي حقوقه في حالة الإخفاقات التي تتعرّض لها المؤسسة وليس العامل مسؤولا عنها لأنها تنتج بسبب الفساد واختلالات التسيير وضعف الرؤية وعدم الدفع بالكفاءات نحو الأمام، فمثلا قد تسجّل في قطاعات الصناعة والخدمات والمرافق الإدارية ومختلف المؤسسات الاقتصادية، لا سيما المالية والنقل ومن الضروري التحذير من عواقب سطوة الجانب البيروقراطي على الإنتاجي، التي تجعل من العامل في الورشة يشعر بالحرمان مقابل الإداري الذي يبذل جهدا أقل بامتيازات أكبر. ولعلّ أفضل حماية لحقوق العامل تكمن في النمو المستديم والتطوّر المستمر للمؤسسة والرؤية الصحيحة والتموقع الجيد للمؤسسة في السوق الداخلي والخارجي. والقائمين على المؤسسات والمسؤولين عن البرامج يجب أن يتحلّوا بيقظة مستمرة عن طريق وضع خلايا استباقية تحمي المؤسسة من الزوال والعامل من البطالة.
وضوح علاقات العمل
وبالتركيز على الجانب القانوني، يمكن الحديث عن مشروع قانون العمل الذي مازال حبيس أدراج وزارة العمل فبعد أكثر من 10 سنوات من الشروع في فتح ورشة مراجعته وتعديله، مما يطرح سؤال حول حقيقة أحكامه من حيث الحفاظ على المكاسب.. فماذا يخفي مشروع قانون العمل بين نصوصه واستحالة أن يرى النور؟ على خلفية أنه كان الحديث قد جرى عنه، وأكدت بعض التسريبات أن الخلاف الكبير الذي كان مثار تمثل في عقود العمل المحدّدة وعقود العمل غير محدّدة، إلى جانب بعض الشروط القاسية التي تضمنها المشروع على العامل واستحال معها أن يطرح على النقاش ويصوت عليه، والمتفق عليه أن سَنّ قانون العمل لا يجب أن يستجيب للسلطات العمومية أو أرباب العمل ويرضي جهة دون الأخرى، بل يجب أن يوسّع ليشمل مواقف النقابات حفاظا على استقرار عالم الشغل، ذلك أن النمو مشروط بمدى وضوح العلاقة بين المؤسسة والعامل، وكلما كانت واضحة ودقيقة ومستقرة، كلما زاد تعلّق العامل بمؤسسته ولا يبخل في عطائه، ولعلّ كل ذلك ينعكس على الأداء ويفعل من الإنتاج. وحتى يشجّع العامل أكثر على الاحتراق، ينبغي  أن يوفّر له التكوين للرفع من مهاراته والصحة في العمل، وبالتالي، فإن النمو ليس اقتصادي فقط بل يرتكز على الجانب الاجتماعي لعالم الشغل.
لهيب الأسعار وقدرة شرائية منهارة
وفي ظلّ معاناة شريحة واسعة من العمال في مختلف القطاعات سواء الاقتصادية أو على مستوى الوظيف العمومي، الذي يستوعب الملايين من العمال بفعل الرواتب الزهيدة التي لا يتجاوز بعضها سقف 18 ألف دينار، تتعالى بعض الأصوات لتطالب بخيار بديل عن الزيادة في الأجور الذي يكلف الخزينة العمومية نفقات جديدة، من خلال التخفيض عن الضريبة على إجمالي الدخل التي تضعف الأجور وتستنزفها، مقابل أن أصحاب الثروات معفيين من دفع الرسم على الثروة الساري والمعمول به في دول متقدمة، بل وتمكن الأثرياء من إسقاط الضريبة على ثرواتهم الطائلة على مستوى البرلمان، ونجحوا في منع سنّها في مشروع قانون المالية.. وبقي العامل البسيط الذي يتقاضى أجرا زهيدا يغطي نفقات الخبز والحليب والصابون والماء والكهرباء والغاز.. يتحمّل الأعباء ويواجه لهيب الأسعار بقدرة شرائية منهارة؟
إذا عودة الفاتح ماي ينتظر منها العامل أن تكون محطة دورية لتصحيح الأخطاء واستدراك النقائص لإنصاف من يحترق في حقول النفط وورشات البناء وأفران المناجم.. و.. و حماية الكفاءات من التهميش، لأن بعض المؤسسات الاقتصادية بإمكانها الاعتماد على الكفاءات الوطنية لكنها تفضّل جلب الخبراء من الخارج والاعتماد عليهم.. وعودة الفاتح ماي تكون كذلك لتفعيل الصوت النقابي لمواصلة مسؤولية الدفاع عن العامل والمؤسسة التي قد تكون محل أطماع لمصالح شخصية ضيقة.