طباعة هذه الصفحة

البنوك في عين الإعصار واستهداف العمومية منها يثير تساؤلات

القروض الجارية حوالي 103 مليار دينار منها حوالي 300 مليار للمنشآت العمومية

سعيد بن عياد

ما استحـوذت عليـــه «الأوليغـــارشيــــة» حوالي 400 مليار دينار  أي مـا يعــادل 4 ملايير دولار

في خضم التطورات التي تعرفها البلاد، خاصة أمام هول ما يحدث في إطار مكافحة الفساد بحيث شمل رؤوسا كبيرة سياسية واقتصادية، تمر المنظومة البنكية الوطنية خاصة العمومية بمرحلة حرجة، مما يثير تخوفات حول مدى التداعيات التي تنعكس عليها، في وقت يتأكد فيه دور البنوك في مرافقة إعادة انتشال المؤسسات التي تتواجد في السوق، ضمن المعايير التي تتعلق بحماية المال العام وتتبع مسارات القروض بآليات العمل المصرفي، بحيث يتم الحرص على أن لا يضيع دينار واحد.

كفاءات مشهود لها تشتغل بعيدا عن الأضواء وترسم الحلول التقنية اللازمة لحماية مصالح المؤسسات البنكية والمالية التي يديرونها، مؤكدين أن العمل وحده ما ينتج الثروة، وبالتالي العمل جميعا حول خيار حماية المنظومة الاقتصادية لتواصل أداءها للخروج تدريجيا من دوامة الأزمة.
في هذا الإطار لا يوجد تعارض بين ترك القضاء يشتغل على ملفات الفساد وتأكيد الثقة في البنوك، العمومية منها بالأخص، لتستمر في النشاط دون المساس بمصداقيتها ومصداقية إطاراتها، فلا «تزر وازرة وزر أخرى».
المعطيات كما هي اليوم بالنظر لمؤشرات الساحة الاقتصادية، تبعث على القلق نتيجة تعطل أداء جانب من المؤسسات التي تورط أصحابها في قضايا فساد تعالج في إطارها الطبيعي وفقا للقانون، واتساع نطاق التشكيك في الكفاءات الجزائرية واستهدافها بوضعها بالجملة في دائرة الاتهام بشكل يحمل تأويلات ينبغي الانتباه لها، ذلك أن استهداف البنوك كمؤسسات محورية في النظام الاقتصادي يثير أكثر من سؤال بشان المستفيد من ذلك في نهاية المطاف.
الحرص على مواصلة انجاز المشاريع لتحقيق المردودية المالية
القروض المتراكمة الجارية التي قدمها بنك الجزائر من خلال 20بنكا تقدر بحوالي 103 مليار دينار بما يعادل 100 مليار دولار، منها حوالي 300 مليار دينار للمنشات العمومية.
هذه الموارد موجهة لتمويل مختلف القطاعات مثل الخدمات الصحية، العيادات، الرقية العقارية.
 لذلك برأي المتتبعين للشأن المالي، فان ما تكون قد استحوذت عليه الفئة الأوليغارشية لا يتعدى 400 مليار دينار ما يعادل 4 ملايير دولار اي 4 بالمائة من اجمالي القروض التي منحتها البنوك.
في قراءة لمؤشرات التمويلات العمومية فان بين 400 الى 500 مليار دينار منحت في شكل قروض بالتوقيع منها 100 مليار  د ج تسبيق على مشاريع.
تقدر نسبة التسبيق بـ 15 بالمائة من قيمة المشروع الاستثماري، وتتولى دفع المبلغ الوزارة صاحبة المشروع بضمان من البنك، واذا توقفت تلك المشاريع لمشكل ما، وتقدر مبالغ التسبيق بحوالي 300 مليار دينار، فان البنوك هي التي تتحمل الاعباء.
امام هذا العبء المكلف فان المنطق والتبصر يفرض الحرص على ان تستمر تلك المشاريع تحقيقا لانجاز الاهداف الاقتصادية وبالذات تحقيق المردودية المالية.
يستبعد كثيرون فرضية ان البنوك لا تطلب ضمانات بل ان البنوك تتعامل مع تمويل المؤسسات اكثر من تعامله مع الاشخاص الطبيعيين، بحيث ان القرض يعتبر عقدا بين مؤسستين.
وعن الضمانات التي يستوجب تقديمها للبنك، فان العارفين بعالم البنوك يشيرون الى ان القانون لا يلزم بتحديد للضمانات المطلوبة، بحيث هناك مبدا عام يعتمد مفاده ان كل قرض يجب ان يكون مضمونا وهي مسالة تنظيمية خاصة بكل بنك، على اساس ان القرض يرتكز على عنصر الثقة.
البنك في منحه لقروض لفائدة مؤسسة يحرص على آليات الرهن، التقنيات البنكية، علما ان البنك عادة يمول الى مستوى 80 بالمائة من قيمة القرض ويقدم المستفيد 20 بالمائة مساهمة، وبفعل معدل الفائدة فانه، اي البنك، يحصل على قيمة القرض بالتسديد السنوي وتتم تعطيته واكثر بنسبة 125 بالمائة.
الملاحظ انه لا يوجد قانون واضح يتعلق بالضمانات وانما العمل ضمن احكام قانون النقد والقرض لبنك الجزائر الذي يحكم عمل البنوك التجارية.
بموجب كل هذا تمارس رقابة مستمرة ومقننة من جانب ـبنك الجزائر تشمل كافة البنوك في السوق الجزائرية.


جهازان مستقلان لمراقبة عمل البنوك

في هذا الاطار هناك جهازين مستقلين للقيام بهذه المهمة وهما المفتشية العامة لبنك الجزائر واللجنة البنكية، وهي جهاز يوازي المفتشية العامة للمالية التي تراقب منظومة الاقتصاد العمومي، (مجلس المحاسبة يتابع المال العام حيثما كان).
للعلم هناك 10 الاف حساب عمومي تتعلق بالوزارات، الولايات و البلديات.
المال العام هو تلك الموارد القادمة من تحصيل الضرائب المختلفة مثل الرسم على القيمة المضافة، الفائدة على الشركات، وهي اموال يدفعها المواطن دون ان يكون له امكانية او حق استرجاعها رغم انها امواله، الا انه يتابع استعمالها ومعرفة مصيرها من خلال ملاحظة مدى انجاز منشات عمومية ومرافق مختلفة(هذه الاخيرة تنمح للخواص في اطار الامتياز).
ان الضرائب التي يدفعها المواطن لتمويل الاقتصاد هو نوع من التوفير الذي لا يسترجعه، خلافا للاموال التي يوفرها لدى البنوك ويمكنه التصرف فيها باعتباره اموال خاصة.
للاشارة تعتبر الضريبة رقم اعمال الدولة توجه لتمويل المرافق العامة.
اليوم أمام المشهد المعقد والذي يعكس تخوفات بالنظر لمؤشرات سلبية تستدعي إدراك الموقف من الجانب الاقتصادي لحماية وتيرة النمو، حتى وان تراجع ظرفيا، وذلك باتخاذ المبادرة الخلاقة والجريئة، بحيث يتم التمييز بين الأشخاص الطبيعيين المتورطين الذين تشملهم متابعات قضائية تحت عنوان الفساد، والمؤسسات، كشخص معنوي، التي كانوا يديرها أو يملكها المعنيون.
 للتوضيح تتولى المؤسسات المعنية انجاز مشاريع جارية لديها علاقة مباشرة بالتنمية، مما يتطلب الحرص على ديمومتها، بما يضمن استمرارية المؤسسة من جانب وحماية مناصب العمل من جانب آخر، في وقت يوجد فيه آلاف العمال في حالة قلق أمام تلويح هاجس البطالة وتوقف تسديد الأجور.
حماية وسائل إنتاج لمؤسسات تورط أصحابها في فساد
ولا بديل عن حل واقعي ومسؤول، بالتوجه وفي اجل قصير إلى اعتماد خيار تعيين مسيرين بارزين «مناجرة» لديهم باع مشهود له في إدارة المؤسسات ويحملون مسارا ناجحا في تسيير أزمات المؤسسة الإنتاجية لتولي أمر إدارتها وفقا لورقة طريق هادئة وواضحة لها أهداف تنموية من خلال حماية وسائل الإنتاج وتامين مناصب العمل، وتفادي الوقوع في ما حصل في قضايا ماثلة سابقة على غرار «الخليفة»(80 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة أغلقت الباب) و»تونيك»، التي وان تم استرجاعها، إلا أن النتائج تبدو ليست في مستوى التطلعات، فالضرورة تتطلب تعيين مسيرين وليس مصفّين لا يحققون القيمة المضافة.
بهذا الخصوص ينبغي الإشارة إلى  أن السقوط في مسار سلبي يضع المؤسسات المدرجة في هذا النطاق على حافة الإفلاس يجر معه البنوك العمومية وحتى الخاصة(لان عديد رجال الأعمال ليدهم حسابات فيها) إلى تحمل ضرر له كلفة كبيرة، في وقت يبرز فيه نقاش ينبغي أن يخوضه خبراء وإعلاميون يتحكمون في المعطيات ويحللون بدقة المؤشرات لتوضيح الرؤى الواجب إتباعها، تفاديا لما لا يطيقه الاقتصاد الوطني.
والملاحظ في هذه الفترة، هناك تيار يستهدف البنوك العمومية بتحميلها ما لا يطاق، بينما حقق بعضها فوائد لها ثقل مالي ايجابي تقدر بالنسبة لستة بنوك عمومية بحوالي 150 مليار دينار، ومن ضمنها مثلا بنك الجزائر الخارجي الذي سجل 57 مليار دينار فوائد سنة 2017.
للإشارة تضمن البنوك العمومية لوحدها تسديد أجور عالم الشغل بما لا يقل عن 32 مليار دينار في السنة. وكمثال بنك «بدر» لوحده يقدم 11 مليار دينار ويشغل 7500 عامل من إجمالي عمال البنوك جميعها يقارب 36 ألف عامل.
ويعود المهتمون بمستقبل البنوك حتى لا تتأثر بالظرف الراهن وضرورة مرافقتها لتستعيد مكانتها في السوق الى تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في ظل أزمة القروض الرهنية التي تفجرت في 2008 حيث، وبدون تردد، تدخلت الدولة المركزية من خلال مؤسستها المالية الفيديرالية عن طريق تفعيل آلية إعادة رسملة المنظومة البنكية لتواصل أداءها، حتى خرج اقتصاد هذا البلد العملاق إلى بر الأمان ويواصل اليوم هيمنته في العالم بفضل البنوك التي تلعب دورا في تنشيط السوق.
لكن ما هو مطلوب اليوم للحفاظ على السيطرة على المعطيات والتحكم في معالجة الأزمة أن يساهم الخبراء وأصحاب الرؤية السديدة في توضيح المسائل للرأي العام والمتعاملين وحتى المواطن البسيط، وتفكيك خيوطها بعيدا عن التهويل أو المغالطة، بحيث توضع الأمور في نصابها ضمن تحاليل شفافة ودقيقة، حتى تستمر تشكيلة الـ 20 بنكا التي تنشط في السوق حاليا في أداء وظيفتها الاقتصادية، خاصة في جانب الرفع من حجم التوفير وتنمية الادخار الوطني.
ويمثل هذا الأخير القوة الضاربة لمواجهة المرحلة الصعبة القادمة حتى لا تعرض الاقتصاد الوطني لشح التمويل وتفادي هزات في العمق قد تؤدي إلى شلل تام، وحينها سوف لن يكون لمسعى التغيير الذي ينشده الجميع معنى، إذا تعطل النمو وضاعت فرص النهوض مجددا على أسس واضحة ترتكز على إصلاحات سياسية شاملة لكن بعيدا عن المساس بمكونات إنتاج الثروة مهما كانت عيوبها التي يمكن تصحيحيها. وهنا بالذات يكمن التحدي المصيري الذي يتطلب التمييز بين المسائل السلبية والايجابية والفصل بينها حتى لا تضيع البوصلة.