طباعة هذه الصفحة

كمال رزيق الخبير الاقتصـادي لـ «الشعب»:

الاستدانـة الخـارجيـة تكـــون من مؤسسات مالية دولية مختصــة

حاورته: فضيلة بودريش

عصرنة المنظومة البنكية ضرورية لتجاوز البيروقراطية والفساد

تحدث كمال رزيق الخبير المالي والاقتصادي، عن اللّجوء إلى خيار الاستدانة الخارجية، وقيّده بشروط حتى تكون الجزائر في وضع آمن، واشترط أن توجه الأموال للاستثمارات الكبرى، المنتجة للثروة والمشاريع الاقتصادية، التي يمكن أن تستحدث القيمة المضافة وبشروط محددة، وتحدث بإسهاب عن المزايا والتسهيلات التي تضمنها مشروع قانون المالية لعام 2020، لكنه اشترط التقييم لمختلف الإجراءات التي تطبق، وتحدث بالموازاة مع ذلك عن السبل المتاحة للدفع بالدينار نحو التعافي.

- «الشعب»: هل اللّجوء إلى الاستدانة الخارجية خيار حتمي لدفع وتيرة النمو؟

  الدكتور كمال رزيق: إن مسألة الاستدانة الخارجية ليست أفضل من الاستدانة الداخلية، لأن اللجوء للاستدانة الخارجية، من أجل التمويل الاستثمارات تكون بالعملة الصعبة، وندرك بشكل جيد بأن الظرف المالي الحالي قد تغير كثيرا، على خلفية أن احتياطي الصرف انخفض بشكل رهيب من سقف 200 مليار دولار إلى تقريبا 70 مليار دولار، وفي ظل تسجيل صعوبة لتلبية احتياجات المؤسسات الاقتصادية، خاصة أنه في بعض الأحيان تكون هناك استثمارات، تتطلب سقفا من وفرة في العملة الصعبة لاقتناء المعدات والتجهيزات، وبالتالي يصبح من الصعب توفير هذه الموارد المالية، وأكيد أن الاستدانة فيما يتعلق بنفقات التسيير ممنوعة، أي لا يمكن الاستدانة لاستيراد مواد غذائية وواردات تضم قائمة من المواد الاستهلاكية، لأن الأمر مرفوض، لذا الاستدانة فيما يتعلق القيام بمشاريع عمومية ذات طابع نفعي، من دون أن يكون لهذه المشاريع إيرادات، لأنها دون شك مرفوضة، غير أنه فيما يخص الاستدانة المسموحة، تلك التي تشمل المشاريع الاقتصادية ذات الإيراد والعائد المالي، أي تكون لها قيمة مضافة وتستحدث الثروة، أي هذا العائد المربح، يعني المجال الوحيد المسموح في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، يتمثل في استدانة المؤسسات الاقتصادية، بشرط أن يكون المشروع تجاريا اقتصاديا مربحا لديه عوائد مالية مضمونة، وأما الشرط الثاني للاستدانة، يتمثل في ضرورة أن تكون هذه الاستدانة من مؤسسات مالية دولية متخصصة في التنمية، يعني مثلا يستحيل الاستدانة من صندوق النقد الدولي أوالبنك العالمي، حيث يمكن الاستدانة على سبيل المثال من البنك الإفريقي أوالبنك العربي أوالبنك الإسلامي أوالبنك الأوروبي، لأن هذه  البنوك تهتم بالجانب التنموي، والشرط الثالث أن هذه الاستدانة مشروطة برخصة من وزارة المالية، أي من الحكومة والمسؤول الأول والأخير على تسيير وإدارة الديون الخارجية، بما فيها الديون التجارية تتمثل في الحكومة، ممثلة في البنك المركزي، لذا لا يمكن لأي شخص أن يتوجه إلى هذه الطريقة، على سبيل المثال نجد مجمع «سونلغاز» لديه مشاريع كبيرة جدا، خاصة من أجل التحضير ومواكبة التطور في آفاق عام 2030 و2040، والأمر يتطلب إرساء مجموعة من المشاريع، وللأسف هذه المشاريع تحتاج إلى أموال بالعملة الصعبة، لذا يمكن لكل من سونطراك أو»سونلغاز» أومؤسسات أخرى، اللجوء لهذا الأسلوب، وبالتالي نقول أن الاستدانة الخارجية كعملية وخيار استراتيجي، يمكن اللجوء إليها في الاستثمارات التي تتطلب العملة الصعبة، أما الاستدانة الداخلية أمر آخر لأن الاستدانة الخارجية لا تعوّض الداخلية، لأننا نعلم أنه في بعض المشاريع مائة بالمائة يتم تمويلها بالدينار الجزائري، وهناك مشاريع أخرى لا يمكن ذلك، حيث يموّل منها جزء بالدينار والجزء الآخر بالعملة الصعبة، وفيما يتعلق بالمشاريع التي تكون بالدينار تتطلب الاستدانة الداخلية، والحكومة لديها خيارات كثيرة، لأنه في قانون المالية السابق، الحكومة سمحت لنفسها أن تقوم بإصدار سندات خزينة بدون فوائد، حيث يمكن اعتبار ذلك ما يطلق عليه في المالية الإسلامية بالصكوك الإسلامية، أوسندات بدون فائدة، فيمكن اللجوء إليها من طرف الحكومة بما يسمى في التزاماتها في نفقات التسيير، أوفيما يتعلق بالتزاماتها في نفقات التجهيز، حتى من خلال معالجة اختلالات الموازنة، يمكن اللجوء إليها، إذا إنها فرصة للحكومة بدل الذهاب إلى طبع النقود أوطرق أخرى، يمكن الاستعانة بها وبالتالي الذهاب إلى هذه الاستدانة خاصة بالنسبة لنفقات التجهيز.

المقاولة الشبانية عصب النسيج المؤسساتي

- تضمن مشروع قانون المالية لـ 2020 سلسلة من الإجراءات التحفيزية، من أجل مواجهة الظرف الاقتصادي الصعب،أهو كاف؟

  لا يخفى أن مشروع قانون المالية لعام 2020، يتضمن العديد من النقاط الايجابية، على اعتبار أنه يحتوي على تحفيزات مهمة أطلقتها الحكومة، لفائدة الشباب حامل مشاريع المؤسسات الناشئة، ورغم أننا متأخرين في ذلك، لكنه إجراء جيد، كون هذه المشاريع في الوقت الراهن، تشهد رواجا كبيرا في الاقتصاد العالمي، ومع الأسف الشديد مازلنا لم نواكب ذلك، ولعل تقديم تحفيزات لهذه المشاريع أمر نستحسنه كثيرا ونثمنه، لكن ينبغي إدارته بعقلانية ومتابعته بتسيير راشد، لأنه في رصيدنا تجارب في مشاريع «كناك» و»أونساج»، ونحرص حتى لا تتكرر نفس الأخطاء والإخفاقات في «ستارتاب»، علما أنه كانت في السابق لقاءات مع أصحاب مثل هذه المشاريع، من أجل تطوير هذا النوع من النسيج المؤسساتي، وأعتقد أن مستقبل الجزائر في المقاولات الشبانية في مختلف المجالات والقطاعات.
من الإجراءات الايجابية التي حملها مشروع قانون المالية، أذكر مراجعة القاعدة الاستثمارية 51-49، وبإلغاء هذه القاعدة يمكن القول أنه سيتم بشكل تلقائي إلغاء حق الشفعة، لأن الإجراءين تم تطبيقهما بموجب قانون المالية التكميلي لعام 2009، لفترة زمنية محددة ولظروف معينة، عندما كانت تسري ما يطلق عليه بالوطنية الاقتصادية، وفي وقت كانت فيه أسعار النفط تفوق سقف 100 دولار، وحاليا سعر البرميل 60 دولارا، وبالتالي نتجه إلى فتح السوق الجزائرية على مصرعيها، لأن الوضع والظرف يتطلب ذلك، لذا نرى أن القاعدة الاستثمارية 51-49 ، سببت أضرارا للاقتصاد الوطني، على خلفية أن مشاريع كثيرة جاءت إلى الجزائر، ثم اتجهت إلى دول الجوار بسبب الفساد، أي ترك السوق حرة ماعدا القطاعات الإستراتجية، والمجال مفتوح للراغبين في الاستثمار، ونترك المستثمر الأجنبي إذا أراد أن يكون له شراكة مع المتعاملين الجزائريين فذلك من شأنه أن يعقد الشراكة ويحدد النسبة التي تتناسبه، ويمكن أن يتشارك مع أكثر من شخص والعكس، ولا يخفى أن هذه القاعدة كانت معرقلة، بل مسرطنة لمناخ الاستثمار الجزائري، وبموجب قانون المالية للسنة المقبلة، يمكن لأي مستثمر أجنبي أن يستثمر في إطار قانون الجمهورية، ويحول الأرباح في إطار قانون الجمهورية، أي شكل من أشكال تطهير مناخ الأعمال، ليكون أكثر جاذبية.

- بحسب تقديرك إلغاء القاعدة الاستثمارية 49-51 قادر على ترسيخ جاذبية كبيرة على مناخ الاستثمار وبناء شراكات اقتصادية مهمة؟

  دون شك عندما يتم إلغاء القاعدة الاستثمارية 51-49، فإننا نكون بصدد تهيئة مناخ الأعمال، أي دعوة المستثمر الأجنبي للحضور، لأن مناخ الأعمال يكون محفزا، لكن لا ينبغي أن نقع في الفخ، كون هذه القاعدة ليست وحدها المعطلة والمتسببة في نفور المستثمر الأجنبي من الجزائر، ولأنه تضاف إليها أسباب أخرى، يجب أن تعجل الحكومة بإزالتها، من بينها البيروقراطية الإدارية، ولا نبالغ إذا قلنا أنه من أخطر الأسباب والآفات المعرقلة البيروقراطية الإدارية، والتي كثيرا ما تسفر عن ظهور فساد إداري، هذا من جهة ومن جهة أخرى ينبغي إعادة النظر في سلسلة من القوانين، من بينها تلك السارية على المنظومة المصرفية، حيث  يستحيل ولوج عالم أعمال جذاب في وضع مصرفي ومنظومة بنكية مازالت تسير بخطى تقليدية، ولأن البنوك صارت من المعيقات التي تعرقل الاقتصاد، ويجب على الحكومة أن تطهر وتعيد النظر في المنظومة المالية، لتجاوز البيروقراطية وقطع الطريق في وجه الفساد.

ترشيد الاستهلاك لإنعاش الدينار

-  كيف نجعل من الإعفاءات الممنوحة للشباب حاملي المشاريع، عاملا إيجابيا مضمون العوائد المالية ومحفزا يدفع بوتيرة النمو؟

 إن مختلف الإعفاءات أمر جيد، لكن لا يجب أن نقع في نفس الإشكالات والاخفاقات التي تم تكبدها في المشاريع السابقة، وعلى خلفية أن المشكلة تكمن في أن مختلف المشاريع التي تطلق لا تخضع للتقييم، ولكي لا نرتكب نفس الأخطاء التي سجلت في السابق في مشاريع «أونساج» و»أونجام» و»كناك»، ولأنها آليات لم تقيم تقييما علميا دقيقا، لتشريح إيجابياتها وتصحيح سلبياتها، أي كم أنفقت خزينة الدولة من تسهيلات وإعفاءات ضريبية، وبالمقابل معرفة ماهوالعائد المالي؟.. أي حجم مناصب الشغل التي تم استحداثها في إطار هذه الآليات، وأتمنى مع ستارتب» أننا نعالج الخلل الموجود من قبل، كي لا نقع في نفس الإشكالات، لأنه أكيد أننا في منظومة اجتماعية، تتوفر لديها الأفكار وفي ظل وجود البطالة بالملايين توجد فرص عمل، ويجب على المديين المتوسط والطويل أي في الخمس سنوات المقبلة والعشر سنوات القادمة، استحداث على الأقل 2 ملايين مؤسسة «ستارتاب»، من أجل استقطاب هذه البطالة المثقفة الموجودة في الجزائر، أي بطالين بشهادة الدكتوراه والماستر.  وفي الأخير أعتقد أنه آن الأوان لنشجع ونحفز هذه المؤسسات والسير بخطى دقيقة في مسار توسيع دائرتها، حيث يتم إنشاء على الأقل 100ألف مؤسسة كل سنة، وفي عشر سنوات يكون العدد كبير، وهذا يتوقف على إرادة الشباب وليس الحكومة وحدها.

- مازال الدينار يعاني انزلاقا مستمرا، ما السبل التي تجعله يتعافى؟

  لا يمكن توقع انتعاش الدينار بصورة مفاجئة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والهشة التي تمر بها الجزائر، وأعتقد أنه لضمان تحقيق قوة تنعش الدينار، يجب أن يكون الاقتصاد قويا، وللأسف مازال الاقتصاد الوطني في مواجهة تذبذبات أسعار برميل النفط، بل مبني على الاستيراد، لذا من الضروري، التقليل من فاتورة الاستيراد، علما أنه لو لدينا حجم الصادرات يتوافق مع حجم الواردات، نحقق دون شك الانتعاش في قيمة العملة الوطنية، لكن أمام حجم واردات عالية، انتقلت من 8 إلى 60 مليار دولار، أي نتج عن ذلك أن الطلب على العملة صار كبيرا، والحل يتوقف على مجموعة من الإجراءات المتكاملة، تتخذها الحكومة وينخرط فيها الجميع، بهدف  ترشيد الاستهلاك، ويمكن للمواطن استهلاك الإنتاج المحلي لتشجيع المنتوج الوطني، وتخفيض فاتورة الواردات ومن ثم تخفيض الضغط على العملة الصعبة، أي ينبغي تصحيح نمط استهلاك المواطن وجعله اقتصاديا، لتخفيض العبء على ميزان المدفوعات إذا الجميع مسؤول،  للوصول إلى توازن الطلب والعرض للعملة الصعبة.