طباعة هذه الصفحة

الحل الناجع البديل لطباعة النقود

النهوض بالادخار الداخلي لمواجهة أزمة السيولة

سعيد بن عياد

ليس هناك من موقع أفضل من الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط لإعطاء نفس جديد وفعّال لمسار التوفير في ظل مواجهة أزمة سيولة مالية تلقي بظلالها على المشهد الاقتصادي. كان اليوم العالمي للتوفير الموافق لـ 31 اكتوبر المكرس بمناسبة المؤتمر الدولي الأول لصناديق الادخار المنعقد بميلان (ايطاليا) سنة 1924، موعدا مواتيا لاجتماع الأسرة البنكية الجزائرية في يوم اعلامي تحت شعار التوفير تحديات وقدرات من اجل تشخيص المؤشرات وتحديد الفجوات وتشكيل تصورات تبعث نشاط الادخار المالي لتجنيد الموارد المحلية وهي موجودة بحجم معتبر يمكن ان يكون لها تأثير على النمو اذا ما أدرجت في المنظومة البنكية وفقا لقواعد جديدة للتوفير والادخار. هذا اللقاء كان له ثقله في المعادلة لتزامنه أيضا مع حلول الذكرى 65 لاندلاع ثورة نوفمبر التي نسجت قيمة الوفاء والاخلاص للجزائر ومنها يمكن استلهام قيم ومبادئ الاعتماد على قدرات المجتمع الجزائري بكافة شرائحه لحشد الامكانيات وتجنيد الموارد الكفيلة بتأمين الخروج من نفق الأزمة المالية التي نتجت عن تداعيات انهيار أسعار المحروقات، ولكن ايضا جراء ممارسات العصابة التي تلاعبت بمصالح الوطن وبدّدت ثرواته بمختلف اشكال الفساد الرهيب.
يلعب الادخار دورا كبيرا في نهوض أي بلد، علما أن كل سياسة اقتصادية ترمي الى ضمان النمو يجب ان تشجّع مضاعفة الادخار الداخلي، ولأهميته فإن كل عنصر اقتصادي يجب أو يمكنه المساهمة في هذا التوجّه، الذي يتطلب مرافقة لتوسيع نطاق الادخار المالي. ولذلك لاحظ المرصد الوطني للادخار الذي تأسّس قبل سنة من اليوم على مستوى الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية (ابيف) ضرورة اطلاق نقاش بين الشركاء المعنيين حول واقع ومستقبل الادخار ليكون الرد المناسب لاحتياجات تمويل الاقتصاد عامة وكذلك أداة لتمويل المؤسسات بالأخص. الاشكالية التي حددها اعضاء المرصد حديث النشأة تتمثل في مراجعة وفحص كل الجوانب ذات الصلة من اطار قانوني، ميكانيزمات بعث الادخار الى الطرق والوسائل اقحام المواطن خاصة الجالية المقيمة بالخارج والمجتمع المصرفي مرورا بالاندماج المالي لتحسين حشد الموارد.

صندوق «كناب» قاطرة استقطاب السيولة

الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط (كناب) يمثل القاطرة القوية على سكة الادخار خاصة بالنسبة للعائلات والافراد ويتعامل على منصتين واحدة بالشراكة مع بريد الجزائر الذي يتوفر على 4 ملايين دفتر توفير لبنك كناب موزعة على مستوى 3822 مكتب بريد عبر التراب الوطني، الى جانب المنصة الأصلية للصندوق الذي تأسس في 10 اوت 1964، ليكون نواة البنية القاعدية المالية للادخار الوطني. وتم اطلاق عملية جمع الادخار يوم 6 ماي 1966 بمنح اول دفتر للتوفير على مستوى البريد المركزي فيما تم العمل مع بريد الجزائر كان في 1966 ووكالات الصندوق في 1967، قبل ان يتم تعميم دفاتر التوفير على مستوى البنوك بداية من 1990، كما ذكر به محند بوراي نائب المدير العام لبنك كناب وعضو مرصد الادخار.
وأشار من خلال تحليل للمؤشرات المقارنة الى ان الادخار الداخلي الخام هو مبلغ توفير الادارات العمومية والقطاع الخاص، وهو مؤشر يسمح بتقدير قدرات البلاد لتمويل استثماراتها بمعنى قدراتها او احتياجها للتمويل.
وبخصوص محفزات اعتماد التوفير اوضح بوراي ان دراسة للسوق حول الموضوع توصلت الى ان التحفيز يتمثل حسب توجهات المواطنين في مجرد الحذر والاحتياط (70 بالمائة من الحالات)، تمويل العطل والحج والعمرة (35 بالمائة من الحالات)، تمويل عملية الزواج (20 بالمائة)، اقتناء وبناء وتهيئة (30 بالمائة)، اقتناء سيارة (15 بالمائة من الحالات التي شملتها الدراسة).
ومن اهم اشكال حيازة الادخار فإنها تتمثل في سيولة نقدية (65 بالمائة من الحالات)، حساب بريدي جاري (35 بالمائة)، حساب للتوفير (15 بالمائة) مصوغات (5 بالمائة).
وحول سؤال لماذا الاحتفاظ بالسيولة التقدية بدل ايداعها في البنوك توصلت الدراسة ـ كما اضاف المحاضر ـ الى ان المواطنين يفضلون ابقاء الاموال جاهزة (في 80 بالمائة من الحالات) واعتبار التوفير «حرام» مخالف للشريعة الاسلامية (55 بالمائة من الحالات) وقلة الثقة في البنوك (قي 50 بالمائة من الحالات التي شملتها الدراسة الاستقصائية).
وتبين ان هناك جهود يستوجب ان تبذلها المنظومة البنكية لارضاء زبائنها وتلبية احتياجاتهم وذلك بضمان وفرة الاموال بما في ذلك ترقية الدفع الالكتروني والرقمي، وضع واعتماد الصيرفة التشاركية (المطابقة لقواعد الصيرفة الاسلامية) لجذب المواطنين الذي لديهم حساسية تجاه هذه المسألة، توسيع تشكيلة المنتجات الخاصة بالادخار والتمويل لتلبية الاحتياجات الجديدة للزبائن (عطل، حج وعمرة، دراسة، تقاعد).
صياغة معالم جديدة مطابقة للواقع الاجتماعي
وفقا لبرنامج اليوم الدراسي قدمت الدكتورة مليحة عليوش من كلية العلوم الاقتصادية التجارية وعلوم التسيير بجامعة بجاية، تشخيصا لسلوكات ادخار العائلات في الجزائر، ارتكز على دراسة ميدانية شملت رصد سلوكات لعينات من 385 أسرة ببجاية من أجل تحديد التوجهات والعناصر التي تحدّد التوجّه نحو الادخار من عدمه، مستندة إلى إحصائيات مستقاة من الديوان الوطني للإحصاء.
أشارت المحاضرة إلى أن الاقتصاد يحتاج بانتظام إلى تمويل وقد خصته الدولة منذ السنوات الأولى للاستقلال سوق الادخار بأهمية كبيرة لارتباطه بالنمو.
الدراسة ارتكزت على عوامل مختلفة مثل المنطقة والإقامة وسن رب الأسرة، وشملت ست بلديات تم اختيارها وفقا لمعيار ديمغرافي (الكثافة السكانية) وآخر جغرافي (بلدية ريفية أو حضرية). هناك ثمانية عوامل تشجع على الادخار يضاف إليها عامل تاسع هو التوفير المسبق أو بهدف الاحتياط من المستقبل لتمكين الأسرة من مواجهة متطلبات متوقعة.
أظهرت الدراسة أن ادخار الأسر يتوزع كما يلي، التحسب للمستقبل (الحذر) 37,4 بالمائة، التقاعد 7,5، الاحتياط 46,5 و تنمية التراث المالي بنسبة 16,9 بالمائة. أما العناصر التي تحكم معادلة انتهاج الأسرة مسلك الادخار فهي الدخل، العلاقة بين الاستهلاك وتوفير المال، حجم العائلة (عدد الأفراد والمتكفل بهم) وسن المدّخر.
ودعت عليوش إلى توسيع رصد المؤشرات على مستوى جهوي ووطني انطلاقا من دراسة عينات أكثر لتعميق هذه النتائج الأولية والتوصل إلى إرساء معالم جديدة لمسار ادخار الأسر وتوفير الموارد المالية مهما كانت قليلة.
هذه المساهمة أثرتها أيضا مداخلات في الموضوع قدمها شكيب قاسيمي الحسني مدير بنك التأمينات كرامة حول محاور تنمية التنسيق بين البنوك والتأمينات في ترقية الادخار، التربية المالية كعامل للرفع من مستوى الاندماج المالي أعدها بلقالم محمد رئيس المرصد الوطني للادخار، النجاعة الاجتماعية للمؤسسات المالية المصغرة بين النظري والواقع عالجته فريدة نميري يايسي من جامعة لبجاية. وأثارت العروض نقاشا بين المهنيين سعيا لصياغة معالم خراطة طريق لتجنيد موارد مالية محلية عن طريق الادخار بالمعنى الاقتصادي.