طباعة هذه الصفحة

عمارة زيتوني رئيس مجلس المنافسة لـ «الشعب»:

قواعد المنافسة لا تساير التطور والتشريعات أصبحت قديمة

أجرى الحوار: سعيد بن عياد

 منصات «غافا» تهيمــــــــــن على 90٪ من الاقتصـــاد الرقمــــــي في العــــالم

 تحيين القوانين للأخذ في الاعتبار المعطيات الجديدة في سوق تتطوّر بسرعة مذهلة

يدعو عمارة زيتوني رئيس مجلس المنافسة الى ترقية النصوص التشريعة ذات الصلة وتكييف القوانين مع التطورات التي تعرفها السوق، خاصة في ظلّ اتساع نطاق الاقتصاد الرقمي، ولمواجهة تداعيات هيمنة المنصات العالمية الكبرى (غافا). ويشرح في هذا الحوار الذي خص به «الشعب» بمناسبة تنظيم ملتقى حول المنافسة والرقمنة، مسار مجلس المنافسة مشيرا الى ان المحيط لا يساعد على القيام بمهام الضبط، التي تفرض نفسها في الظرف الراهن. وبعد أن شرح العلاقة بين المجلس والرقمنة، أشار إلى العمل على تحسين المنظومة التشريعية المتعلقة بالمنافسة والمستهلك وحماية البيانات، ليؤكد أن التحولات العالمية تفرض بناء تكتل رقمي إفريقي من أجل حماية مركز البلدان الإفريقية في ظلّ عولمة الاقتصاد، خاصة وأن الجزائر أطلقت مسار خط للألياف البصرية باتجاه عمق القارة السمراء. وفي ما يلي الحوار كاملا.

«الشعب»: ما هي العلاقة بين مجلس المنافسة والرقمنة؟
عمارة زيتوني (رئيس مجلس المنافسة): هذا سؤال جدير وأشكرك على توجيهه إليّ، فقد لاحظت في القاعة البعض ينتابهم الشك وكأن العلاقة الموضوعية غريبة بالنسبة إليهم وبالذات موضوع الملتقى وصلاحيات الهيئة أي مجلس المنافسة. كما تعلمون هذه الصلاحيات منصوص عليها في القانون، وتوجد 3 قوانين وآخرها رقم 03/03 المؤرخ في 19 جويلية 2003 المعدل والمتمم يتعلق بالمنافسة. العلاقة موجودة كون الاقتصاد الرقمي او المنصات الرقمية موجودة في أمريكا، حيث هناك أكبر أربع شركات تكنولوجية تهيمن حاليا على الاقتصاد الرقمي، وهي ما يعرف بـ «غافا» تشمل غوغل، أمازون، فايسبوك وآبل. هذه كلها مع الصينيين تسيطر كما أوضحته ممثلة منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «كنوسيد» على حوالي 90 بالمائة من السوق الرقمية العالمية. قدوم الاقتصاد الرقمي قلب الوضع عالميا، في امريكا، أوروبا وآسيا، والبلدان النامية معنية في الصميم وقد لا يقدر البعض الكلفة. لذلك السوق اليوم مضطربة نتيجة تمركز السوق في قبضة شركات قوية مهيمنة تتعسّف وهذا يدخل في صلب المنافسة. ومعايير تقييم مخالفات قواعد المنافسة المتضمنة في القانون بما في ذلك الجزائرية أصبحت متأخرة ولا تساير التطور بمعنى هي تشريعات قديمة ولا تطبق.
 الخبراء أظهروا وجود حاجة لإنشاء وإيجاد معايير أخرى بما فيها للأسعار، في البداية الخدمات المعروضة من تلك المنصات كانت مجانية والمستهلك وجد فرصة الاستفادة منها لكن تمنح لك مجانا وفيما بعد تستحوذ المنصات على كافة المعطيات والبيانات الشخصية وتخزن قبل تسويقها لاحقا. هناك حالات عديدة في هذا المجال، غوغل مثلا غرمتها العدالة الأمريكية لعدم حماية البيانات التي تصنف شخصية وتندرج في الحياة الخاصة. وتأكد الآن أن الأمر يمس أمن الدول نفسها بفعل التلاعب بالبيانات وتوظيفها، لذلك هناك علاقة بين المنافسة والاقتصاد الرقمي الذي أخلط وغيّر قواعد المنافسة التقليدية.
 الجانب الآخر الذي يؤكد هذه العلاقة ما يخص حماية البيانات للحياة الخاصة للأفراد وحماية المستهلك الذي يتم الاستخواذ عليه ولا يتحكم في مركزه من حيث مصير المعلومات التي يقدمها ضمن الشبكة الرقمية، بحيث تؤخذ من هاتفه وجهاز الكمبيوتر وهي ممارسات أقرب للسرقة بفعل وقوع المستهلك تحت سلطة الرقمنة، كون المنصّات تملك سلطة رهيبة بموافقة من المستهلك الذي ينساق دون مقاومة. في أوروبا اللّجنة الأوروبية للمنافسة أدانت «غوغل» بغرامة مرتفعة لأنه استحوذ على مؤسسات صغيرة ومتوسطة من خلال عمليات شراء وإدمادج ليبقى وحده في السوق، بوضعه حواجز وعوائق عند الدخول الى أي صفقة تمنع المؤسسة الصغيرة من المنافسة وهي الأكثر ابتكارا وإنشاء لمناصب العمل وبذلك تختفي حتما، بذلك لم تحترم قواعد المنافسة فتمت إدانته. لكن هنا، ما الحل، نحن نريد لفت انتباه أصحاب القرار، أي السلطات العمومية، للمبادرة من الآن بإحداث مكاتب بحث لدراسة وتقييم الآثار على السوق الجزائرية، أقصد انعكاسات المنصّات الرقمية والنظر في الوسائل الأكثر جدوى وملاءمة لمواجهة الوضع، وهنا أشير إلى أولى الوسائل وهي تكييف الاطار القانوني، حيث هناك على الأقل 3 قوانين ما يتعلق بالمنافسة، حماية المستهلك وحماية البيانات.
- هل ترى الحل في توحيد هذه القوانين في نصّ واحد؟
 لا، هذه القوانين لديها علاقة، لذلك كل قانون يبقى منفصلا ليغطي المجال الخاص به، لكن ينبغي تحيين هذه القوانين لمواجهة ظاهرة رقمنة الاقتصاد، بحيث يتم الأخذ في الاعتبار المعطيات الجديدة، علما أن هذه السوق، وأكدته خبيرة «كنوسيد» نفسها تتطوّر بسرعة مذهلة وينبغي مرعاة ومواكبة هذا الجانب.

- بالنظر لسرعة التحوّلات الرقمية، ما هي وضعية السوق في الجزائر؟
 إننا نتحمل التداعيات، ونوجد في مركز سلبي. لم نتموقع حقيقة بشكل جيد في اقتصاد السوق بالمعنى الصحيح، لكن يجب ان نحضّر انفسنا لذلك. لا توجد اي هيئة انجزت دراسات حول الانعكاسات على الاقتصاد والسوق مع أن هذه المنصات العالمية تنشط في السوق الجزائرية مباشرة او عبر مندوبين في شكل مؤسسات صغيرة ضمن المناولة. ودون التهويل فإن «الذئب وسط القطيع» كما يقول المثل. لذلك ما العمل في وقت تبيّن أن الظاهرة عابرة للحدود، وخبراء من منظمة «كنوسيد» التقينا بهم في ندوات عقدت بجنيف يقولون إن بلدا لوحده لا يمكنه ان يواجه الوضع، وبالتالي يجب بناء تكتل والعثور على طريقة لإقامة تجمّع جهوي أو قاري للتعامل مع هذا الخطر، والخبراء ينصحون البلدان النامية بأن الاطار الأنسب لبدان افريقيا هو العمل ضمن اتفاقية التبادل الحر الاقريقية التي تمّ توقيعها مؤخرا، فالجميع يتحدث عن هذا الإطار كونه مجال افريقي ملائم لتشكيل قوة متضامنة ومتلاحمة للقارة السمراء لإيجاد آليات توفير الحماية وطبعا سوف يكون لهذا الطريق تأثير أكبر.
- في هذا الشأن، الجزائر أطلقت خط الألياف البصرية باتجاه العمق الافريقي، هل يساعد هذا على لعب دور ريادي لتأسيس مناعة رقمية للبلدان الافريقية؟
 هو مشروع قديم يخترق الجنوب الى نيجيريا، صحيح يندرج هذا في اتجاه ما ذكرته سابقا، بحيث بمجرد أن يتم الربط عبر الأنترنت تضطر البلدان للتعاون وضم الجهود للتعامل مع ظاهرة عولمة الرقمنة، لأن المعركة الاقتصادية بكل فروعها سواء استثمار أوتجارة ومبادلات تنتقل بسرعة من النظام التقليدي الى الرقمنة من خلال اتساع استعمال التكنولوجيات الجديدة، وهذا من بين أول التحديات التي تقف في وجه الأسواق الناشئة.
- نعود إلى واقع المنافسة في الجزائر ، أي حصيلة يمكن وضعها حول موقعها لدى عالم المؤسسات والمتعاملين، وهل يثقون في المنافسة؟
 بطبعي أنا متفائل، وأرى الجانب المليئ من الكأس قبل الفارغ منه. مجلس المنافسة لبلادنا هيئة حديثة وحسب معايير «كنوسيد» فإن هيئة من هذا النوع عمرها من 5 الى 10 سنوات هي هيئة شابة بمعنى حديثة. ليس لدينا تجربة طويلة لتقييم تأثير المنافسة على السوق، هل هي مطبّقة عمليا أو رصد ما ينقص فيها.
بالمناسبة تمنحني الفرصة مرة أخرى لأوضح لقرائكم الرهانات والظروف التي ولد فيها مجلس المنافسة خلال شهر جانفي سنة 1995. فقد جاء ضمن ما يعرف بإجراءات المرافقة لدخول الجزائر مرحلة اقتصاد السوق، ثم تلته سلطات الضبط القطاعية من أجل ضبط السوق. واذا لم تستحدث آليات الضبط، فإن السوق تقع حتما تحت سلطان الغاب، أي الفوضى وهيمنة القوي. في بلدان أخرى يدعى مجلس المنافسة بالضابط ويشتغل بالتنسيق مع الهيئات القطاعية. من1995 الى 2003 اشتغل المجلس بأغلبية في تشكيلته من القضاة من الرتب العالية، منتدبين من المحكمة العليا، ومجلس المحاسبة، وقد كان له دور بحيث وجه حينذاك غرامات مالية الى شركات كبيرة عمومية، وقدم آراء حول عدد من مشاريع القوانين والمراسيم، غير أنه في سنة 2003، وصلت عهدة الأعضاء إلى نهايتها (لا داعي للعودة الى تلك الفترة). في 2003 تمّ الغاء الأمر المنشئ للمجلس وتغييره بقانون في شكل أمر، ولم يقدم النص أي جديد برأي الخبراء نفسهم، وبالتالي الأمر الصادر في 1995 أفضل وأحكامه مطابقة للمعايير الدولية.
ولم يتم تجديد الانتداب للأعضاء الذين عادوا الى مواقعهم الأصلية، ولم يتحقق النصاب الذي يقتضيه عقد اجتماع، فمن 12 يجب أن يحضر 8 أعضاء على الأقل لاتخاذ القرارات. لذلك بقي المجلس معطلا لمدة 10 سنوات، وهي مدة طويلة، مما يفسر عدم التموقع كما هو مطلوب في المشهد أو السوق. وعقب أحداث جانفي 2011  (احتجاجت على ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، السكر والزيت خاصة) قام المجلس الشعبي الوطني بإنشاء لجنة للتحقيق لتحديد الأسباب وراء الخلل الذي أصاب السوق وفجّر الاحتجاجات، و التقرير، عندي، توصل الى أن لا علاقة بين المنافسة والاحتاجاجت، وربما هناك تلاعب، وسجل التقرير غياب هيئة للضبط هي مجلس المنافسة، ودعى الحكومة للتحرّك، وبالفعل قامت بإعادة تنشيط المجلس في 2013. وهنا وجدت نفسي على رأس هذه الهيئة بعد أن كنت اشتغل على ملف لفائدة «كنوسيد». وصدقني اعادة تنشيط وتشغيل المجلس اليوم ليس بالهين، فكان أجدر وأفضل الانطلاق مجددا من الصفر على ان تتولى الأمور من النصف، أي بعد توقف لعشرية كاملة.
لقد استفدنا من خبرة قدمها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «كنوسيد» التي بعثت خبراءها الى الجزائر للعمل على تشخيص المجلس وعمله من الداخل وكذا تعامله مع المحيط الخارجي من مؤسسات. وتوصلوا في نتائج التشخيص الى أن المحيط المؤسساتي معاد لمجلس المنافسة، كون هناك لوبيات ومراكز نفوذ ترغب في العمل في المياه العكرة على حد تعبير مثل صربي، وهذا معناه ان هناك اوساط اصحاب مصالح يزعجهم تواجد هذا المجلس، وعليه بالنسبة اليهم لما عاد المجلس للعمل فهو توجه غير مرحب. وأشكر جريدة «الشعب» التي تتابع نشاط المجلس باستمرار، في وقت لم تتضح الخيارات بين حديث عن انتقال الى اقتصاد السوق لم تتضح جيدا معالمه، والقول انه نظام اقتصادي مستورد، او لدى البعض لا يوجد سوق البتة، ولذلك وسط هذا الخلط، سابق لأوانه الحديث عن المنافسة وكل هذا يهدف لتثبيط العزيمة ومحاولة افشالنا، كون هناك حقيقة حولنا خطاب تيئيسي.
 وفي بلدان اخرى مثل مصر، تونس والمغرب مجلس المنافسة عندهم تأسس في التسعينات مثلنا، لكن عندهم النشاط حافظ على استمرايتة، فلم يحصل انقطاع، كما ان قوانينهم ذات الصلة تم تكييفها مع تطور السوق. وأرفع صوتي من خلالكم للدعوة الى مواكبة التغيرات التي تعرفها السوق في بلادنا من أجل تكريس آليات الضبط التي يقودها مجلسنا لفائدة احداث منافسة نزيهة، فيكون المناخ ملائما للابتكار وانتاج القيمة المضافة لتنعكس في النهاية النتائج على كل الشركاء مؤسسات ومستهلكين ومن ثمّة إحداث النمو الحقيقي المطلوب في مثل هذه الظروف.