طباعة هذه الصفحة

الخبير خفاش كمال لــ «الشعب»:

الإمكانات الزراعية والصناعية مفتاح التحكّم في التضّخم

فضيلة بودريش

أثار كمال خفاش، الخبير الاقتصادي، سلسلة من الأولويات في مسار الإصلاح الاقتصادي الضروري في الظرف الحالي، والذي يتسّم بالصعوبة ويحمل مجموعة من التحدّيات، أبرزها التخوّف من ارتفاع مؤشر التضخم وبالتالي المزيد من التدهور للقدرة الشرائية، وفي ظل الحديث عن أهمية إجراء إصلاحات عميقة وجدّية لصندوق التقاعد حيث لا تتعارض مع المكاسب التي افتكتها في السابق فئة المتقاعدين.

يعتقد الخبير الاقتصادي، كمال خفاش، أنه من بين الخطوات التي ينبغي أن تحظى بالأولوية في مسار الإصلاح الاقتصادي الحتمي، الذي تحتاجه الجزائر في الوقت الحالي ولا يقبل المزيد من التأخير، ضرورة الانطلاق من محطة تنظيم وتحديد القطاعات الاقتصادية التي تنام على قدرات ومقومات وثروات معتبرة، موضحا في سياق متصل أنها تتوفر في الشعب الزراعية والصناعية وقطاع الصناعات الغذائية والصناعة البتروكيماوية بدرجة أكبر وإلى جانب الخدمات خاصة في الإعلام الآلي.

الاستثمار في البتروكيماويات أولوية

بنظرة دقيقة وتحليل معمّق دعا خفاش إلى إيلاء الأهمية للمجال الزراعي الواعد، بثرواته المتنوعة ومنتجاته ذات الجودة العالية خاصة في منطقة الجنوب الكبير، حيث يمكن لهذه المنتجات الزراعية أن تحوّل إلى أهداف تمتص من خلالها البطالة، وتستحدث عن طريقها الثروة وتكثيف المنتجات الغذائية التي تلبي الطلب المحلي وتستحوذ على حصة معتبرة من الأسواق المجاورة. ولفت الخبير النظر إلى التوجه نحو الاستثمار في الصناعة البتروكيماوية في ظل وفرة النفط الخام، بدلا من تصدير البترول كمادة خام وإعادة استيراده في شكل منتجات بتروكيماوية، واقترح في هذا المقام إنشاء مصانع عمومية أو خاصة أو من خلال بناء شراكات مع أجانب يملكون الخبرة والتكنولوجيا ويوّفرون التكوين للإطارات واليد العاملة الجزائرية، خاصة في ظرف أزيلت فيه مختلف العراقيل التي تعطل الاستثمار، بفضل مراجعة القاعدة الاستثمارية 49-51 التي تحسّن من مناخ الأعمال. وأبدى خفاش اهتماما كبيرا بإقامة الشراكات المنتجة في قطاع الصناعات الغذائية والبتروكيميا وتحويل الإمكانيات المتوفرة إلى ثروة حقيقية مستدامة.
لم يغفل خفاش في تركيزه على المصادر الحيوية المنتجة للثروة عن قطاع الخدمات، من خلال تشجيع المهندسين في مجال الإعلام الآلي باستحداث مؤسسات مصغرة «ستارتاب»، والانطلاقة تكون من خلال تلبية الطلب المحلي والانتقال بعد ذلك إلى أسواق أجنبية بعد اكتساب الخبرة والرفع من جودة المنتوج بعد اختباره لدى الزبائن، على غرار تجربة الدول الناشئة مثل الهند في هذا المجال، حيث نجحت في بلوغ أزيد من 25 مليار دولار إجمالي الصادرات في مجال الإعلام الآلي.
من الأولويات التي تكتسي أهمية في خطوات الإصلاح الاقتصادي، أوضح الدكتور خفاش أنه بات من الضروري الاعتناء بالتكوين واستغلال الطاقات والإمكانيات، ومن ثم النجاح في تحقيق التكامل والانسجام في علاقة مباشرة ما بين التكوين والقطاع الاقتصادي، سواء تعلق الأمر بالجامعة والمعاهد أو مراكز التكوين المهني، بهدف توفير اليد العاملة المؤهلة اللازمة التي تسمح بفتح المصانع وتقود الآلة الإنتاجية نحو الأمام، لأنه من الضروري أن يتوفر لدينا تراكم من الكفاءات في عالم الشغل، حتى تتحقق التنمية الاقتصادية التي يتطلع إليها، وبالتالي التخلص من التبعية النفطية.
ولا يمكن امتصاص حدة التضخم بحسب تقدير الخبير خفاش من دون الارتقاء بالجودة وتكثيف الإنتاج الوطني وتنويعه، ويرى أن مفتاح التحكم في التضخم إرساء إنتاج زراعي وصناعي، والرفع من القدرة الشرائية للجبهة الاجتماعية.

رفع السن إلى 65 عاما يقلّل من فرص العمل

تمسك الخبير خفاش بخياراته من أجل تجاوز الوضع الصعب ويرى أن النهوض بالقطاعين الفلاحي والصناعي جوهري، وينبغي على السلطات في هذا الظرف أن تركز على القطاعين، بهدف كبح فاتورة الاستيراد كمرحلة أولى ثم التحكم في مؤشرات التضخم والرفع التدريجي من القدرة الشرائية لتشجيع المنظومة الاقتصادية على توسيع وتكثيف إنتاجها عندما يكون الاستهلاك قويا.
في رده على النقاش الجاري حول الإصلاحات الممكنة التي تحتاجها منظومة التقاعد حاليا، في ظل ما تردد من التحديات الكثيرة خاصة منها المالية التي تهدد بإفلاس الصندوق، اقترح خفاش بتوفير الدولة لمناخ جيد يشجع المؤسسات والتجار بالتصريح بالعمال، في ظل وجود أموال ضخمة وأزيد من مليون عامل ينشطون في القطاع الموازي، علما أن الأرقام تتغير تارة ترتفع وتارة تنخفض بفعل وجود ما يسمى بالعمل الموسمي، وتأسف كون جزء كبير من اشتراكات صندوق الضمان الاجتماعي يدفعها القطاع الاقتصادي العمومي والوظيف العمومي، مشيرا في سياق متصل إلى وجود عدد معتبر من مؤسسات القطاع الخاص تتهرب من التزاماتها، لذا من الطبيعي أن يسجل العجز، لأنه يحتاج إلى اشتراكات ما بين 6 و8عمال من أجل تغطية معاش متقاعد واحد، وآثار خفاش مسألة أن صندوق التأمين عن البطالة «كناك» الذي يموّل مشاريع من تتراوح أعمارهم ما بين 35 و55 عاما من صندوق الضمان الاجتماعي، من المفروض أن يموّل من الصناديق التي تغطي مشاريع «الأنساج» على سبيل المثال.
فيما يتعلق بمقترحات من يذهبون إلى طرح بدائل لتصحيح وضعية صندوق التقاعد، من خلال رفع عمر الإحالة على التقاعد إلى 65عاما، حذّر الخبير كمال خفاش من تسبب ذلك في تعميق شأفة البطالة، حيث يتعذر على المتخرجين الجدد في العثور على وظيفة، ودعا إلى ضرورة استحداث مؤسسات إنتاجية ليتم استيعاب اليد العاملة الشابة وتعميق النقاش حول إصلاحات نظام التقاعد وتوسيعه حتى يتم التوصل إلى حلول تسمح بتكريس إصلاحات جدّية، لا تمس بأي مكتسبات في نظام التقاعد.