طباعة هذه الصفحة

الاستصلاح الفلاحي قاطرة لتنمية الهضاب العليا

منطقة الحمراء بولاية سعيدة وعاء لتحقيق حلم المستثمرين

سعيد بن عياد

تؤكد مؤشرات عديدة وجود توجه فعلي لتصحيح معادلة التنمية بكافة جوانبها باعتماد مقاربة جوارية ومتكاملة ما بين القطاعات والمناطق ضمن الإستراتيجية الوطنية لإعادة الانتشار الاقتصادي والاجتماعي على كافة مناطق الإقليم على أساس التوازن الجغرافي السكاني بما يضمن إدماج جميع القدرات الطبيعية والبشرية في العملية الاستثمارية التنموية.في ضوء هذا التوجه القائم على نظرة عميقة تتجاوز الظرفية بكل ما تحمله من انشغالات وتطلعات للسكان تعتمد الدولة سياسة الاستصلاح الفلاحي كأحد الخيارات التي يمكن الرهان عليها من منطلق أن الفلاحة الشاسعة والمكثفة المرافقة بنسيج صناعي على مدار السنة تبقى البديل الأمثل والممكن التحقيق بأقل الاستثمارات بالمقارنة مع ما تستنزفه الصناعة الثقيلة.
ومن ولاية سعيدة التي تحتل موقعا متميزا على مستوى الهضاب العليا الغربية أعطيت إشارات قوية لاعتماد هذا الخيار وتأكيد العزيمة على تجاوز كافة المعوقات والعراقيل. وأبدى الوزير الأول عبد المالك سلال خلال زيارته الأخيرة إلى هذه الولاية التي تتطلع لمستقبل يوفر لها الرفاهية ويحولها لقاطرة تجر عجلة التنمية المحلية والجهوية بلا توقف ،إرادة قوية في تحويل الاستصلاح الزراعي من مجرد خيار إلى عقيدة اقتصادية تتجاوز الزمان والمكان حتى تشمل كامل الجغرافيا المناسبة لاستيعابها.
في هذه الولاية التي تعرف تأخرا في انجاز المشاريع المسجلة في قطاعات مثل البناء وهو أمر يبدو أن والي الولاية يدرك أهمية معالجته بمختلف إجراءات التحفيز والجذب الاستثماري الذي تكرسه المنظومة القانونية للاستثمار وإنشاء المؤسسات الإنتاجية، وبالذات على مستوى منطقة الجنوب الغربي التي تمتاز بمساحات شاسعة على امتداد البصر يمكن تحقيق الحلم من خلال إطلاق عملية استصلاح للأراضي لتصبح فلاحية بامتياز خاصة مع تسجيل وفرة للمياه الباطنية.
وفي منطقة تعرف باسم “ الحمراء” أعطيت الإشارة الخضراء لتتحرك عجلة الاستصلاح وفقا لمسار طويل لا ينبغي أن يتعثر مثلما حصل لمسارات استثمارية سابقة كلفت موارد هائلة. وبهذا الخصوص اخذ احد المستفيدين من المستثمرين الخواص ومجموعة من الشباب البطال من أبناء المنطقة الذين يبلغ عددهم 150 مستفيدا على عاتقهم  المهمة الميدانية بإرادة لا تعترف بالتعثر وقد أدركوا قارب النجاة من إخطبوط البطالة بكل ما تخلفه من انعكاسات مدمرة للفرد والمجتمع. وعلى ارض الحمراء القاحلة المرحبة بالسواعد الفتية والمتينة تتقاطع طموحات الشباب بين من يصنفون في خانة المستثمرين الخواص بشهادات وعلاقات وطموحات وشباب من عامة الشعب لطالما عانوا من الفراغ والتهميش الاقتصادي يحملون أحلامهم المشروعة بين أيديهم التي ينتظر أن تقهر الطبيعة على حدة فساوتها لإنتاج الثروة التي لا تزول.
أفق يفتح المجال عريضا في هذه المنطقة حيث تم تدشين مرحلة الالتفات للموارد الطبيعية التي حبا بها الله بلادنا، ومنها يمكن إطلاق انجاز الأحلام المشروعة من خلال تحويل محيطات بآلاف الهكتارات إلى مزارع  اقتصادية تزخر بمختلف أنواع الأشجار المثمرة كالزيتون والفواكه الجافة تحيط بها مواقع لتربية الأبقار والمواشي  وهي محاور ترتبط مباشرة بالأمن الغذائي. وباتجاه تحقيق هذا الهدف يدخل المستثمر صحراوي مراد معركة الاستصلاح على مساحة 200 هكتار مع الطموح لزيادتها إلى ألفي هكتار مستقبلا شرط أن تثمر التجربة الأولى بتأكيد جدواها وديمومتها خاصة وانه التزم أمام الوزير الأول بانجاز معصرة بطاقة إنتاج 5 ملايين لتر من زيت الزيتون وهو ما سوف يخضع للمتابعة لاختبار الجدية التي يبدو أنها سليمة إلى أن يثبت العكس خاصة مع الطرق الحديثة والتقنية للزراعة بما في ذلك استخدام نظام الاتصال بالأقمار الصناعية “ جي بي اس”.
ونفس الطموح يتقاسمه ال15 شاب الذين حازوا عقود الامتياز بمعدل 10 هكتارات لكل واحد يقتحمون زراعة أشجار الزيتون التي تؤهل للمنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية. ويتراوح معدل أعمار المستفيدين الذين يشكلون منارة للعاطلين عن العمل بين اقل من 35 سنة بنسبة 85 بالمائة وأكثر من ذلك بنسبة 15 بالمائة من مجموع المستفيدين الذين قطفوا ثمار تأهيل الشباب وإدماجهم في انتظار أن يترجموا كل تلك القدرات في الميدان خاصة وان وزير الفلاحة رشيد بن عيسى التزم بمرافقتهم إلى أن تنمو المشاريع وتتحول إلى أرقام في المعادلة الاقتصادية المحلية. ويقع عل عاتقهم دور متميز في الإسهام في مشروع تغيير وجه المنطقة وقهر هاجس البطالة باكرا باعتماد أسلوب عمل بمعايير المؤسسة الصغيرة والمتوسطة وتعلم حساب الربح والخسارة وكذا جذب أصحاب المعارف العلمية من أبناء المنطقة للعمل معهم خاصة وان الدولة عبر أدواتها المحلية تحرص على توفير المنشآت القاعدية مثل توصيل الكهرباء إلى ابعد موقع استثماري وفتح المسالك والطرق.
إنها بداية طريق جديد لا يمكن أن يتعثر مثلما حصل مع محيط ضاية زرافت بعين السخونة الذي يتم التكفل به من خلال إعادة تأهيل ترتكز على قواعد صارمة تحمل كل طرف مسؤوليته تفاديا لأي تسيب يكلف فاتورة ثقيلة مثل الكهرباء التي يجب أن تستبدل في المديين القصير والبعيد بمصادر للطاقة المتجددة والنظيفة وهو ما ينتظر أن تنخرط فيه معاهد البحث العلمي والمؤسسات المعنية المطالبة بمضاعفة الجهد في هذا المجال بما في ذلك متعاملي القطاع الخاص. ورصدت الدولة  ل1500 هكتار من مجموع هذا المحيط الذي يتربع على 2800 هكتار غلافا يقدر ب200 مليار سنتيم مع تسطير هدف إحداث 3000 منصب عمل
ويبقى قطاع الفلاحة في ولاية سعيدة الوعاء الذي يمكنه استيعاب اليد العاملة خاصة مع إدخال المناهج الحديثة من مكننة وتكثيف للإنتاج. وحسب الأرقام التي قدمها والي الولاية في لقاء الوزير الأول مع المنتخبين والمجتمع المدني فان الفلاحة تشغل أكثر من 52 ألف شخص فيما تقدر المساحة القابلة لاستغلال بأكثر من 308 ألف هكتار. وسجل توسيع غرس الأشجار المثمرة إلى 6250 هكتار حاليا بينما بلغت المساحات المسقية إلى 9662 هكتار السنة التي انقضت. وحققت عقود النجاعة نتائج ذات دلالات مثل الحبوب التي بلغ إنتاجها أكثر من 1،2 مليون قنطار بزيادة نسبتها 110 بالمائة والخضر 779600 قنطار بزيادة نسبتها 102 بالمائة سيما البطاطا بنسبة زيادة تقدر ب129 بالمائة وجمع الحليب الذي تعدى 5،6 ملايين لتر بنسبة 386 بالمائة.