طباعة هذه الصفحة

أوبيك في مواجهة تحدي تصحيـح معادلة الأسعـار

البحـث عـن التــوازن المفقـود؟

فضيلة بودريش

يمكن القول إن منظمة الأوبيك مازالت لم تتحرر بعد من قبضة تأثير كبار المستهلكين لثروة الذهب الأسود في العالم، لذا بقيت رهينة الوضعية الحالية السلبية نتيجة تدفقات ارتفاع العرض في السوق الدولية بشكل لا يزال يؤثر على سعر البرميل وعلى ضوء هذه المؤشرات يجمع الخبراء على أن اختلال السوق سوف يستمر، وبعيدا عن أي نظرة تشاؤومية وبأخذ بعين الاعتبار أهم المؤشرات فإن الأسعار لن تتعافى على المديين القريب والمتوسط، مما يضاعف من مسؤولية الأوبيك كمنظمة قامت على مبدأ حماية مصالح أعضائها.

لا يمكن إغفال وتجاوز دور الجزائر التي  ما زالت تعمل وتتطلع إلى جانب العديد من البلدان على غرار فنزويلا لإقرار أو الوصول إلى سعر منصف وعادل يأخذ بعين الاعتبار المصالح المتوازنة لأطراف السوق منتجين كانوا ومستهلكين بشكل يعطي نفس للنمو الاقتصادي وانتعاشا حيا من شأنه أن يعزز استقرار البورصات. وبعيدا عن الطرح الذي يتخوّف كثيرا ويرشح تعرض السوق للمزيد من الانهيار، إلا أن أحد أهم الدول المنتجة خارج المنظمة النفطية “أوبيك” ويتعلق الأمر بروسيا تترقب أن يتراوح سعر برميل النفط  ما بين 40 و60 دولار خلال السبع سنوات المقبلة، مؤكدة أن أسعار النفط لن تتعافى عكس ما تتطلّع إليه بعض الدول المنتجة والتي تعتمد جل صادراتها على هذه الثروة الطبيعية. علما أن السعر العادل الذي تتمسك به وتعمل على إرسائه بعض الدول التي تبذل جهودا لتحقيق توازن حقيقي للسوق من حيث العرض والطلب من خلال مساعي دبلوماسية وفتح النقاش وفتح الحوار مع المنتجين داخل وخارج المنظمة، مثل الجزائر لن يقل عن سعر الـ 80 دولار، على اعتبار أن تكلفة الاستغلال ليست هينة سواء تعلق بالطاقة التقليدية أو غير التقليدية.

تراجع في تيرة الطلب

ورغم أن السوق تشهد أزمة أسعار صعبة واضطرابا محسوسا بسبب التراجع القياسي لتكلفة برميل النفط، إلا أن الاشكالية لا تتوقف فقط عند ذلك  بل الدول المنتجة يواجهها بالموازاة مع ذلك تحدي ضخ بعض أعضائها المزيد من العرض تسبب في تراجع نمو الطلب العالمي على النفط الذي ينتظر أن يستمر طيلة عام 2016. والجدير بالإشارة فإن إنتاج الأوبيك ارتفع شهر نوفمبر الفارط ليصل إلى سقف 31.7 مليون برميل يومياً شهر نوفمبر الماضي مسجلا الإنتاج الأضخم منذ عام 2012، وبالنسبة للدول التي ترفع الإنتاج تبرر ذلك بالدفاع عن حصتها في السوق النفطية، ورغم أن جميع التقارير تفيد أن الدول المنتجة خارج المنظمة قد تراجع إنتاجها بشكل محسوس، لكن الانخفاض سيتجسد أكثر على المديين المتوسط والبعيد إذا استمرت الأسعار في الانخفاض أو بقيت لعدة سنوات تحت الـ 50 دولار، لأن ذلك لن يغري أكبر المستثمرين في التنقيب والاستغلال، علما أن العديد من المشاريع سواء في الاستكشاف والإنتاج تأجلت حتى في منطقة الخليج ولدول تابعة للمنظمة وبمبالغ مالية معتبرة.
وبنظرة تحليلية معمقة، يمكن القول إن منظمة الأوبك لم تعد تتحكم في الأسعار ولا يجب أن يغفل أنها ليست مسؤولة عن نصف الإنتاج العالمي من النفط الذي يعرض بالأسواق، لكن أمامها أشواط معتبرة من النقاش لتتوصل إلى حل توافقي يضع حدا إلى نزيف تدهور سعر البرميل ويحقق التوازن المنشود من طرف العديد من بلدان منظمة الأوبيك التي تضخ أزيد من ثلث نفط العالم في الوقت الراهن، عن طريق الوقوف على الأسباب التي أدت إلى إغراق السوق وتدهور قيمة البرميل، علما أنه من الأسباب التي أثرت على الأسعار وأدت إلى ضعف الطلب على النفط تباطؤ الاقتصاد الصيني، بالإضافة إلى العودة القوية للولايات المتحدة الأمريكية إلى السوق بالطاقة غير التقليدية كل ذلك ساهم في انخفاض أسعار النفط بأكثر من 60 بالمائة خلال الأشهر الـ18 الفارطة.

هاجس انتعاش الأسعار

في ظلّ النزيف الحاد لأسعار النفط والتخمة الكبيرة في العرض، مازال يتوقع أن تتكبد الدول المصدرة لهذه الثروة المزيد من الخسائر، أمام التوقع بعدم انتعاش الأسعار على ­­­الأقل على المديين القريب والمتوسط، ومن الحلول العملية التي يقترحها الخبراء على الجزائر لتجاوز أي مضاعفات للانهيار والإغراق في الأسعار والسوق، بناء اقتصاد بعيد عن الثروات الطبيعية كحل جوهري، على اعتبار أن ترشيد النفقات وكبح الواردات يعد الحل الوقائي، ولعلّ ترقية الإنتاج الوطني من شأنه مستقبلا أن يخفف كثيرا من فاتورة الواردات بشكل تلقائي. ورغم أن إيرادات الجزائر من العملة الصعبة تراجعت، إلا أنها مازالت في منأى عن الصدمة الخارجية، حيث يمكنها تحمل المزيد من المقاومة بفضل متانتها المالية والظرف بالفعل حرج ولا يقبل أي إخفاق. لأن الصرامة في التخطيط والتجسيد ضروري أكثر من أي وقت آخر، والقطيعة يجب أن تكون مع التبذير خاصة مع تلك المشاريع التي تتآكل أغلفتها المالية قبل أن ينتهي إنجازها، وإطلاق مشاريع في الصناعة والفلاحة دون دراسة جدواها، حيث تفشل وتموت قبل أن تعطي ثمارها مستهلكة أموالا معتبرة.