طباعة هذه الصفحة

الخبير الإقتصادي أمحمـد حميدوش لـ “الشعب”

30 مليــون جزائـري معنيون بالقـرض الإستهلاكــي

أجرت الحوار: فضيلة بودريش

❊ ضـرورة مراجعــة قانــون الاستهلاك والقـرض والنّقـد

يطرح الدكتور امحمد حميدوش الخبير الاقتصادي الآليات والسبل التي يمكنها إنجاح القرض الاستهلاكي، الذي يتوقع أن يشمل 6 ملايين عائلة جزائرية، أي ما يناهز 30 مليون مواطن، ويتحدث عن مركزية المخاطر وكيفية حماية المستهلك الذي ربما يعجز عن تسديد قرضه، وكذا تشجيع المؤسسة الإنتاجية على طرح منتوج ذا جودة عالية. ويعتقد في كل ذلك أن القرض الاستهلاكي سيشهد إقبالا كبيرا من طرف الجزائريين، مقترحا تهيئة شبابيك البنوك وتأهيل الأعوان والإطارات حتى يتم استيعاب تدفق الطلبات. والجدير بالاشارة فإنّه من المقرّر أن يتم إطلاق القرض الاستهلاكي مطلع شهر جانفي الداخل، ويسبقه بأيام قليلة إرساء نظام جديد لمركزية المخاطر.

❊ الشعب: يتم وضع آخر اللّمسات لإطلاق القرض الاستهلاكي، الذي سوف يسري على المنتوج الوطني مطلع شهر جانفي الداخل، كيف تتوقّعون آثاره على تشجيع الإقبال على استهلاك العلامة الجزائرية، وفي نفس الوقت الحد من الاستيراد؟
❊❊ الدكتور امحمد حميدوش خبير اقتصادي: يجب في البداية الإشارة إلى أن المستهلك وحده من يملك القدرة على القياس والعقلانية حسب مرونة الوضع، أي كلما يرتفع الدخل المالي تزداد معه بطبيعة الحال النفقات هذا من جهة ومن جهة أخرى، المرسوم الخاص بالقرض الاستهلاكي لم يتحدث عن الخدمات وتطرّق فقط للمنتوج، وهنا عقلانية المستهلك ربما تتركه يسير ويتصرّف بتحفّظ، فعلى سبيل المثال لما يقتني ثلاجة يتريّث حتى يسدّد ثمنها ليأخذ قرضا آخر لاقتناء تلفزيون. ومازال لم يتم نشر قائمة المنتجات التي سيشملها القرض الاستهلاكي، ومن المفروض كل هيئة أو وزارة تنشر قائمة المنتجات الخاصة بها، كما أنه يمكن لجمعية البنوك أن تجتمع مع الهيئات المعنية حتى يتسنى للأسر والعائلات معرفة القائمة والاطلاع على الشروط الواردة، ووقع اختياري على جمعية البنوك  كونه يسجل أربعة أنواع من القروض، نذكر منها القرض المحوّل والقرض الشّخصي والقرض الايجاري والقرض المجدّد، وعندما يتم إطلاق القائمة، جمعية البنوك تحدد الطريقة وتوضّح عدة تفاصيل تتعلق بالمنافسة والتأمينات والضمانات والأسعار، وعندها المستهلك لا يتوجه نحو البنك للاستفسار، ويجد كل شيء في متناوله. أما بخصوص مساهمة القرض الاستهلاكي في كبح الاستيراد، فهذا غير صحيح على اعتبار أن الحد من الاستيراد يتجسّد من خلال العوائق التقنية، فعلى سبيل المثال عندما تكون لدينا منتجات وتستورد نظيرتها من الخارج، فإذا كان سعر السلع المستوردة أقل، يمنع حينها دخولها عن طريق تبني العمل بالمعايير، أي المنتوج الذي لا تتوفر فيه المعايير لا يسمح له بالدخول، وتتجسّد هذه الخطوة من خلال الاتفاق مع المنتجين لتسجيل المعايير في معهد القياس ووضع حد للاستيراد، بالإضافة إلى توفير جميع التقنيات الضرورية. لكن ومع كل ذلك يبقى يسجل إشكال آخر في القرض الاستهلاكي، لأن القانون لم يحدد النسبة القصوى لسعر الفائدة، وأذكر تجارب أجنبية تهتم بذلك مثل وزارة الاقتصاد الفرنسية تحدد النسبة القصوى التي لا يمكن للبنوك تجاوزها بالنسبة لسعر الفائدة، ويضاف إلى كل ذلك أن القانون عندنا لم يحدد طريقة الإشهار الخاص بالفائدة، أي إن كان يأخذ بعين الاعتبار جميع التكاليف الإدارية، وتلك المتعلقة بالتأمينات والاكتتاب والتي يتكبدها البنك.
غياب خلايا للذّكاء الاقتصادي
❊ يراهن على القرض الاستهلاكي في رفع مستوى الادخار والمساهمة في التنمية، هل ينجح في مواجهة التحديين؟
❊❊ يمنح القرض للبنك دور المحرك،  ويتعامل مع المستهلك الذي لديه كشف راتب أو حساب بنكي وترجع إليه وظيفة الادخار، لكن للأسف نسجّل غياب الذكاء الاقتصادي على مستوى الدوائر الاقتصادية، حيث لو توفّرت خلايا ذكاء، لتمكّنت هذه الأخيرة من تحديد قوائم المنتجات التي يشملها القرض الاستهلاكي، بالإضافة إلى توجيه المستثمرين إلى المنتجات التي يطلبها المستهلك، على اعتبار أن الاستثمار مهم كونه يسرع وتيرة النمو.
❊ هل فعلا المنتوج الوطني مؤهّل لمنافسة المنتجات المستوردة وتتوفّر فيه شروط ونسب الاندماج؟
❊❊ من المرتقب أن يمس القرض الاستهلاكي نحو 6 ملايين عائلة، أي بالنظر إلى مستوى متوسط الأجور ويقسم الرقم على عشرة وننقص منه 20 بالمائة ونحو 80 بالمائة كلها توجّه إلى القرض الاستهلاكي، الذي سيمس ما لا يقل عن 30 مليون جزائري، وتظهر سوق مهمة لها منافذ تحدد حسب توجهات القرض الاستهلاكي. وفي هذه الحالة المطلوب من المؤسسات الإنتاجية أن تكون في مستوى المسؤولية، وتدرك أن الرسوم على ربح الشركات ظرفي وسرعان ما يعود إلى طبيعته، والمطلوب من المؤسسات توقع طلبات المستهلك من أجل توفيرها، ومن الخطأ أن تعيد النظر في استثماراتها في العقار ووسائل الانتاج، لأن هذه الشركات لو أقدمت على ذلك ستخسر وتغلق أبوابها، لذا يجب أن تسطّر مخططات عمل من أجل إعادة النظر في “المناجمنت” وكذا العلاوات، ويمكنها لتلبية طلب المستهلك العمل بفريقين أو ثلاث فرق إذا تطلب الأمر أي فريق من الصباح إلى المساء، والفريق الثاني من المساء إلى غاية الليل، بهدف تلبية الطلبات الجديدة، بالإضافة إلى ضرورة انتهاج خطة لتنويع النشاط، حيث المداخيل الجديدة توظف في تحسين النوعية و«المناجمنت”، والتوجه نحو البحث عن أسواق خارجية قريبة والتقليص من التكاليف، وبالتالي هذه المؤسسة تكون أمام فرصة تنويع نشاطها والرفع من المداخيل.
البنوك يجب أن تحضّر شبابيك خاصة وتؤهّل أعوانها
❊ أكّد بنك الجزائر إرساء نظام مركزية المخاطر قبل سريان القرض الاستهلاكي، هل تتوقّعون انفتاحا أكبر للبنوك على توسيع تعاملاتها وتمويلها؟  
❊❊ تكمن الإشكالية في تعوّد البنوك التعامل مع الأشخاص المعنويين أكثر من الطبيعيين، أي مع الشركات، لكن المعادلة سوف تتغيّر من خلال شروعها في تغطية الطلب على القرض الاستهلاكي، حيث سيصبح التعامل مع الأشخاص المعنويين أكثر من الطبيعيين، وبالتالي سوف يتضاعف عددهم، فإذا كان يقدر عدد الزبائن في السابق بـ 60 زبونا يقفز إلى 500 شخص، وما على البنوك سوى تحضير شبابيك خاصة وكذا تكوين عمالها وإطاراتها، ويجب أن يكون كل شيء مدروس ومحضّر على مستوى البنوك، ويشترط أن يتوفر لديها كذلك مستشار مالي، ويطلب من كل مستفيد من قرض أن يفتح حسابا بنكيا ويصبح زبونا، والبنوك المنافسة تستعد جيدا وتفتك ثقة المواطن. أما بالنسبة للبنوك الخاصة الأجنبية لديها تجربة معتبرة في الخارج، أما بنوكنا العمومية مفروض عليها الاستعداد والتهيؤ للتعاملات اليومية الكبيرة التي تنتظرها خلال الايام القليلة المقبلة، لأن العملية تتطلب أعوان وإطارات مؤهلة، حتى لا تضطر مجبرة بسبب التأخر لخلق مؤسسة مالية، لأن هذا القرار لو جاء تكملة يمكن وصفه بالمقبول لكن لو تم اللجوء إليه لتغطية العجز، عند ذلك لا يمكن الخروج من المأزق.
❊ألا تتخوّفون من استنزاف القرض الاستهلاكي للقدرة الشرائية للمواطن؟
❊❊ يجب إعادة النظر في قانون الاستهلاك والقرض والنقد لحماية المستهلك، وللتذكير ليس لدينا قانون للاستهلاك وإنما قانون للمنافسة والأسعار، علما أن قانون الاستهلاك يضع الشروط لحماية المستهلك خاصة عندما لا يقوم بتسديد ما عليه من ديون. والحل يكمن في إرساء شروط مضمونة للمستهلك لأنه يفتقد للوسيلة المادية، وما يجب أن يأخذ بعين الاعتبار ضرورة استيعاب ال 60 مادة قانونية من طرف البنك، وإذا لم يقرأها جيدا، ولم يتمكن المقرض من سدّ دينه فسعر الثلاجة يتحول إلى سعر سيارة، ويضطر الزبون لتسديد الدين ببيع بيته، وكل هذه الأمور يجب أن تدرج في قانون الاستهلاك. وفيما يتعلق بمركزية المخاطر أي البنك المركزي يبلغ عن المستفيد الذي لا يسدّد القرض بعد مدة شهرين، فيمكن ضبط الحالات حيث توجد إمكانية عدم التسديد الناتجة على عدم التفاهم، وليس الدفع أي بسبب النوعية أو الثمن وما إلى غير ذلك، ونشير إلى أنه من الضّروري أن يضع قانون النقد والقرض الشروط التي يجب أن تكون واضحة ليستعين بها، كون من مهام مركزية المخاطر التكفل بكل من لا يسدّد لذا المطلوب تطويرها، بالإضافة إلى أنّ قانون القرض والنقد من شأنه أن يكرّس المرونة والحماية.
رهان المؤسّسة يكمن في البحث والتّطوير والتّكوين
❊ هل تحمل التّجربة مخاطر وتعدّ مغامرة؟ أم آلية اقتصادية مضمونة النّتائج؟
❊❊ جميع الدول تستند في حساب معدل مديونتها من خلال السياسة الاقتصادية، وفي الجزائر لدينا مديونية الدولة ومديونية الجماعات المحلية ومديونية الأسر، وتسمى كل هذه المديونيات بالمديونية الداخلية، وقد تضاف إليها المديونية الخارجية، بينما المديونية الداخلية في دول أوروبا الجنوبية نجد الإدارة من خلال قانون المالية تحول مديونتها إلى 33 بالمائة، ومديونية المؤسسات الاقتصادية 40 بالمائة، ومديونية الأسر حوالي 25 بالمائة. وعلى العموم مجموع المديونية لا يجب أن يفوق 50 بالمائة من الدخل القومي، في حين في الدول الانجلوسكسوفية لا نجد دول لديها مديونية، وإنما نجد الأسر والمؤسسات لديها مديونية وقد تصل إلى 70 بالمائة من الدخل القومي بينما مديونية الأسر تبلغ 50 بالمائة، وتوجد مؤشرات إجمالية يعدها البنك المركزي.
❊ المؤسسة الجزائرية أول المستفيدين من الآلية، حيث ترتفع نسبة التسويق لديها، فكيف يمكن أن تكون في مستوى الرهانات، وتتحمل مسؤوليتها في تحقيق الجودة والوفرة لتفادي الندرة؟
❊❊ رهان المؤسسة الإنتاجية يتمثل في البحث والتطوير والتكوين، ويجب أن يكون لديها مراكز تقنية وأخرى مخصّصة للتجارب ومستشارين في المعايير والبيئة ومختصين في القانون، وخبراء في مجال براءات الاختراع وكذا المعاملات والتسويق واستعمال تكنولوجيا الاتصال، والمؤسسات التي ترافق المهن وتحسّن من استغلال  الموارد المتوفرة يمكن أن تقفز إلى مستوى جودة المنتوج الذي تطرحه في الأسواق.
 جمعيات حماية المستهلك تمثيلها يجب أن يناهز 20 مليون منخرط  
    ❊ للمؤسسة الجزائرية مسؤولية توفير خدمة ما بعد البيع، أليس كذلك؟
❊❊ يجب أن تتوفّر جمعيات حماية المستهلك ذات تمثيل معتبر لا يقل عن 20 مليون مستهلك، وفي حالة عدم توفر هذا العدد لا يمكنها أن تكون جمعية، وعلى اعتبار أنّ خدمة ما بعد البيع يجب أن تكون مع جمعية حماية المستهلك، ويتوفّر لديها مستشارين ومحامين، لأنّ حل مشكلة خدمة ما بعد البيع لن يتحقّق إلاّ عن طريق العدالة، فإذا وجد عيب في منتوج يوجّه إلى الجمعية وهي من تتحرّك، فلا يمكن لمستهلك واحد أن يأخذ حقّه، وعندما تربح الجمعية القضية، المنتج يحترم المستهلك ويبحث عن الجودة ويكون توافق، كون المستهلك دائما يبحث عن السعر الأدنى بينما المنتج يتطلع إلى التكلفة الأقل.
❊ إلى أيّ مدى يمكن للمستهلك أن يستغل القرض مقارنة بالدخل الذي يتقاضاه؟  
❊❊ حدّد المرسوم النسبة القصوى للقرض الاستهلاكي، حيث لا يجب أن يتجاوز ثلث دخل المستفيد، علما أنّ هذه النسبة معمول بها عالميا، لكن يبقى الإشكال في عدم تحديد السعر الأقصى لسعر الفائدة، ومن الضروري أن تجتهد البنوك وتجري تقديراتها حتى تتّضح الصورة لدى الراغبين في الاقتراض.
❊ هل تتوقّعون أن يسجّل الإقبال على القرض الاستهلاكي أم العكس؟
❊❊ دون شك سوف يكون الإقبال كبيرا، وأقترح إذا لم تكون البنوك مهيأة للعملية أن تطرح قوائم المنتجات بشكل تدريجي كل شهرين أو ثلاثة يفرج عن قوائم المنتجات المعنية من أجل تغطية أي عجز قد يسجّل.