طباعة هذه الصفحة

نور الدين آيت الحسين خبير دولي في الشؤون الطاقوية لـ «الشعب»:

أسعار برميل النفط ستتراوح ما بين 50 و 60 دولارا

فضيلة بودريش

قــدرة منظمة الأوبيب كبيرة  على  امتصــــاص تخمة العرض وإنعـــاش الطلب
جميــــع المؤشـــرات تؤكّد إمكــانية تجـــاوز الجزائر  الظرف الحــــالي

يرتقب نور الدين آيت الحسين الخبير الدولي ووزير الطاقة السابق في الفترة الممتدة من عام 1990 إلى غاية 1992، أن تنتعش أسعار برميل النفط في الأسواق الدولية، من 50 إلى60 دولار كأقصى تقدير، إذا توصلت الدول المصدرة للبترول العضوة في منظمة «الاوبيب» إلى إتفاق منصف وقرار من شأنه تصحيح معادلة السوق، أما في حالة عدم الوصول إلى قرار يحرص على إنهاء بوادر أزمة الأسعار، قال يجب الانتظار لمدة سنة أو سنتين من أجل توقع عودة المنحى التصاعدي وتصحيح معادلة الأسعار المتضررة من تخمة العرض، ويعتقد أنه يستحيل في جميع الأحوال أن تعاود هذه الأسعار إلى الارتفاع المطرد والعالي وبلوغ سقف الـ 100 دولار للبرميل.
تحدّث الوزير السابق للطاقة والذي يشغل في الوقت الحالي مدير مكتب دولي للشؤون الطاقوية في لقاء خصّ به «الشعب» على هامش تنشيطه لمحاضرة حول «حصيلة الصناعة البترولية الجزائرية منذ الاستقلال»، بمقر المدرسة العليا للتجارة الكائنة بـ»القليعة»، عن كيفية تلقيهم لقرار التأميم عام 1971، وما ذا مثل لهم تاريخ 24 فيفري آنذاك وكيف تمت الانطلاقة نحو استغلال حقول البترول بسواعد العمال والاطارات الجزائريين، والسير نحو استغلال الطاقة في بناء الاقتصاد الوطني في تجربة قدر عمرها بنحو عقدين من الزمن، وأجاب آيت الحسين بتوقعات الخبير عن التساؤولات التي تصبّ حول التطورات التي ستعرفها السوق النفطية على المديين القريب والمتوسط، إلى جانب تطرقه لقدرات الجزائر في  تجاوز تحديات أزمة الأسعار والبدائل المتاحة أمامها، وكذا الاحتياطات وكيفية ترشيدها واستغلالها بالشكل المطلوب حتى يستفيد منها الجميع بما فيهم الأجيال الحالية و المقبلة، والذين لم يخف أنه ينتظرهم مستقبل ساطع، ويجب أن يتلقفوا الصورة الايجابية التي تبعثهم على التفاؤول.
قرار تاريخي شجاع
قال آيت الحسين لدى استرجاعه لذكرى تأميم المحروقات، أنهم تلقوا هذا القرار التاريخي والشجاع بانبهار ودهشة كبيرتين، وسمح هذا القرار الجريء كما وصفه، بإحكام الدولة الجزائرية القبضة على الثروة البترولية وبسط يدها على حقول النفط وكامل الصناعة البترولية الوطنية، وما يستحق الكثير من التقدير أنه في ظرف زمني يقل عن 10 سنوات من الاستقلال، جاء قرار التأميم الذي حافظ على ثروة النفط للجزائريين، إستغلالا وإنتاجا وتسويقا، فاغتبط الجميع أي من أبسط المواطنين إلى الإطارات والمسؤولين الذين عرفوا كيف يتحملوا المسؤولية ويكسبوا رهان التأميم، وباختصار ـ يمكن القول ـ إنه تاريخ مازال حيّا في ذاكرة الجزائريين الذين كانوا في تلك المرحلة وعايشوا الحدث وتلقوا ذلك القرار الاستراتيجي الكبير، فهو يوم لا ينس وتاريخ خالد بأتم معنى الكلمة. وبخصوص قرار التأميمات وصفه آيت الحسين بالخطوة الصائبة، حيث تمكّن الجزائريون أخذ بأيديهم جميع الإمكانيات والثروات الطاقوية ووضع المحروقات كسبيل وثروة، تمّ الاعتماد عليها في تطوير الاقتصاد الوطني بعد تسع سنوات فقط من الاستقلال، معترفا أن المحروقات ساعدت طيلة عشريتين كاملتين الاقتصاد الوطني في التأسيس والتطور على اعتبار أنه تم إرساء قاعدة صناعية صلبة ويضاف إليها برامج استصلاح مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وصاحب ذلك جهود كبيرة أطلقت لرفع الغبن عن الجزائريين من بينها الصحة والتعليم المجاني للجميع وضخ تحويلات اجتماعية ضخمة مع العناية بالرياضة والثقافة، المجالين اللذين عرفا نهضة مبكرة وملفتة للنظر، لكن بعد ذلك تأسف الخبير لأنه لم يستمر التمويل واستغلال النفط بتلك الوتيرة، ولم يساهم في تحدي تنويع الاقتصاد الوطني، لذا نواجه اليوم مخاوف عديدة، مما تشهده أسواق النفط والاضطرابات التي نالت من الأسعار. وحول الوضعية التي يواجهها قطاع المحروقات وبالتحديد الدول التي تعتمد اقتصادياتها على ثروة المحروقات بنسبة كبيرة على غرار الجزائر، أوضح آيت الحسين يقول لا ينبغي أن يفقد الأمل وينظر بتشاؤوم للظرف الحالي، لأن الجزائر عرفت في السابق وضعية أصعب خلال الصدمة البترولية عام  1986،حيث أضاف الخبير ـ يقول ـ في سياق متصل عشنا وضعية أكثر صعوبة، ولكن الجزائر بعد ذلك تمكنت من تجاوز ذلك الوضع السيئ، ويمكن التأكيد أن هذه المرة، رغم أن الأسعار سجلت انهيارها الكبير وصارت المؤشرات الأولية مرعبة وتبعث على القلق خاصة بعد اقتراب سعر البرميل من تكلفة الإنتاج لدى العديد من البلدان المنتجة والمصدرة للبترول، منذ الهبوط القياسي بعد بداية التراجع المسجل  منذ منتصف شهر جوان 2014، مازال هامش من التفاؤول، في ظلّ الإمكانيات والحلول المتوفرة لتجاوز الظرف الاقتصادي الذي لا يخلوا من الصعوبة.
الحل بيد «الأوبيب»   
رغم الانتعاش الطفيف لأسعار المحروقات عبر الأسواق الدولية المسجل مؤخرا، تطمح الدول المنتجة والمصدرة إلى ارتفاع أكبر ينصف المصدر والمستهلك على حدّ سواء، وتناول الخبير آيت الحسين إشكالية الأسعار بالكثير من التشريح الدقيق على ضوء العوامل المؤثرة من قريب أو بعيد، حيث ذكر أن بيد منظمة «الأوبيب» التي تضم ما لا يقل عن 15 دولة مصدرة، الحل الجوهري لهذا التحدي، فإذا تمكنت هذه الدول مجتمعة على اتفاق وقرار إيجابي من شأن الأسعار أن تعرف بفضله ارتفاعا مجددا وفي ظرف قياسي، ومن دون إقدام هذه المنظمة على اتخاذ قرار حاسم لا يمكن أن ينتظر أن تنتعش أسعار السوق على المدى القريب إلا بعد انقضاء سنة أو سنتين. وتضمن توقع الوزير السابق لقطاع الطاقة الذي عايش عن قرب أزمة النفط خلال بداية التسعينات ارتفاع متوسط لأسعار النفط ما بين 50 و60 دولار للبرميل، مستبعدا أن ينتعش بسقف عالي ولن يصل مرة أخرى إلى 100 دولار للبرميل. وبنظرة معمقة للواقع الذي تشهده السوق بجميع إيجابياتها وسلبياتها تأسف آيت الحسين لوجود عرض كبير حدّ التخمة يضاهي كثيرا الطلب، أي يسجل الكثير من ثروة البترول ويقابله القليل من الاستهلاك أي الإنتاج الضخم قتل تنافسية الأسعار، ولم يخف إمكانية بقاء هذا العرض بنفس المستوى خلال السنة المقبلة إذا لم يتحقق توازن بين العرض والطلب، أما إذا حدث العكس فإن ارتفاع الأسعار سوف يتجسد خلال السنة المقبلة. ومن الفرضيات التي يؤمن بها الخبير أن ارتفاع سعر البرميل إلى 100 دولار، وإن كان مستبعدا في الوقت الحالي سيساهم في تخفيض إنتاج الدول الأكثر إنتاجا داخل منظمة «الأوبيب»، وبدا مقتنعا من حتمية انخراط الدول المنتجة داخل هذه المنظمة في مسار طويل من الوفاق حول ضرورة الدفاع عن مصالحها المشتركة، علما أنه خلال بحر الأسبوع الفارط توصل الاجتماع الرباعي الذي ضم كل من روسيا والسعودية وقطر وفنزويلا بالعاصمة القطرية الدوحة على اتفاق عدم تجاوز الإنتاج المسجل خلال شهر جانفي الماضي، ويعد مؤشر ينفتح نحو أفق جديد من أجل تغيير معالم السوق، إلى جانب دعم إيران لاتفاق تجميد الإنتاج عقب الاجتماع الذي جمع إيران وفنزويلا والعراق وقطر في طهران وتوّج الاجتماع بقرار يتضمن أن يكون مستوى الإنتاج المقترح الخطوة الأولى لجلب الاستقرار للسوق النفطية، والجدير بالإشارة فإن أسعار برميل النفط التي سجلت عقب الانهيار المسجل والانخفاض الكبير انتعاشا طفيفا بوصوله إلى معدل حوالي 34 دولار. ومن أسباب التضرر من الأزمة الحالية يرى الخبير أنها متعددة من بينها نجاعة التخطيط وقوة التجسيد وعدم التحضير المبكر لاندماج جميع القوى الفاعلة في التنمية الوطنية، علما أن الفرصة مازالت قائمة ويمكن الاستفادة من تجربة لعب فيها النفط في الجزائر دورا رياديا في التنمية الاقتصادية، لأنه لا يمكن تجاهل ضرورة السير بخطى ثابتة نحو تنويع الاقتصاد الوطني بشكل سريع وفعاّل.  
آلية التصحيح والتحرك السريع  
يشهد العالم تطورات سريعة وضخمة في مجال إنتاج واستهلاك الطاقة، ويجب القطيعة مع السلوكات القديمة المتبعة في الاستهلاك والاستمرار في تأجيل فرص الاستفادة من ثروة الطاقات المتجددة، التي باتت إحدى المصادر الحيوية التي لا تنضب، والتي تعدّّ بديلا بل ومكمّلا للثروة التقليدية للمحروقات، هذا ما يطرحه الخبير آيت الحسين من فرضيات يعتمدها في تحليلاته، بل ويعتقد في نفس المقام، النقاش الجديد الذي يمكن إثارته اليوم يجب أن يرتكز على إرساء إصلاحات شاملة وعميقة تمس جميع القطاعات الوطنية حتى تهيأ نحو التطور واستحداث الثروة بالاعتماد على طاقاتها، وليس على مورد المحروقات ولا تكون تابعة له، وتعمل فوق كل ذلك على ضخّ القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، حتى تتحقّق الثورة التنموية، التي تفضي إلى تكريس عدالة اجتماعية يصاحبها الرفاه الذي ينبغي أن تحسسه الجميع. ومن التحديات التي ينبغي أن تواجه بصرامة وذكاء ودقة، تحديد جيد للثروات المتوفرة والتخطيط لكيفية استغلالها وفق مسار يضمن أن تكلّل فيه الجهود بالنجاح، وعدم البقاء رهينة للثروة البترولية التقليدية والانفتاح شيئا فشيئا نحو ثروات غير تقليدية، تنوع من المصادر وتكثف من الإمكانيات، علما أن أرقام الخبير تشير إلى استهلاك الجزائر لما لا يقل عن ثلثي احتياطاتها النفطية ونصف احتياطاتها من الغاز الطبيعي، أي ما يعني أن نسبة الاستهلاك المحلي جدّ عالية ويمكن ترشيدها لوضع حدّ للتبذير وقطع الطريق أمام التهريب الذي يستنزف ثروة الجزائريين، إذا التحكم في الاستهلاك المحلي يعد إحدى الأولويات والتي تضم إلى حلول السير بسرعة في تنويع الاقتصاد، مع تسريع وتيرة إنتاج الطاقات المتجددة واستدراك أي تأخر في هذا المجال كونها تعزز من الاحتياطي التقليدي، حتى تلعب هذه الأخيرة دور المحرك في معادلة التنمية. ولعلّ القرار التاريخي الذي بسطت الجزائر بموجبه سيطرتها على آبار النفط في الجنوب ووضعت حد أنهى الاستغلال الفرنسي للمحروقات، يعد محطة إستراتجية ينبغي أن يستمد منها الجرأة والقوة في مواصلة مسار بناء الاقتصاد الوطني الذي تعرض لهزات ومرّ بظروف صعبة، ورغم اختلاف أمس باليوم، لكن الحظوظ حاليا أوفر والإمكانيات أضخم والإرادة لا تقل قوة وإصرارا، فيمكن الاستفادة من تلك الثقة في النجاح والوثوب نحو سقف عالي من التطور، ويمكن استلهام تلك الرؤية الثاقبة والعزيمة والإصرار والاعتماد على العمل وتجاوز الأخطاء والإخفاقات.