طباعة هذه الصفحة

الخبير الطّاقوي مهماه بوزيان يرصد تطوّرات سوق المحروقات

فعالية اتّفاق مسار الجزائر ترشّحه للتّمديد وبناء «أوبك» جديدة

حاورته: فضيلة بودريش

قدّم مهمام بوزيان الخبير الطّاقوي رؤيته الدقيقة حول آثار بداية تطبيق اتفاق التخفيض من الإنتاج النفطي، الذي التزمت به دول من داخل وخارج منظمة «أوبك»، حيث تمّ التوصل إليه من خلال ما صار يصطلح عليه بمسار الجزائر، متوقّعا في سياق متصل أن يفضي إلى بناء «أوبك» جديدة، تتجلّى من خلال وضع نظام محاصصة جديد، يأخذ بعين الاعتبار القدرات والإمكانيات الطاقوية وكذا الطموحات والاستراتجيات التنموية لكل بلد، حتى لا يعتمد على المخزونات فقط، واغتنم الفرصة للدعوة من أجل فتح الأبواب لانضمام أعضاء جدد لتقوية حصة المنظمة وبالتالي الرفع من وزنها وتأثيرها على صعيد السوق النفطية.

❊ الشعب: كيف ترون مبدئيا التزام الدول المنتجة للنّفط بقرار التّخفيض من سقف ضخّ المحروقات في السّوق البترولية الذي دخل حيّز السّريان مطلع شهر جانفي الجاري؟
❊❊ الخبير الطّاقوي بوزيان مهماه: أعتقد أنّه من السّابق لأوانه تقييم مدى التزام الدول المنتجة للنفط، أي فيما يتعلق بأعضاء منظمة أوبك ودول خارج أوبك، الذين انضموا خلال لقاء فيينا الثاني للاتفاق، ورغم التصريحات المطمئنة، لكن الأمر لا يزال نسبيا، حيث منذ حوالي أسبوع، صرح وزير النفط والتعدين السعودي بأنه تم خفض نحو ٥ ، ١ مليون برميل يوميا، وكشف في سياق متصل أن حوالي 300 ألف برميل يوميا سوف تخفض شهر فيفري الداخل، أي نفهم من ذلك أنّ الوصول إلى تجسيد الاتفاق بشكل نهائي سوف يتحقّق شهر فيفري، لكن وبالمقابل حيث خلال يوم الأحد الماضي سجّلت تأكيدات مطمئنة، على اعتبار أنّ أحد الحاضرين اعتبر أن تنفيذ الاتفاق تحقق بنسبة 100 بالمائة، لكن وزير النفط الروسي أعلن أن عملية التخفيض وصلت في ظرف أسبوع واحد إلى ٧ . ١ مليون برميل يوميا، وبذلك نقف أمام ثلاث تصريحات متباينة.
التّخفيض مؤشّر قوي يبعث على التّفاؤل
❊ ما هي قراءتكم لذلك..وما هو سبب ذلك التّباين على مستوى التّصريحات؟
❊❊ أرى أنّه ينبغي الحديث عن مستويين، وفي البداية نتطرّق إلى المستوى التقني، الذي أتفاءل به، كون الوصول إلى عملية التخفيض بهذا الحجم والمستوى مؤشّر قوي يبعث على التفاؤل وتثمين ما تحقق، لكن يمكن القول أن الصعوبات تكمن في الوصول إلى الاتفاق والوقت كفيل باستدراكها، علما أنه لا يمكن مطالبة منظمة «أوبك» بسقف تخفيض مرتفع جدا، في ظل وجود مسار من التراكمات السلبية في السابق، إلى جانب جملة من الإخفاقات فيما مضى أي قبل سنة.
ونستحضر بالإضافة إلى ذلك أي في هذا المستوى بعض الريبة والشك، حيث لا يمكن إخفائهما نسبيا داخل «أوبك» وخارج هذه المنظمة النفطية، لكن عندما نقف على بوادر الالتزام نتأكد تقنيا أن ما تحقق جد ثمين وجيد.
وبخصوص المستوى الثاني بعض التصريحات الأخيرة تدفع إلى بعض التخوف والقلق لدى المستثمرين، وهذا القلق يسجل على مستوى السوق بسبب تضارب في التصريحات، والذي يغذّي الشكوك ويغذّي المنحى التصاعدي لمؤشر أسعار النفط التي مازالت تتأرجح عند حدود 55 دولار للبرميل، لأنه قبل دخول اتفاق فيينا حيز السريان وعند الإعلان عنه فقط سجل منحى تصاعدي كاد أن يصل إلى حدود 60 دولارا للبرميل، غير أن هذا المنحى عرف تراجعا، وبقيت الأسعار حبيسة الـ 55 دولار للبرميل بفعل التصريحات المتضاربة بين الفاعلين لتجسيد مضامين الاتفاق.
 آلية لتطوّر الأسواق
وحالة الاقتراب من التّوازن
❊ في ظل استمرار ارتفاع المخزون العالمي للمحروقات..هل يستمر في التأثير السلبي على تماسك الأسعار..وما هي الحلول النّاجعة لتجاوز هذا التحدي؟
❊❊ توجد عشرة أسباب ضاغطة على المنحى التصاعدي على أسعار برميل النفط، وقبل التطرق إليها، يجب التحدث عن أهم التوقعات المنتظرة في ظل حالة تردد سعر برميل النفط، ولا ننسى أن المحلّلين للشّأن الطّاقوي كانوا يستبعدون التوصل إلى أي توافق، ولقاء يوم الأحد الماضي، جاء للتقييم ووضع آلية المراقبة، وصار اليوم الحديث عن مسار الجزائر بدل اتفاق الجزائر لأنه تاريخي، ولقد تمّ فيه بناء ثلاث أساسيات، وبالنظر إلى نجاحه في تضييق الهوة بين الفرقاء داخل بيت «أوبك» وتخفيف حدة الاستقطاب بين كبار أقطاب منظمة «أوبك»، وإلى جانب التخفيف من التجاذبات العميقة والعنيفة داخل هذه المنظمة النفطية، وبالتالي قبول أعضائها الجلوس على طاولة واحدة، وتبادل وجهات النظر المتناقضة وقبول الحوار كمبدأ أساسي في المنظمة وممارسته، وبالتالي تحقيق التوافق داخل «أوبك»، وبعد ذلك تطور إلى بناء التوافق داخل وخارج «أوبك» من الدول المنتجة للنفط.
ومن الضروري الخوض في مسألة بناء التوافق الذي تشكّل في مسار الجزائر، وتمخّض عنه لقاء فيينا الأول والثاني، الذي التقت فيه دول أوبك مع الدول المنتجة للنفط خارج «أوبك»، حيث تمّ إقرار تخفيض ٨ . ١ مليون برميل يوميا. ونشير إلى أنّ مسار الجزائر تطلب عدة مسائل حتى رأى النور في صدارتها، نذكر وضع محاصصة جديدة أي محاصصة جزئية ومرحلية، إلى جانب وضع آلية التنفيذ من خلال اللجنة الخماسية للمتابعة والتي ترأسها الكويت، وتضم في عضويتها الجزائر، وكذا وضع آليات لمراقبة التنفيذ والتحقق من الوفاء بالالتزامات المقررة. في حين أهم ما تمّت مناقشته وحضي بالدراسة في لقاء الأحد الماضي، تمثل في الخطوة المقبلة في إطار مسار الجزائر، والمتمثل في وضع آلية لتطور أسواق النفط وحالة الاقتراب من التوازن المنشود، وتم اعتماد محاصصة لمدة ستة أشهر، وللتوضيح أقول أنّ اللّقاء ليس لمراقبة مدى الالتزام فقط، بل من أجل تقييم اللجنة والوقوف على مدى فعالية الإجراءات المتخذة وكذا مدى استجابة الأسواق لها، والذي سوف يتشكّل حتما من خلال تعافي الأسعار، والأمر الثاني يتمثل في تضاؤل الكميات الفائضة والعائمة في السوق، والآلية التي يتم العمل على إنضاجها خلال الأيام المقبلة، ولذلك في حالة التأكد من فعالية الاتفاق سوف يتم تمديده لستة أشهر أخرى، وفي المرحلة الخاصة ضمن مسار الجزائر، يجب العمل على مواصلة تثمين حالة التوافق ودعمها، ولدى التطرق إلى تثمين المكاسب، ينبغي الوقوف على منظورات مستقبلية أساسية، حيث بالإمكان الإطلاع عليها تحت شعار بناء «أوبك» جديدة.
❊ كيف تتوقّعون مستقبل منظمة «أوبك» في ظل المستجدّات وعلى ضوء مسار الجزائر، الذي أذاب الخلافات في وجهات النظر وأبعد التناقض من المواقف المشتركة؟
❊❊ لا نبالغ إذ قلنا أن أهمية مسار الجزائر سوف يفضي إلى بناء «أوبك» جديدة تتجلّى من خلال، وضع نظام محصاصة جديد، يأخذ بعين الاعتبار القدرات والإمكانيات الطاقوية، وكذا الطموحات والاستراتجيات التنموية لكل بلد، ولا نبقى نعتمد على المخزونات فقط، أما ضمن منظور أوبك جديدة، من المهم فتح الأبواب لانضمام أعضاء جدد.              
حتمية توسيع «أوبك» من حصّتها في السوق
❊ برأيكم هل بإمكان منظّمة «أوبك» أن تستقطب العديد من الدول المنتجة المهمّة في السوق، علما أنّ غينيا الاستوائية تقدّمت مؤخّرا بطلب للانضمام؟
❊❊ من الضّروري أن توسّع هذه المنظمة النفطية من نسبة حصّتها في السوق العالمية النفطية، علما أنّها تستحوذ على نحو 35 بالمائة من السوق، ولو افترضنا أنّ روسيا تنضم إليها، فإنه حصة «أوبك» من السوق العالمية النفطية، تقفز إلى 46 بالمائة، ولو تنضم دول أخرى تقفز حصتها من السوق النفطية إلى أزيد من نصف المعروض النفطي العالمي، ويجب أن تجذب «أوبك» نحوها حتى المنتجين الصغار وتجميعهم، لأنّ ذلك يرشّحها لبسط يدها على أكبر حصة، وننتقل بذلك من حرب الحصص من داخل «أوبك» الذي كاد أن يفجّر بيت هذه المنظمة في فترة سابقة إلى خارجها، ويؤدّي ذلك إلى اكتساب حصص لفائدة بيت المنظمة مجتمعة على مستوى السوق، وتصبح «أوبك» قوية بمجموعتها وقوّتها، ولن يتحقّق ذلك من خلال منتجين منفردين، وحان الوقت كي تتّجه «أوبك» نحو توسيع مجالات تخصّص وتدخّلها، حيث تصبح تهتم بالصناعات البيتروكيماوية وكذا صناعة وتجارة الغاز ومجمل العناصر الكفيلة بتنويع اقتصاديات الدول النفطية، حيث تقحم الفلاحة كون الأسمدة يتم اشتقاقها من إنتاج الغاز، وبذلك ننتقل من «أوبك» متمحورة حول النفط الخام إلى «أوبك» جديدة متمحورة حول عناصر التنويع الطاقوي والاقتصادي، وهذا ما يدعّم فرص كل عضو للولوج إلى أسواق جديدة ومنتجات متنوّعة، عن طريق تنسيق الآليات والأدوات داخل المنظّمة، وفي ظل وجود بوادر بناء «أوبك» جديدة وفاعلة على ضوء مسار الجزائر لا يجب أن نغفل عن وجود العناصر الضاغطة، وتضم ضغط معادلة الدولار أمام سلة العملات الرئيسية، ووضعية المخزونات الإستراتجية الأمريكية وكذا دول التعاون الاقتصادي، وتعافي نشاط النفط والغاز الصخريين، كون الإحصائيات الأخيرة تكشف عن تجاوز عدد منصات الحفر في الحقول النفطية الأمريكية الـ 550 منصة حفر، وتعد أكبر زيادة مسجّلة منذ المنتصف الأول من عام 2013، إلى جانب وجود 5000 بئر من النفط الصخري من قبيل ما يصطلح عليها بالآبار النائمة، ويتعلق الأمر بالآبار التي تمّ حفرها عندما كانت الأسعار مرتفعة، وعندما انخفضت أسعار برميل النفط تمّ غلق هذه الآبار، وتسمى كذلك بالآبار الجاهزة، لأنه بإمكانها العودة للإنتاج الفعلي في أي لحظة ولديها القدرة على تموين السوق العالمية بحوالي ٥ . ١ مليون برميل يوميا، ولو افترضنا عودة هذه الأخيرة لأغرقت السوق، أي ما يتم سحبه بفعل مسار الجزائر، سيتم سحب نتائجه الايجابية من خلال هذا المنتوج من النفط الصخري النائم. ومن العوامل الضّاغطة كذلك يمكن الوقوف على السياسة الخارجية الجديدة لأمريكا، بعد تعيين أحد رموز الصناعة النفطية الأمريكية على رأس وزارة الخارجية الأمريكية، ممّا يجعل السياسة الأمريكية الخارجية تهتم بالنفط، مع العلم أنّ الرئيس الأمريكي الجديد، رفع شعار «أمريكا أولا»، بمعنى أن المجال الطاقوي سيكون الأكثر أهمية بالنسبة للرئيس







الأمريكي دونالد ترامب من أجل تحقيق الاستقلال الطاقوي لأمريكا ومنحها اكتفاء ذاتيا من النفط، مع العلم أن الرئيس ترامب حريص على التخفيف من إجراءات التنقيب عن النفط والغاز; وبالتالي التخفيف من الإجراءات البيئية والمناخية، من أجل استغلال أكبر للفحم الحجري والنفط والغاز الصخريين. ومن بين العوامل الضاغطة نذكر التوجه العالمي نحو تكثيف صناعة وتجارة الغاز، إلى جانب وضعية الاستثمارات في قطاع الطاقة وقلق المستثمرين من التذبذب في وضعية الأسواق، ممّا سينبئ بتغيرات حادّة في أسعار النفط خلال العشرية المقبلة أي بعد آفاق عام 2021، بالإضافة إلى محدودية نموذج الأعمال الحالي للشركات النفطية، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وعلى وجه الخصوص الاقتصاد الصيني، ونمو المصادر الطاقوية الأخرى على غرار الفحم والطاقات المتجددة والتوسع في نشر الفعالية الطاقوية، وآخر عامل ضاغط يمكن حصره في حالة الإنتاج الفعلي لكل دولة منتجة للنفط من داخل وخارج «أوبك».
❊ ما هي السّيناريوهات المحتملة حول أسعار برميل النّفط بعد سريان اتّفاق التّخفيض؟
❊❊ أقول أنّه على ضوء المعطيات الايجابية، ومع الأخذ بعين الاعتبار العوامل الضاغطة، خاصة خلال الستة أشهر الأولى من السنة الجارية التي تعتبر فترة اختبار حقيقي لثبات جدية الأعضاء المنضويين تحت اتفاق الجزائر، لا نبالغ إذا قلنا أنّ أهمية مسار الجزائر سوف يفضي إلى بناء «أوبك» جديدة تتجلى من خلال، وضع نظام محصاصة جديد، يأخذ بعين الاعتبار القدرات والإمكانيات الطاقوية لكل بلد، وكذا الطموحات والاستراتيجيات التنموية لكل بلد، ولا نبقى نعتمد فقط على المخزونات فقط، أما ضمن منظور «أوبك» جديدة، من المهم فتح الأبواب لانضمام أعضاء جدد.
وأرى أنّه على ضوء التّصريحات، أنّ جميع الأعضاء متفائلين ولديهم قبول على بقاء الأسعار على مستوى هذا الهامش، أي ما بين 55 و60 دولارا، وعلى أمل نجاح آجال الستة أشهر وتجديدها، فإنّ الأسعار سوف تتجاوز سقف الـ 60 دولارا للبرميل.